اليمن في مواجهة الغدة السرطانية الإخوانية

فهد المهدي

عزل نظام صالح لا يعني أن مشاكل اليمن قد انتهت، فثلاثة عقود من الحكم تركت من دون شك تركة ثقيلة للغاية من المشاكل التي أنتجت واقعاً مزرياً للمجتمع اليمني استهدفت البنية التحتية لقيم الانسان اليمني وتدميرها، ومن ثم تدمير وجوده الفاعل في الحياة العملية والثقافية والسياسية على حدّ سواء.

دخول اليمن في الحقبة الجديدة بقيادة الرئيس هادي وجماعة الإخوان المتسمّية بـ»حزب الإصلاح»، والتي كان يعوّل عليها المواطن اليمني الفرج من هذه المشاكل، او على أقلّ تقدير إخراجه من بعض مشاكله التي يعاني منها، للآسف وجد نفسه أمام مشهد أسوأ من المشهد السابق، فساد بلا حدود، وأمن منفلت ومشاريع إنمائية مجمّدة، أخونة الدولة حيث تمّ تعيين المئات من العناصر الإخوانية الغير مؤهلة، في كلّ مفاصل الدولة المدنية والعسكرية خلال الفترة الماضية.

خروج الجماهير اليمنية بزخم لا مثيل له في صنعاء وباقي محافظات اليمن بدعوة من السيد عبد الملك الحوثي قائد جماعة «انصار الله» تعبير واضح وصريح عن سخطها الكبير على الواقع السياسي الذي يحكم المجتمع اليمني، من خلال الإشارة الصريحة للانفصامات والانقسامات والفساد الحاصل في النظام الحاكم، فحمّلته الجزء الأكبر من المسؤولية عن هذا التردّي المزري الذي يعيشه المجتمع اليمني.

ولعلّ هذه النظرة لا تقتصر على المواطن اليمني فحسب بل هي موجودة عند السياسيين والمثقفين اليمنيين… فهم يدركون تماما أنّ الفصل الظاهر في هذه المؤامرة الكبرى قد تمثل في تعاطي السلطة الممثلة في حقيقتها في حزب «الإخوان « في اليمن الذين «أبدعوا» في التجييش لتفرقة اليمنيين وجعلهم طوائف مذهبية وقبلية متعدّدة لتحقيق أهداف ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، ويدركون كذلك انّ هناك فصلاً خفياً لهذه المؤامرة يديره آخرون ضمن مخطط مدروس يتحرك في صميم الوسط اليمني، لكن الأسئلة التي تطرح نفسها بقوة هنا هي: كيف وجد الإخوان هذا المخطط ومنفذوه في اليمن أرضاً خصبة للمباشرة بتنفيذه؟ وهل يشكل هؤلاء المنفذون وحدهم ادوات هذا المشروع؟ ام أنّ هناك من يشكل ادوات مساعدة لهم تعمل بطريقة غير مباشرة؟

ان دراسة متأنية للواقع الاجتماعي والسياسي اليمني تجيبنا على كل هذه الاسئلة بشكل واضح ودقيق، فأرض اليمن من شمالها الى جنوبها مزروعة بالقنابل الموقوتة التي يمكن تفجيرها الواحدة تلو الأخرى لتقوم بإرباك الساحة وإلهائها، فمن خلافات وانقسامات سياسية الى تعدد في الولاءات والانتماءات الحزبية والمذهبية الى تسقيط وتشهير الجهات السياسية بعضها لبعض، حتى اصبح الطابع الذي يطبع العمل السياسي اليمني هو طابع التناقضات والمزايدات العلنية على التضحيات الكبيرة التي قدمها الشعب اليمني، مما فسح المجال لذوي النفوس المريضة من انتهازيين ونفعيين الى ان يصطادوا في الماء العكر فيتحوّلوا الى ادوات في المخطط الذي ذكرناه آنفاً، حيث بدأت الساحة تضخ عناوين هجينة لم تزد العمل السياسي اليمني إلا سوءاً من أجل الهاء الشارع اليمني تارة، وإدخال عناصر غربية تارة أخرى، وغرابة هذه العناصر تؤدي في الأخير الى تكتل المجتمع اليمني الى جماعات وطوائف، تتناحر فيما بينها لتكون نتيجة ذلك تمزيق المجتمع اليمني ذاته بذاته، او على أقل تقدير إضعاف معنويات الشعب اليمني بحيث لا تقوم له قائمة.

وهذا ما يعمله بالضبط حزب «الإخوان» الحاكم في اليمن حيث وجدوا في اليمن ارضاَ خصبة ساعدتهم كثيراً في تنفيذ مخططاتهم الذي يستهدف الإجهاز على ما تبقى للمجتمع اليمني في جميع المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، بالإضافة الى استغلالهم الى عوامل الضعف الذاتية والموضوعية التي تطبق بخناقها على التنظيمات الإصلاحية المعتدلة ومؤسساتها، وهذا بمجمله أدّى الى الفشل الذريع الذي ترك بصماته الكثيرة في نفسية المواطن اليمني.

الإخوان اليوم يستعدون لمخطط خطير يدخل اليمن في نفق مظلم بعد أن ايقنوا انهم فقدوا انفسهم وشعبيتهم وأهدافهم وبقائهم، فأصبحت ورقتهم التي يراهنون عليها هي «الدم»، فتاريخ الإخوان الدموي مع العمليات والاغتيالات عريق ومديد وبحاجة لحلقات متكاملة وبحث مستفيض فيكفي أن يشير المرشد أو القائد لفظياً بخروج شخص ما عن نهج الأمة او أنه عائق أمام توسع الجماعة لتصبح فتوى ملغمة وجاهزة لمن يلتقطها ويتبناها فوراً وينفذها ويترجمها عملياً على أرض الواقع.

تحركات الكهنوت الإخواني الرجعي المستبدّ والعميل، لإجهاض تحركات الشعب اليمني بكلّ أطيافه الذي يناضل من أجل أن يستعيد إنسانيته وحقوقه المنهوبة، كشف عن مستور الخبايا السياسية والأيدي الخفيّة الداعمة للتوجه الإرهابي في الدولة، فالهجين المختلط بين الإخوان والقاعدة والتي أنجبتا مسخ «داعش» وتمّ استنساخها في أعنف صورها وشذوذها الدموي بحسب العمليات الوحشية اللاإنسانية التي لا ترقى حتى للحيوانية، لنقف أمام نموذج مخز وحالة بشعة مزرية من الانحطاط السافر للأصولية الدينية الى اقصى درجات مستنقع الرذيلة والانهزام والتجرّد الإنساني والنفسي والأخلاقي من آدميتها وشعورها، يسعون راهناً لخلقه في اليمن لجعله ساحة مفتوحة للإرهاب، وخلط الأوراق لتحميل «انصار الله» الفاتورة كاملة.

في الأخير لا بدّ من ان نؤكد على أنّ السكوت والتهاون مع هؤلاء الرجعيين ومدّ اليد اليهم باسم الحوار والمصلحة هو أشبه ما يكون بالتصالح مع الشيطان، ويعتبر ببساطة خيانة عظمى وجريمة يعاقب عليها القانون والضمير الإنساني والشرائع السماوية، فبتر هذه الغدة السرطانية من الوسط اليمني كفيلة بأن يستعيد هذا البلد عافيته من جديد.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى