لماذا الآن إلى بغداد؟

مصطفى حكمت العراقي

كثيرة هي التساؤلات التي طرحت حول زيارة رئيس الاقليم، المنتهية ولايته، مسعود البرزاني، إلى بغداد. فموعدها والظروف المحيطة بها، قبل حصولها وبعده واللقاءات التي تمّت خلالها، كلها علامات استفهام، لجهة معرفة دوافع الزيارة وماذا سينتج عنها من تداعيات. خصوصاً، في ما يتعلق بعملية تحرير الموصل، التي تكسّرت على أعتابها أحلام البرزاني الانفصالية والتقسيمية، الساعية لالتهام أجزاء محيطة بأربيل، وإجراء تغيير ديمغرافي فيها وتهجير العوائل، غير الكردية، من أطراف الموصل، رغم سكوت الجميع والتعاون مع عدو الكرد الأول في المنطقة، إشارة إلى أردوغان، الذي جعل أشلاء الكرد متناثرة أينما حلّ وارتحل.

إلا أنّ البرزاني، جعل ذلك كله، تحت قدميه وذهب ليتعاون مع أردوغان، ليدخل الأخير قواته إلى شمال العراق، بمعاونة ودعم وطلب من البرزاني. أما موعد الزيارة، فقد حصلت بعد ست سنوات لم تطأ فيها أقدام البرزاني بغداد، بعدما كان الأخير متكبّراً ورافضاً أن يصل إلى عاصمة البلد، الذي جعله سيداً في قومه. رغم أنّ قوافل المسؤولين، من العراق وخارجه، لم يكلوا ولم يملوا من الحجيج نحو أربيل، لكسب الودّ من الصديق الاول للولايات المتحدة و»إسرائيل» في العراق والمنطقة. ورغم أنّ الدكتاتور الصغير في أربيل، أصبح بلا منصب قانوني، منذ سنتين، إلا أنه لا يزال يتمتع بامتيازات رئيس الاقليم. ويحارب كلّ من يعارض ذلك، حتى وصلت به الوقاحة إلى طرد رئيس برلمان الاقليم، لمجرد معارضة سياسة البرزاني. إضافه إلى سعيه الحثيث، المعلن وغير المعلن، ليصبح زعيماً للكرد في العراق، خصوصا والمنطقة عموماً، بعد أن كبل حليفه أردوغان، أيادي الزعيم التاريخي للكرد عبد الله أوجلان وجعله خلف القضبان. كما أنّ المشاريع المشبوهة التي غاص فيها البرزاني، مع من أوصله إلى ما هو عليه، في واشنطن وتل ابيب وغيرها من عواصم الفتنة ودخوله في معترك الازمة في سورية ووقوفه مع من جلب الارهاب والدمار لدمشق، رغم تعارض هذا الموقف مع موقف العراق المركزي، إلا أنّ رئيس الاقليم لا يكترث أو يسمع لاحد، إلا لسادته في واشنطن ومن سار في فلكها. كلّ ذلك وأكثر، جعل من البرزاني العدو الأول لوحدة العراق والداعم الاول لتقسيم العراق والحافظ والمحتضن لكلّ من يعادي العراق، سواء كان من ساسة البلد الهاربين من القضاء، أو حتى المفسدين، الذين وجدوا في فنادق أربيل، ملاذاً يحتمون به من ملاحقة القضاء العراقي ومؤسسات البلد العاجزة عن رفع علم العراق، في أيّ بناية أو مؤسسة داخل «اقليم كردستان» من دون إذن البرزاني.

وعلى الرغم من كلّ هذا، نجد أنّ قادة الصدفة في بغداد، كادوا يموتون فرحا لأنّ البرزاني جاء إليهم، حيث استقبلوه بحفاوة ومهابة لا توصف. وكأنهم يشدّون من أزره ويعينوه على شعبه وعلى باقي الاحزاب الكردية، الرافظة لوجوده غير القانوني. لكن كان يجب على من تبقى في ذهنه ضمير، من ساسة العراق، النظر كثيراً قبل التعامل مع شخص تعامل بتكبّر عندما كان مبسوط اليد، أما عندما أصبح مكسّر المخالب، جاء ليتودّد ويستجدي المال، بعدما أصبحت ميزانيته وعائلته خاوية وخالية منه. وبعدما انتفض عليه ساسة الاقليم وجميع الأحزاب الكردية، إلا حزبه. وبعدما ثار عليه موظفو الاقليم، على مختلف صنوفهم، بتظاهرات عارمة، جعلت حزب البرزاني في ذهول، لجهة عجز الأخير عن الإيفاء بمستحقات الشعب الكردي، التي سرقوها لسنوات. والآن، انكشف زيف كذبهم وانتشر غسيلهم للعلن، فكيف لهم أن يتبجحوا بسعيهم لإعلان الدولة الكردية وهم عاجزون عن تسديد الرواتب؟

هذا الجو الشعبي في الإقليم، المشتعل ضدّ البرزاني، عجل بزيارة الأخير لبغداد، رغم أنّ تداعيات إقالة خال البرزاني، وزير المالية هوشيار زيباري، لم تنته بعد. غير أنّ عوز البرزاني وعجزه وحاجته لأموال المركز، جعلته يتناسى ويتغاضى عما حصل لممثله الأبرز، في حكومة العبادي. كما أنّ فشل البرزاني في تسويق حلم الدولة الكردية، عالمياً، جعله يجد من الضروري العودة نحو بغداد، رغم مرارة الخيار وقساوته. لكن بغداد، تعاملت معه بدرجة لم يكن يتوقعها، هو ذاته. ذلك، لأنّ الساسة في بغداد، لا يجيدون قراءة اللعبة ولا يستغلون الفرص. فهم بغبائهم يقوّون خصومهم ويمنحونهم المال والسلطة والنفوذ، ليستمرّوا بقتلنا وتنفيذ المخططات التدميرية للبلد وهذا قمة الفشل والخذلان. فهل من المعقول أن يتخلى البرزاني عن احلامه الانفصالية ويقف مع وحدة العراق، راغباً غير مرغم، حتى نقف معه هكذا ونعيد له السطوة والنفوذ؟

هل من المعقول أن يلتزم البرزاني بسياسة خارجية موحدة ويصبح الاقليم ومؤسساته، خاضعاً، بشكل كامل، للسلطات الاتحادية الحكومية، حتى يكون العبادي فرحاً بهذا الشكل لزيارة البرزاني؟

هل من الممكن أن يكشف البرزاني وحزبه، عن حسابات النفط المسروق، من حقول شمال العراق وحقول كركوك وعن الأموال المستحصلة من الضرائب، في المنافذ الحدودية الاتحادية، ليكون التعامل معه دستورياً وقانونياً؟

في المجمل، فإنّ البرزاني لا يُرجى منه خير ولا يمكن له أن يكون صمام أمان في البلد. ولا يمكن أن يعود رئيساً للاقليم الكردي، بعد نفاذ كلّ الفرص القانونية في ذلك. ولا حلّ يمكن البناء عليه لعودة الثقة بين مختلف الاطراف، إلا بالكشف عن الاموال المنهوبة من قبل عائلة البرزاني وحزبه، منذ عشرات السنين والعودة لحكم الدستور والقانون وعدم الانجرار وراء مخططات خارجية تهدف إلى تقسيم العراق. وهذا صعب التحقيق، لانّ البرزاني وصل بمشاريعه إلى نقطة اللاعودة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى