قاضي «الديربي» شنق حالو!

إبراهيم وزنة

منذ العام 1968، تاريخ بدء المواجهات الكرويّة ما بين ناديي النجمة والأنصار البيروتيَّين، سريعاً ارتسمت حول مبارياتهما علامات الإثارة والحساسية والنكايات، وذلك على غرار ما كان سائداً في تلك الحقبة ما بين هومنمن وهومنتمن والراسينغ والحكمة، وصولاً إلى البرج والإرشاد وشباب الساحل والوفاء على صعيد الضاحية. وبالعودة إلى كلمة «ديربي» ومعناها، فهي مشتقّة من مدينة «ديربي كاونتي» الإنكليزيّة التي كان يُقام فيها مطلع القرن التاسع عشر وبشكل أسبوعي سباقاً لخيول مملوكة من قِبل شخصيّتين ثريّتين من أبناء المدينة، ولاحقاً صارت تُطلق كلمة «ديربي» على المباريات التي تُقام بين فريقين رياضيَّين من نفس المدينة، ومن ثمّ اتّسعت رقعتها لتطال قارّتين أو مدينتين أو دولتين متجاورتين. وفي إسبانيا، أُطلقت كلمة «كلاسيكو» على الموقعة الكرويّة الحامية التي تجمع بين ريال مدريد وبرشلونة، لاعتبارات سياسيّة وعرقيّة واجتماعيّة.

وبالعودة إلى «ديربي» العاصمة بيروت بين ناديي النجمة والأنصار، يطيب لي بداية استحضار ما قاله أحد الشعراء في وصف عداوة «الكار»: كلّ شيء جنسه من ضدّه … حتى الحديد بالحديد يبردُ، فماذا نلاحظ في التفاعل الجماهيري الحاصل على جنبات «الديربي»؟ وماذا نقرأ في تصريحات المعنيّين من قِبل الفريقين؟ وخصوصاً في الفترة الأخيرة التي أصبحت خاضعة لأجواء لا تمتّ إلى الرياضة بصِلة!

بداية، وبصريح العبارة ومع وافر الأسف، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ غالبيّة جماهير فريق النجمة هم على نقيض تامّ لجهة الانتماء السياسي والمذهبي مع أخوانهم في جماهير فريق الأنصار، وهذا يجب أن لا يُفسد في الودّ والتشجيع قضيّة. والجدير ذكره في هذا السياق، أنّه وعلى الرغم من تمنّيات المسؤولين ومساعي العقلاء وأصحاب الرأي السديد عند الطرفين وبشكل متواصل لإبعاد التأثيرات الدينيّة والسياسيّة والطائفيّة عن لغة التشجيع وطرق التعبير، وضرورة فصل القناعات الشخصيّة الضيّقة عن الخطاب والتفاعل الرياضي، فما زالت القلّة النافرة تفعل فعلها في تشويه المشهد الذي نتمنّاه حضاريّاً إنسانيّاً رياضيّاً بامتياز، فنراه ـ وللأسف ـ ارتجاليّاً عبثيّاً وفوضويّاً. بالأمس، تابعنا «ديربي» ساخناً، فنيّاً وجماهيريّاً، وسجّلنا على هامشه تمنّيات بتعيين حكّام أجانب، وتلويح باستقالة إداريّة من هنا وتنظير مطوّل عن ظلم تحكيمي لحق بالطرفين! مع تحميل الاتحاد المسؤوليّة … وأيّ مسؤولية!

ماذا تابعنا في المدينة الرياضيّة؟ اعتراضات كثيرة وتجاوزات أكثر، جرائم تشجيعيّة وعبارات طائفيّة وشغب غير مبرَّر، انتهاكات اجتماعيّة وسقطات إنسانيّة، مؤتمرات تهديدية وتصريحات منافية للواقع والحقيقة، وبالمحصلة الفنيّة مباراة مثيرة بنتيجة تعادليّة ومقرّرات اتحادية قاسية مادياً ومعنوياً على الناديين.

ختاماً، وبصراحة، في لبنان غالباً ما تسهل عملية التفتيش عمّن نلصق بهم تهم التقصير، والفشل الذريع، وعدم السيطرة … فدائماً هناك الحكّام والقيّمون على اللعبة، ربما لأنّ أجسامهم «لبّيسة» …. قديماً توارثنا «قاضي الأولاد شنق حالو»، اليوم، وعفواً يا مثل «قاضي الديربي … سيشنق حالو» ولو بعد حين.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى