أزمات الإخوان

بشير العدل

لم تكن جماعة الإخوان المسلحين المسلمين سابقاً جماعة دينية إسلامية تدعو إلى سبيل ربها بالحكمة والموعظة الحسنة، ولم تجادل يوماً مَن خالفها الرأي والعقيدة بالتي هي أحسن، وإنما هي جماعة على مرّ تاريخها أرادت أن تحتكر الدين الإسلامي الحنيف في تركيبتها النرجسية، وقامت بالأساس على فكرة «البيعة» القائمة على السمع والطاعة لشخص، بلغ عندها حدّ النبوة، وقامت أيضاً على تغييب العقل بل والضمير في كثير من الأحيان.

ولم يكن وصول الجماعة إلى رأس السلطة في بلادي مصر، إلا جزءاً من القفز على جهود الغير، ونسب الفضل لغير أهله، وممارسة الخداع باسم الدين الإسلامي، على كثير من أبناء بلادي مصر، المتدينين بفطرتهم، وتتسم نياتهم بأنها حسنة، وضمائرهم بأنها صافية، حتى استطاعت أن تقفز على السلطة في أكبر عملية خداع في التاريخ.

وتظهر سمات الجماعة، حينما تختلف في الرأي والتوجه مع غيرها، فلا تتوارى خجلاً من سوء عملها، ولا تكفّ خوفاً من استمرار كذبها وافترائها على مخالفيها، بل ويصل بها الأمر إلى حدّ تحليل ما حرّم الله من قتل النفس، والإتيان على البلاد والعباد بغير وجه حق، فما أن لفظها الشعب المصري في ثورة الثلاثين من حزيران/ يونيو من العام 2013، إلا وبدأت في التدبير للانتقام من الشعب وشرطته وجيشه، فمارست الإرهاب بالحديد والنار، وكشفت عن حقيقتها بأنها جماعة لا تعرف إلى الدين طريقاً.

وبدأت في ترويج الأكاذيب، وساعدتها في ذلك آلات دعاية إعلامية مختلفة، ما بين فضائية والكترونية، حتى صوّرت الكذب على أنه الصدق، والبهتان على أنه البرهان، والباطل على أنه الحق.

وأرادت الجماعة أن تصنع الأزمات بعدما أن نجحت القوات المسلحة وبمعاونة جهاز الشرطة في الحدّ من العمليات الإرهابية، فصنعت الأزمات الاقتصادية بالترويج للأكاذيب تارة، وبممارسة الأعمال الاحتكارية تارة أخرى، فروّجت لأكاذيب كثيرة، منها إلغاء الدعم على السلع الأساسية، وإلغاء الفروق المادية لنقاط الخبز، وهو ما ثبت عدم صحته، وامتدّ الأمر بها الى محاولة ضرب الاتفاقات الاقتصادية بين مصر والمؤسسات النقدية الدولية، كما حدث أن روّجت لأكاذيب استغناء الدولة عن الملايين من موظفي القطاع العام، وإلغاء الدعم عن الفقراء، وفرض ضريبة القيمة المضافة بنسبة 13 في المئة بجانب ضريبة المبيعات التي تصل الى 10 بالمئة، وذلك حينما شرعت مصر في مفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بقيمة 12 مليار دولار لدعم الاقتصاد الوطني، وخلطت بين القيمة المضافة وضريبة المبيعات في حين أنّ القيمة المضافة تمّ إحلالها محلّ ضريبة المبيعات، ولم تستغن الدولة عن عمالها، ولم يحدث شيء مما روّجت له الجماعة من رغبة في صناعة الأزمات.

كما انتقلت الى ممارسة الأعمال الاحتكارية، كتخزين الحاصلات الزراعية مثلما حدث مع الأرز، والى احتكار الدولار كي تصنع من عدم وجوده أزمة اقتصادية تربك الدولة في خططها الاقتصادية، وذلك كله بهدف السمات الخبيثة التي تتسم بها الجماعة، وهي الحقد حتى في الانتقام من البلاد والعباد.

وقد سبق أن تناولنا تلك الممارسات وكشفنا عن بعضها في مقالات سابقة، حتى جاءت واقعة اكتشاف أجهزة الأمن لخلية إخوانية، تخصّصت في صناعة الأزمات والترويج لها، لتؤكد صحة ما ذهبنا إليه في مقالات سابقة.

وفي كلّ مرة يتمّ فيها اكتشاف كذب الجماعة وافتراءها، تتجه الى محاولات أخرى منها استهداف رجال القضاء، كما فعلت مع النائب العام المساعد مؤخراً، وكلها أمور تؤكد أنّ الجماعة أبعد ما تكون عن الدين الإسلامي السمح، الذي لا يعرف الانتقام ولا الكذب ولا الزور ولا البهتان وكلها صفات تجمّعت في جماعة أنصار الشيطان.

ومن أسف أنّ بعض الذين يؤمنون بهذه الأفكار يعتقدون أنها نصرة لله ولرسوله، ومبرّرهم أنّ القيادة السياسية في الدولة ومعها والشعب، وأنصار الوطن، هم في حرب مع الله ورسوله، ووضعتهم الجماعة في خانة أعداء الله، في تفسيرات عقيمة وغير صحيحة للدين الإسلامي، وروّجت لذلك لدى ممسوخي الفكر والعقل، حتى أصبح إيماناً راسخاً لديهم بأنّ ممارسات الجماعة لنصرة الدين، وقد امتدّ ذلك الى كثير من الذين آمنوا بالجماعة ودانوا لها، اللهم إلا قليلاً ممن عاد إليهم رشدهم وأعلنوا مراجعات لأفكارهم.

أزمات الإخوان إذن هي صناعة جديدة تريد أن تروّج لها الجماعة، ليس دفاعاً عن الدين، وأنما دفاعاً عن أفكار أعلنتها وروّجت لها جماعة الشيطان. وهو الأمر الذي يتطلب مراجعات فكرية، ليس فقط من جانب هؤلاء الذين اعتنقوا فكر الجماعة بالعضوية فيها، ومارسوا خلالها أعمالاً على مستوى القواعد منها والتنظيمات، وإنما أيضاً لهؤلاء البسطاء من أبناء بلادي، الذين ما زالوا يعتقدون في حسن نيات الجماعة، وأنها تدافع عن الدين الإسلامي الذي هو بالأساس براء منهم ومن ممارساتهم.

ومهما علت الجماعة في شرّها وغيّها وطغيانها وصناعتها للأزمات، ارتفع الشعب وعلا في قدرته على مواجهتها، وذلك بكثير من دعم الوطن ومواجهة كلّ الأعمال التي من شأنها أن تنال منه أو من استقرار أبنائه.

وتمكر الجماعة وأنصارها والله خير الماكرين.

كاتب وصحافي مصري

مقرّر لجنة الدفاع عن استقلال الصحافة

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى