قانون «الكونغرس» الأميركي يهزّ البلاط الملكي السعودي
محمد نادر العمري
شكل قانون «جاستا»، الذي أقرّه «الكونغرس» الأميركي، رافضا «الفيتو» الذي استعمله الرئيس باراك أوباما، ضد مشروع هذا القانون، صدمة لدى بعض المراقبين. وبدأت التكهّنات تتزايد حول اقتراب إفلاس المملكة السعودية، التي تعتبر من أكثر الدول إنتاجاً واحتياطاً للنفط. ورغم ذلك، تجاوز عجزها الاقتصادي 326 مليار دولار.
وحسب تقرير لصندوق النقد الدولي، فإنّ المؤشرات تفيد بأنّ ارتفاع العجز قد يتجاوز 401 مليار دولار، عام 2017. كما أنّ احتياطها من النقد الأجنبي، انخفض مع إقدام المملكة على سحب 80 مليار دولار، خلال الشهور الثلاثة الماضية، ليصل إلى 664 مليار دولار. وبدأت بفرض سياسة حكومية تقشفية، طالت وزراءها وخفضت مدخولهم الشهري بنسبة 20 في المئة وقللت نسبة رفاهيتهم وألغت الزيادات السنوية لموظفيها وشرعت بوقف استكمال المشاريع الاستثمارية والخدمية، في المجالين الاقتصادي والصناعي.
ومع ذلك، فإنّ جملة التقشفات الحكومية هذه وغيرها، لم تطل المستشاريين العسكريين والضباط والعسكريين السعوديين، بسبب خشية المملكة من زيادة النقمة الشعبية عليها، خصوصا، بعد الخسائر المادية والبشرية التي لحقت بالمؤسسة العسكرية السعودية، في عدوانها على اليمن والتي تجاوزت مقتل أكثر من 2645 عسكريا، بينهم 62 ضابطا وجنرالا وتدمير 400 دبابة وأكثر من 300 مدرّعة وحاملة جنود وتعرّض 97 موقعا عسكريا في عسير ونجران وظهران للتدمير بشكل كامل، بما في ذلك مواقع جوية ومنصات إطلاق الصواريخ وتجاوز تكلفة عدوانها على اليمن، خلال 17 شهراً مضت، رغم التعتيم الإعلامي الذي تفرضه، 41 مليار دولار، فقط للأمور اللوجستية ونقل الجنود والوقود.
لكن يبقى السؤال الأبرز: ما هي الدوافع التي جعلت مشرّعي بلاد «العم السام» يقدمون على إصدار هذا القانون، تجاه حليفتهم التي كرّست آبار نفطها لخدمة أميركا، بناء على اتفاق ملكها المؤسس عبد العزيز آل سعود، مع الرئيس الأميركي الأسبق روزفلت، عام 1945 ، مقابل ضمان الحماية الأمنية للعائلة الحاكمة؟
لعلّ الدافع الأول، يكمن بسرعة اقرار القانون بهذا التوقيت وما يحمله من دلالة في غاية الأهمية، هي استثمار هذا الملف، لخدمة الحملة الانتخابية للمرشح الجمهوري وترجمة ما توعّد به بضرورة أن تدفع الدول ا موال، مقابل تأمين الحماية لها، لا سيما أنّ «الكونغرس» بمجلسيه، الشيوخ والنواب، مكوّن من أعضاء، أغلبيتهم، من التوجه والانتماء الجمهوري ذاته. وهذا القانون، قد يحمّل السعودية لتقديم ما يقارب 3.3 ترليون دولار، تعويضات لضحايا 11 أيلول. وهذا يجعل المملكة وآبارها النفطية، كالبقرة الحلوب للولايات المتحدة الأميركية، خلال العقود الثلاثة المقبلة. وتبقى بحالة تبعية وابتزاز مستمرين، في حال انتقال الاهتمام والثقل العسكري الأميركي، لمنطقة الجنوب الآسيوي، خصوصا بحر الصين الجنوبي.
ثانياً: قد يكون الكونغرس الأميركي وصنّاع القرار داخله، يمهّدون الأجواء والظروف لدفع المملكة السعودية نحو الحضن الصهيوني، بشكل أكبر وأسرع. وجعل ذلك الخيار، المثال الأوحد أمامها، بعد فشل المشروع السعودي في إغراء الاتحاد الروسي، لتغيير مواقفه تجاه الملف السوري وزيادة حدية العلاقات مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية والخشية من امتداد نفوذها في ملء الفراغ الذي يتولد في المنطقة وتخلي الإدارة الأميركية، الحالية، عن وعودها وإعلاء مصالحها على مصالح حلفائها. تجلى ذلك، في توقيعها الاتفاق النووي مع إيران وتراجعها عن شنّ عدوان على سورية، عام 2013، وإحتمال وصول ترامب لتولي الإدارة الرئاسية المقبلة وما يشكله ذلك من عبء أمني مرتبط بالعجز الاقتصادي، الأمر الذي يجعل المملكة تتجه نحو تحالف استراتيجي مع الكيان الصهيوني، يكون بديلاً عن الدور الأمني والعسكري الأميركي! لا سيما أنّ أهدافهما تتقاطع تجاه عدد من الملفات في المنطقة، في مقدّمتها الموقف من إيران، الدور التخريبي والتقسيمي في سورية والعراق، المصلحة الحيوية في مصر والسودان، التعاون القائم على اليمن ووضع نظام جديد للخليج العربي، برؤية صهيونية وقيادة سعودية.
أما العامل الثالث، فيتمثل بعدم رضا الإدارة الأميركية عن سلسلة الخطوات الفاشلة للمملكة السعودية، في إدارة ملفات المنطقة. وعجزها عن تحقيق أيّ مكاسب في سورية واليمن والعراق وتعرية دورها في رعاية ودعم الحركات الإرهابية، الأمر الذي دفع الرأي العام الأوروبي والأميركي، لاتهام المملكة برعاية الإرهاب، مطالباً حكوماته بالتوقف عن بيعها المزيد من الأسلحة وقطع جميع أشكال التعاون معها. وبالتالي، لا بدّ من إحراج المملكة ووضعها في مأزق يجعل من الضرورة بمكان، إحداث تغيّرات سياسية بعد جملة من التطورات الخانقة اقتصادياً واجتماعياً.
من المؤكد، أنّ البلاط الملكي السعودي يقف على حافة الهاوية. واحتمالية ترجمة تهديد وزير خارجيتها عادل الجبير، بسحب الودائع والاستثمارات من البنوك الأميركية، البالغة 750 مليار دولار والتوقف عن استكمال الاتفاق العسكري الأخير، الذي عقده ولي ولي العهد السعودي، المتضمّن شراء أسلحة أميركية بقيمة 1.2 مليار دولار وتشجيع المملكة لأهالي ضحايا النيران الصديقة وفق وصف الإدارة العسكرية الأميركية والمدنيين في أفغانستان والعراق ولبنان، لرفع دعاوى تعويضية، كمعاملة بالمثل، لن يشكل تأثيراً على القرار الأميركي خلال الفترة المقبلة، نّ النظام الأمني والعسكري في السعودية، خصوصاً، والخليج عموماً، هو رهن الإدارة الأميركية وتحت قبضتها، في ظلّ غياب رؤى خليجية مستقلة لنظامهم الأمني.
كاتب وباحث سوري في العلاقات الدولية