حرب محمد بن سلمان: فصل المسارات يبدأ بعون رئيساً
روزانا رمَّال
عاد الرئيس سعد الحريري إلى بيروت بعد زيارته إلى موسكو ولقائه وزير الخارجية سيرغي لافروف بعدما عرّج على الرياض والتقى مسؤولين سعوديين على رأسهم ولي ولي العهد محمد بن سلمان ووضعهم في أجواء زيارته الروسية من جهة وأجواء مشاوراته الرئاسية في لبنان ولقاءاته مع الأفرقاء من جهة أخرى، وبشكل سريع تقرّرت عودته الى لبنان لاستكمال المساعي.
الحديث عن المبادرة الحريرية الجديدة نحو تحريك الملف الرئاسي في لبنان أتت بعد عودته من الرياض لطرحه العماد عون كمرشح مفترض لم يتبنَّه رسمياً حتى الساعة لاستكمال المشاورات، وكان لافتاً حينها عودة الطرح الذي فشل بـ «فيتو» سعودي منذ سنتين، لترتسم علامات استفهام مشروعة حول الرغبة السعودية والمهمة التي كلف بها الرئيس الحريري، وعما اذا كانت هذه الرغبة جدية ومبنية على أسس تحفظ المصلحة السعودية بطريقة او بأخرى، فالمملكة تلقت ما فيه الكفاية من خسائر في المنطقة، في سورية واليمن والبحرين، والملف النووي الإيراني، فهل تجوز إمكانية التفكير بفصل الملفات وحلّ الرئاسة اللبنانية بمعزل عن باقي الملفات التي لم تختتم بعد؟
واذا كان هذا ممكناً، وهو مرجح، فيعني انّ السعودية تحتاج لفتح «ثغرة» حلّ بمكان ما، والأكيد ان طرح العماد عون مجدّداً ليس عبثاً سعودياً.
يعتبر محمد بن سلمان وزير الدفاع السعودي وولي ولي العهد الواجهة الحقيقية اليوم لحرب السعودية على اليمن، وهي «حربه»، واكبر مشاريعه، فاذا نجحت تنجح معها سبل تأسيس حكمه وتجذيره، واذا فشلت الحرب فانّ مكانته داخل العائلة معرّضة للاهتزاز مقابل ولي العهد محمد بن نايف الذي ينتظر لحظة فشل الحرب اليمنية للانقضاض على خصمه بعد التورّط بوحل الحرب مع الحوثيين. وهي بدأت منذ هذه اللحظة تتلقى إشارات الخطر والضوء الاحمر بهذا الاطار، فالحوثيون والجيش وفريق علي عبد الله صالح يرسلون إشارات عسكرية وميدانية شديدة الخطورة بينها الكشف عن سلاح متطوّر بين صواريخ دخلت العمق السعودي وسلاح استهدف البحرية الإماراتية منذ أيام في رحلتها التي قيل فيها إنسانية ليتبيّن العكس في اصابة مباشرة تكاد تقلب المواقف.
فبحسب المصادر الإماراتية تعرّضت مطلع الشهر الحالي احدى سفنها لحادث مقابل السواحل اليمنية على البحر الأحمر وقد دمّرت بالكامل مع اصابات دقيقة.
لقاءات الحريري مع محمد بن سلمان الذي من المفترض ان لا يهتمّ لأيّ شأن خارج ما تعيشه بلاده من قلق جراء الحرب اليمنية اليومية وجراء الثقل اللوجستي الذي يكشف عنه حلفاء ايران في وقت متقدّم من الحرب، يلتقي بالحريري ويبحث معه الأزمة الرئاسية اللبنانية، وفي هذا إشارة بان «ثغرة» ما تودّ الرياض فتحها اقليمياً لبدء صيغة انفراجات مشتركة ربما يكون لبنان هذه المرة بوابة عبور السعودية الى برّ الأمان عبر رئاسته التي ستفتح الباب حول إمكانية الدخول في اتفاق مع الحوثيين لتسوية الملف وإنهاء الحرب بتلازم المسارين كمصلحة سعودية.
يربط مصدر سياسي متابع للاتصالات الرئاسية لـ «البناء» حركة الحريري الاخيرة بالمتابعة السعودية بالاوضاع اليمنية التي دخلت مرحلة المحظور بعد التطورات الميدانية الخطيرة وآخرها اصابة السفينة الاماراتية بسلاح حوثي، معتبراً انّ الازمة «الرئاسية اللبنانية» هي «مفتاح حلّ» الازمة اليمنية، فالملف الرئاسي اللبناني كان ولا يزال الورقة التي تحتفظ فيها السعودية لوقت الحاجة ولا يمكن استخدامها بدون استثمارها سعودياً. ومكان الاستثمار هنا بالنسبة للرياض ووزير الدفاع محمد بن سلمان تحديداً الذي يتابع خطوات الحريري عن كثب هو اليمن.
يضيف المصدر «حل الازمة الرئاسية اللبنانية سيأخذ بالتأكيد نحو انفراج في الازمة اليمنية وقرب اتخاذ المملكة قراراً مصيرياً بمشاركة الحوثيين في الحكم الجديد. وعما اذا كانت المملكة جاهزة لمثل هذه الخطوة يقول المصدر «نعم فالضغوط صارت أكبر مما يمكن تغطيته حتى ان القرار الأميركي برفع الحصانة عن دول تموّل الارهاب ومقاضاتهم مثل «جاستا» يجعل السعودية بمكان حرج وموقف لا تحسد عليه. فهي من اليوم تجد نفسها امام ضرورة إثباتها للعالم انها دولة مسالمة والحرب اليمنية بخسائرها الانسانية الهائلة باتت دليلاً أسود في سجلها..
يختم المصدر لـ «البناء» بلفت النظر الى امر اساسي وهو «انّ اسهم حل الازمة اللبنانية بانتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية عالية في هذه اللحظة اذا ربطت بالنيات السعودية في وقف الحرب اليمنية، ولكن هذا لا يعني انها ستتقدّم الى هاتين الخطوتين عبر تفاهم مع ايران، فهي وانْ تمّ هذا الأمر فستكون قد نجحت بالتحرّر من ايّ التزام مع ايران، او ربما حوار، ايّ تفادي التفاهم المباشر بحلول «موضعية» والبقاء خارج التطبيع. وفي هذا دليل صارخ على العجز السعودي واستعجال الحلّ حيث لا قدرة للرياض على الانتظار اكثر لانبلاج التسويات بين أميركا وروسيا في سورية، وهي تدرك انّ كلفة الحلّ الشامل عالية، وبالتالي ترتئي البقاء مع ايران في هذا الشكل من الحرب الباردة».
بنجاح الحركة الرئاسية الجديدة ستنجح الرياض بفصل مسارات الازمة بالمنطقة لحفظ ما تبقى من ماء وجهها امام الداخل والعالم بالمنطقة، مؤكدة في الوقت عينه ان لا قدرة لها أكثر على التحديات والمكابرة في الملف اليمني الذي دق جرس الإنذار.