سنودن والإرهاب الأميركي القادم إلى العالم

داليدا المولى

قد تبدو قصة إدوارد سنودن، الخبير كاشف حقيقة البرنامج الأميركي التجسّسي «بريسم» إلى العالم، من الأخبار العادية التي يجب تناسيها. فالإدارة الأميركية، لن تخفف وتيرة تجسّسها على العالم وحتى على الأميركيين أنفسهم. ولن تهتمّ برأي حكومات، سواء وافقتها سياسياً أم عارضتها. وكلّ عملها مقرّر بأجندتها، أياً كانت خيارات باقي الشعوب.

اللافت في قصة سنودن، حتى يومنا هذا، هو اللا نتيجة التي وصل إليها، برغم المعلومات التي كشف عنها وحجم الخطورة التي تنطوي عليها وفعلياً، ما حققته الإدارة الأميركية من وراء برامجها التجسّسية، إذ يسمح برنامج «بريسم» للاستخبارات الأميركية، الدخول مباشرة إلى الخوادم الخاصة لكلّ من مزوّدي الخدمات الأميركية: «مايكروسوفت»، «ياهو»، «غوغل»، «آبل»، «فيسبوك»، «يوتيوب»، «سكايب»، «بالتوك» وغيرها من البرامج. بالإضافة إلى التواصل الالكتروني والملفات المحفوظة داخل خوادم أجهزة «الكومبيوتر». كما التجسّس على الاتصالات الهاتفية لكلّ من هو غير أميركي ولعشرات ملايين الأميركيين، من حاملي خطوط شركة «فيريزون» للاتصالات، علماً أنّ القوانين الفدرالية الأميركية تمنع التجسّس على الأميركيين، من دون إجازة قضائية. وعوضاً عن مقاطعة عالمية لبرامج «العم سام»، هناك مزيد من التعاون المخابراتي بين الولايات المتحدة وحلفائها وحلفائهم.

السؤال الأخطر حقوقياً، هو المفارقة بين معاملة الأميركي وبقية العالم، إلى حدّ العنصرية. ولعلّ المفارقة ستنسحب مالياً أيضاً، لتغدو حقوق الأميركي مختلفة عن بقية العالم، على الصعيد الدولي. وقانونا «فيتكا» و»جيتكا» لتتبّع ومراقبة الحركة المالية العالمية، قد يوضحان، تباعاً، كيف ستكون آليات ضرب الشركات والأحزاب والأيديولوجيات واللعب على تشويه كلّ اختلاف.

أمس، شاهدت بتمعّن، الفيلم الذي يعرض في الصالات السينمائية اللبنانية، حول المعلومات التي كشف عنها سنودن، مستفيداً من عمله في جهات حكومية عدة، كلها تدور في فلك وكالة الأمن القومي الأميركي NSA. ومع أننا سمعنا عن سنودن قبلاً. وسواء اعتبرناه بطلاً أم خائناً، فإنّ الحقيقة المرة تضع العالم أمام سؤال مصيري: ما الذي تفعله أميركا بنا؟

وتباعاً، لا بدّ من التفكير الأولي بمجموعة إشكاليات، حول كيف يمكن أن نقرأ التاريخ بعد هذه المرحلة؟ أو كيف سيتمّ استخدام معلومات حساسة وضخمة، قد تطال الأمن القومي لدول برمّتها؟ وكشعوب مستهدفة من قبل عدو يتعاون مع الأميركي، هل بتنا عزّلاً أمامه معلوماتياً، أيّ هل سيبقى العالم مع روما حتى لو قادته روما إلى الجحيم؟

عملياً، قد يتخذ الإرهاب أوجها عدة. وإذا كان له حالياً، وجها دمويا نشاهده يومياً، متنقلاً بين العراق والشام وفلسطين المحتلة والكثير من البلدان المفارقة، إنه يتغذى على المعلومات التي تمدّ بها الولايات المتحدة الأميركية حلفاءها ومجموعاتها القتالية، حول العالم، من أفراد ودول، فإنّ الإرهاب المقبل علينا هو «إرهاب المعلومة» التي باستطاعتها تحقيق الاختراق الأمثل للبنية الاجتماعية المحلية والتحكم بالأفراد، للعمل بعكس مصالح بلادهم والتعامل مع الولايات المتحدة الأميركية في ظلّ مقولة «كلّ منا يخفي سراً». وهذه بوابة الاستخبارات على العالم.

في مواجهة هذا الواقع، يقف العالم متسلّحاً بالصمت. والحكومات كلّ يتلهّى بمشاكله. وأمن وحقوق وحرية الإنسان، التي كفلتها مجموعة قوانين دولية، إلى جانب كمّ هائل من الدساتير والقوانين المحلية، لحمايته بوجه تعسّف السلطة، في مهبّ الخرق اليومي وليس هناك من هو مستعدّ لإجابة الفرد حول هدر خصوصيته وفتح حياته أمام المجهول الأميركي وساديته في التعاطي اللاأخلاقي مع شعوب العالم، الذي يمكن تصنيفه كإرهاب دولة لا يمكن المساس بها، في ظلّ موازين قوى تتحكم بها الاستخبارات وتجارة الأسلحة والشركات العابرة للقارات، حتى لو كلفت الإنسان إنسانيته.

خلاصة القول، إنّ النظام الأميركي مستعدّ أن يخرق عناوين يستخدمها للاحتلال والتوسع كالديمقراطية والحرية وحتى خرق القوانين الأميركية نفسها، خدمة لمصالحه، كما تراها مجموعة من الاستخباراتيين، يعاونها فريق من الساسة والعسكر. حتى سنودن، لم يكن لديه أدنى مشكلة مع هذا النوع من البرامج، لما كانت موجهة للعالم غير الأميركي حتى الصديق لهذا العالم . إلا أنّه اكتشف أنّ المراقبة موجهة إلى الداخل الاميركي أيضاً وله ذاتياً. عندها فقط، قرّر التحرك. وكله في سبيل مصلحة أميركا، حتى لو خالف قوانين بلاده وسرّب معلومات عن وكالاتها. وهذا يحتم علينا نحن العمل انطلاقاً من مصالحنا كأمة، حتى لو خالفنا بعض المفاهيم والنظم العامة، لما فيه مصلحة بلادنا.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى