أزمة تنطح أزمة…

اعتدال صادق شومان

ليس جديداً أو مستجداً مشهد تلف المنتوجات الزراعية في لبنان، بل بات هذا المشهد مألوفاً في حياة المواطن اللبناني المُصاب في عمق حياته الاقتصادية، فلا يخرج من أزمة حتى يقع في أخرى أدهى وأشدّ وطأة، وكأنّ لبنان مستقر لسلسلة أزمات لا يخرج منها أو عليها، يزديها تعقيداً انتهاج الدولة حلولاً «مرتجلة»، إن في مجابهتها أو تفادي عدم الوقوع فيها مجدّداً، أو بأقلّ تقدير الاستعداد لها أو إدراتها، بدل إنكارها وتجاهلها وتفعيل خطة إرشاد زراعي تنظم حاجة السوق من المنتوجات الزراعية، وتطوير آلية حديثة من أجل تنمية متوازنة، إلى جانب محاربة الفساد، لتستقيم الأمور قبل أن «تباغتنا» الأزمات، كحالة قدرية ومسار لا نملك دفعه لا عن حياتنا ولا عن طرقانتا المقطوعة الأوصال غضباً واستنكاراً، والتي قد تكون نتائجها كارثية على البلد المأزوم أصلاً في حال تفاقمها.

تكاثرت علينا الأزمات حتى بات لكلّ موسم أزمة يُكنّى بها، بدءاً من أزمة التفاح «المطروح أرضاً» بفعل تعثّر التصريف، وأصبحنا على موعد مع هذه الأزمة في كلّ عام، لتتعدّد مواسم الأزمات التي لا تشبه بأي حال «موسم العز» للأخوين الرحباني، أو من نوع «اشتدي يا أزمة تنفرجي».

مواسم أزمات بالجملة والمفرق تحوق بكلّ لبنان وباتت تشكل جزءاً من فلوكلوره الشعبي في تراكمها وتجذرها، يحفظ المواطن اللبناني تسمياتها عن ظهر قلب، وتدرجها التسلسلي بدءاً من تاريخ ميلادها ومراحل نموها ونضجها وخسائرها ثم انحسارها وولادة أزمة جديدة. بات لكلّ نوع من المنتوجات الزراعية حضوراً كلما أينع موسم قطاف ذات صيف، ولا سبيل أمام المزارع سوى تأبُّط «سلة أزماته» من أزمة التفاح والبندورة والزيت والزيتون والبطيخ والشمندر السكري والتبغ والقائمة تطول والنزول بها إلى الشارع يرجو رفع الضيم ويسأل «ويني الدولة؟».

والمُضحك المبكي أنّ المصائب لا تأتي فرادى بل جماعة، وهي ما كانت لتتموضع وتستشري لولا وجود هذه الطبقة السياسة التي ابتلينا بها والتي لا يقبض منها المواطن سوى الوعود والبيانات الفارغة والاتهامات المتبادلة، وهي في مجملها لا تعدو كونها جعجعة بلا طحين لا تغني ولا تسمن من جوع، حتى صار مصطلح الأزمة من المصطلحات المتداولة التي يتندر بها المواطن ومادة لإلقاء النكات على وقع «شرّ البلية ما يضحك»، رغم شدتها وقسوتها التي تصيبه بالإحباط والقرف، فشاء منح «أزماته» أسماء للدلالة عليها في دفتر معاناته اليومية، عملاً بالقول المأثور «الدولة هيك وبدها تمشي البلد على هيكاتها».

أزمة تنطح أزمة… وسجل يا وطن. أزمة تراكم النفايات، أزمة مكبات، أزمة الكهرباء، أزمة شح المياه، أزمة التلوث البيئي براً وبحراً، أزمة المقالع والكسارات، أزمة السير والطرقات، أزمة السائقين، أزمة فساد غذائي، أزمة الأدوية الفاسدة، أزمة فساد الطحين والقمح.

أزمة فساد سياسي: أزمة الشغور الرئاسي، أزمة ترشيحات وترشيحات مضادة، أزمة تعيينات عسكرية، أزمة انتخابات ولا انتخابات، أزمة ضغوط دولية وإقليمية، أزمة شوارع وأزقة، أزمة أحزاب معارضة وموالية، أزمة طوائف وطائفية.

أزمات أمنية: أزمة السلاح المتفلت، أزمة البؤر الأمنية، أزمة السيارات المفخخة، أزمة إطلاق النار ابتهاجاً، أزمة ثقافة، أزمة أدب، أزمة كتاب، أزمة صحافة وصحافيين، أزمة تلفزيونات متهمة.

أزمة عمال: أزمة مناومين، أزمة معلمين، أزمة السائقين، أزمة بطالة…

أزمة سلسلة رتب ورواتب، أزمة أجور، أزمة نزوح ونازحين، أزمة هجرة.

أزمة مجتمع مدني، أزمة بدنا نحاسب، أزمة ما بدنا نحاسب، أزمة قانون الإيجارات، أزمة قانون السير، أزمة نساء معنفات، أزمة رجال، أزمة جنسية، أزمة قانون الانتخاب.

بس الأزمة من أساسها أزمة أخلاق…

و»عاشت الأسامي» في وطن النجوم…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى