«تفاصيل صغيرة»
… حدث أنّ مجرماً لم يترك موبقة إلا وارتكبها أراد مقابلة متنوّر، لكنه خشي ألا يسمح له تابعو هذا المتنوّر مقابلته، لذلك تحيّن فرصة عدم وجودهم وأتى.. لكنه بدلاً من أن يطرق الباب قفز من فوق الجدار الخارجي.. لكنه لسوء الحظ لم يجد المتنّور وألقى أتباعُه القبض عليه.. حاول جاهداً إقناعهم بأنّ قدومه ليس بهدف السرقة.. وإنما هو آتٍ ليقابل المتنوّر ويعلن توبته على يديه ويكون واحداً من تلاميذه.. أخذه طلاب المتنوّر إلى أحد الأتباع المتنوّرين جدّاً إنما دون مرتبة المتنوّر الأعلى الذي يملك قوة الحدس والفراسة… حدّق المتنوّر التابع بعينَيْ الرجل الواقف أمامه وارتعش جسده. إنه مجرم بكلّ معنى الكلمة ومن الصعب جداً إحداث تغيير في نمط حياته.. وحتى المعلم الأكبر لن ينجح في تحويله إلى رجل صالح.. فقال للتابعين: أخرجوه من هنا، لقد استقرأت كامل حيواته عبر أجيال تواجده على الأرض، وما وجدتُهُ فَعَلَ خيراً مرة واحدة.. خرج الرجل مهزوماً.. لقد أُغلقت كلّ أبواب الخير في وجهه وهو لا يريد العودة إلى سيرته الأولى، فوقف عند زاوية البناء وبدأ يلطم رأسه بالجدار.. في هذا الوقت جاء المعلم الأكبر ورآه على هذه الحال، فتقدّم منه. أمسك بيده وأدخله.. تقول الحكاية إنه بعد وقت ليس بطويل تغيّرت أحوال الرجل وبدأ يرتقي سلم المتنوّرين، الأمر الذي حيّر الجميع.. فجاء أحدهم إلى المعلم الأكبر وقال: كيف حدث ذلك هل كلّ قدرتي على الإدراك والفراسة ذهبتْ سدى؟ أجابه المعلم الأكبر: «لقد نظرت إلى ماضيه وحكمت عليه، لكنك لم تنظر إلى مستقبله.. اعلم أنه متى اتخذ الإنسان قراراً بالتغيّر، فلا شكّ في أنه سيتغيّر.. وهذا الرجل اتخذ قراره فجاء.. مقتبسة من كتاب التسامح.. رؤيا جديدة تزهر الحياة لـ أوشوOSHO .. لا شكّ في أنّ التغيير يستلزم وجود إرادة التغيير، لكن هناك شرطاً يسبق هذا الأمر هو إدراك المرء وجود الخلل أو الزلل في حياته.. نحن لن نفكر في تغيير سلوكنا ما لم نصل إلى قناعة بأننا على خطأ. فالإقرار بذلك هو الخطوة الأولى. يتلوها وجود رغبة حقيقية في التغيير، ذلك أنّ البعض قد يكون مدركاً واقعه السلبي، لكنه مستكين إليه، مستمتع بانغماسه فيه.. لذلك لا بدّ من توفر الرغبة في تغيير هذا الواقع ومن ثم تأتي الإرادة لتحوّل هذه الرغبة إلى واقع فعلي.. حياتنا وسلوكنا تحكمه متغيّرات كثيرة، ونتعرّض خلال حياتنا اليومية لشتى أنواع الضغوط النفسية والاجتماعية والاقتصادية التي من الممكن أن تُخرجنا عن طورنا أحياناً ونتصرّف خلافاً لقناعاتنا ومبادئنا.. إلا أنّ ذلك لا يعني الاستسلام للموج كي لا نجد أنفسنا في لحظة ما في القاع من دون أن ندرك… قال أحد الفلاسفة لتلميذه: في داخل كلّ منا قوتان تتصارعان… طاقة خير وطاقة شرّ، فسأله تلميذه وأيها ينتصر؟ أجاب: تلك التي نغذيها… وللحديث تتمة…
منى عبد الكريم