بوتين صانع السلام… والفيتو يضرب مجدّداً
تماضر عباس
لم يكن أمراً عادياً أبداً وجود صورة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين بطول 9 أمتار وعرض 6 أمتار معلقة على جسر مانهاتن في مدينة نيويورك، وبخلفية للعلمين الروسي والسوري وبعبارة «صانع السلام»، وذلك يوم الخميس 6 أكتوبر/ تشرين الأول، في اليوم الذي يسبق احتفال بوتين بعيد ميلاده الرابع والستين.
بوتين حقاً صانع للسلام، فموقف القيادة الروسية لما يجري في سورية ووقوفها ضدّ الغطرسة والمخططات الأميركية لتدمير العالم، ونشر الإرهاب والحروب فيه تحت مسمّيات عديدة منها إسقاط النظام والحريات والديمقراطية، كلّ هذا كان فقط لإسقاط العالم اقتصادياً تحت القبضة الأميركية وإيقاف تطوّر وتقدّم وقوة، ونهب مقدّراتها ونفطها والسيطرة على ممرّاتها البحرية. وجود صورة الرئيس الروسي وبكلمة صانع السلام على جسر مانهاتن كان رسالة مضادّة لأميركا التي لعبت دائماً دور الشرطي الفاسد في العالم، فهي تريد السيطرة على العالم وليس فقط تنظيم السير فيه أو منعه من ارتكاب المخالفات، فلم يكن هناك دور واحد جيد لها، بل خاضت الحروب في تاريخ امبراطوريتها ضد الشعوب والدول الأخرى، وتحت مسمّيات عديدة وكأنها المفوّض بأمر الشعوب، الى أن خرجت على هذا العالم باسم محاربة الإرهاب منذ أحداث 11 ايلول 2001، فخلقت «بعبع» القاعدة بتمويل وتنفيذ من السعودية، ودمّرت أفغانستان والعراق تحت هذا المسمّى. أميركا التي حطمت الشعوب ودمّرت بعضها وأسقطت القنابل الذرية عليها، كما في هيروشيما وناكازاكي، وما فعلته في فيتنام ومؤامراتها ضدّ دول أميركا الجنوبية وأفريقيا وضدّ الصين وروسيا والكوريتين، وضدّ الشعب الفلسطيني ومساندتها لقوى الشرّ وإسرائيل» والكثير الكثير الكثير، انتهاء بـ«الربيع العربي» وتسليح «المعارضات»، وسحل الرؤساء في الطرق والساحات العربية بطرق بشعة ومؤلمة، وتوريد الإرهابيين والمجرمين والمتطرفين الى كلّ من سورية والعراق، ونشر القتل والرعب والإرهاب، ومحاولة القضاء على سورية وتقسيمها وتحويلها الى كانتونات طائفية، بما تمثله من دور كبير ورادع في المنطقة للمشاريع الأميركية و«الإسرائيلية» والبوابة الى كلّ من روسيا والصين وإيران…
ولكن الصورة تقول إنّ بوتين صانع السلام جاء الآن ليقف شوكة في حلق رجل الكاوبوي واللصّ الأميركي. رجل يمنع الغطرسة والقتل والإجرام بدور دولي، كان لموقف روسيا من الحرب على سورية دور كبير في تطور الدور الروسي الرادع وعودتها بقوة الى الساحة الدولية، ولهذا جاءت الصورة بخلفية للعلمين السوري والروسي الحليفين بقوة.
ولم تكن صورة الرئيس بوتين الشيء الوحيد الذي يرفع بوجه اميركا، بل أيضاً ترفع روسيا بوجه أميركا للمرة الخامسة الفيتو في مجلس الأمن ضدّ مشروع القرار الفرنسي بخصوص حلب، وجعلها منطقة محظورة للطيران، وحصل المشروع الفرنسي في مجلس الأمن على موافقة 11 صوتاً، بينما امتنعت الصين وأنغولا عن التصويت. وانضمّت فنزويلا إلى روسيا في التصويت ضدّه. جان مارك ايرولت رقيق القلب والخائف على مدينة حلب من تحوّلها الى أطلال إنْ لم يوقف النظام السوري وحلفاؤه وقوفهم الى جانب الارهاب بدل محاربته، لم يصوت لمشروّع القرار الروسي في المقابل علماً أنّ مشروع القرار الروسي يدعو إلى الاسترشاد بالاتفاق الأميركي الروسي لإيصال المساعدات إلى المناطق المحاصرة، ويحث الأطراف على وقف الأعمال العدائية فوراً، والتأكيد على التحقق من فصل قوات المعارضة السورية المعتدلة عن «جبهة فتح الشام» النصرة سابقاً كأولوية رئيسية. كما يرحب مشروع القرار بمبادرة ستيفان دي ميستورا الأخيرة، التي دعا فيها إلى خروج مسلحي «جبهة النصرة» من أحياء حلب الشرقية، ويطلب من الأمم المتحدة وضع خطة تفصيلية لتنفيذ المبادرة.
هي ليست فقط مجرد ازدواجية معايير وغطرسة دولية من قبل اميركا وحلفائها، بل هي أيضاً كما قال الدكتور بشار الجعفري المندوب الدائم لسورية في الأمم المتحدة إنّ مشروع القرار الفرنسي يعكس حنين فرنسا إلى ماضيها الاستعماري الأسود، حين ظنّت أنّ الأزمة في سورية ستعيد لها نفوذاً استعمارياً. ربما هي حرب لا تزال طويلة لكن صنّاع السلام فيها لن يتوقفوا، فلكلّ شعب حق بتقرير مصيره عبر صناديق الاقتراع لا عبر المعارضات المسلحة والتابعة للدول الخارجية ولا عبر المجموعات الإرهابية والمرتزقة.
تحية لروسيا الناهضة الى قلب اللعبة الدولية، وتحية لصانع السلام بوتين في عيده الرابع والستين.