«آنترانيك الثقافية» تنظّم احتفالاً تكريميّاً للمسرحيّ الراحل بيرج فازليان: أتقن لغة المسرح وأخرج مئة عمل بأربع لغات
نظّمت جمعية «آنترانيك الثقافية» في مقرها في النقاش، احتفالاً تكريمياً للمخرج والممثل الراحل بيرج فازليان، الذي أسّس فرقة المسرح الأرميني «فاهرام بابازيان» التابعة لها في نهاية خمسينات القرن العشرين. وتخلّلت الاحتفال كلمات ركّزت على أهمية الدور الذي أدّاه الراحل الذي توفّي في شباط الفائت، إذ أشار الموسيقار الياس الرحباني إلى أنه كان من روّاد صحوة المسرح والسينما في لبنان، فيما وصفه الكاتب آلكسندر نجّار بأنه بطريرك المسرح اللبناني، وأسف الممثل رفعت طربيه، لكون هوية فازليان لا تزال لغاية اليوم قيد الدرس، رغم ما قدّمه للبنان، ورغم تمثُّل الدولة اللبنانية بأعلى مستوياتها في تشييعه.
جيرار آفيديسيان
تولّى تقديم الاحتفال المخرج جيرار آفيديسيان الذي رحّب بداية بالحضور بِاسم جمعية «آنترانيك الثقافية» و«الجمعية الخيرية الأرمينية العامة» و«الجمعية الأرمينية للشباب». وذكّر بإن كبير المخرجين والممثّل بيرج فازليان تعامل على مدى السنين مع عدد كبير من الفرق المسرحية اللبنانية، وأخرج على مدى 16 سنة مسرحيات الأخوين رحباني في بيروت، كما في مهرجانات بعلبك الدولية. وأضاف آفيديسيان: كما مثّل في عدد كبير من الأفلام من إخراج يوسف شاهين، وهنري بركات، وأنطوان ريمي ونيازي مصطفى. ومثّل في فيلم «Next of Kin» في كندا من إخراج آتوم إيغويان.
وأشار آفيديسيان إلى مئة مسرحية من إخراج بيرج فازليان باللغات الأرمينية والعربية والفرنسية والتركية، ملاحظاً أنه ترك بصمة كبيرة عندما أخرج مسرحية عصام محفوظ «الزنزلخت». وإذ لفت إلى أنه درّس في الجامعات «اللبنانية» و«اليسوعية» و«الكفاءات»، أبرز أنه كان من مؤسّسي فرقة المسرح الأرميني «فاهرام بابازيان»، وقد أخرج معها 19 مسرحية بين عامَي 1959 و1971. وذكّر آفيديسيان بأن فازليان حصل عام 2000 على «ميدالية القديس ماشدوتس» من البطريركية الأرمينية، وعام 2006 حصل على شهادة تكريم من «الجمعية الخيرية الأرمينية»، ثمّ حصل على «ميدالية القديسين ساهاك ومسروب».
هاغوب فارتيراريان
وتحدّث هاغوب فارتيراريان، الذي كان صديق فازليان، وروى كيف غادر فازليان اسطنبول عام 1951 واستقرّ في بيروت حيث كان المجتمع الأرميني محترماً من قبل كلّ اللبنانيين على غرار الحال اليوم. وأبرز أهمية إنشاء فرقة المسرح الأرميني «فاهرام بابازيان»، مشيراً إلى أن الفرقة الجديدة حملت حياة جديدة ونوعية إلى المجتمع الأرميني اللبناني عبر تقديمها أعمالاً للأرمن الشرقيين والغربيين ومسرحيات غير أرمينية.
الياس الرحباني
أما الموسيقار الياس الرحباني، فاستذكر صحوة المسرح والسينما الرائعة في لبنان في الستينات والسبعينات، مشيراً إلى أن فازليان كان من روّادها كمخرج وممثّل ومستشار فنّي. وروى أن عاصي ومنصور الرحباني وبيرج فازليان كانوا أطيب الأصدقاء، وكان بيرج في المسرح الرحباني مرّة مستشاراً في المسرحيات ومرّة ممثلاً رائعاً في الأفلام. وأشار إلى أن فازليان كان مستشاراً في مسرحية «المحطّة»، وأدّى دوراً مهماً في فيلم «سفر برلك»، وأيضاً في مسرحية «بياع الخواتم». وقال: كانت صداقة بيرج والعائلة الرحبانية صداقة أهل ومحبّة.
آلِكسندر نجّار
ثم كانت كلمة للكاتب آلِكسندر نجّار الذي أخرج فازليان مسرحيته «الضفدع Le crapaud»، الذي شبّه المسرح بأنه رهبنة تتطلّب أن يكرّس المرء نفسه لها كلّياً من دون شروط، وأن يبجّله بإيمان لا يهتزّ. وأضاف: إذا كان المسرح كذلك، فلا نبالغ إذا اعتبرنا أنّ بيرج فازليان بطريرك المسرح اللبناني.
وإذ أشار إلى أن الآباء المخيتاريست في التباريس احتضنوا فازليان بعد لجوئه إلى لبنان، لاحظ أن بيرج كان مجنوناً بحبّ المسرح ويمضي وقته في وضع المشاريع المسرحية، وفي قراءة أعمال المسرحيين الكبار.
وذكّر نجّار بأن فازليان أخرج لفيروز أفلاماً سينمائية وحفلات عدّة، وكان المخرج جلال خوري شريكه الدائم، ومن أصدقائه النحّات زافين وعبد الحليم كركلا الذي أشركه كممثل في معظم مسرحياته.
وقال نجّار إن فازليان خاض كلّ أنواع الأعمال المسرحية، من تراجيدية وكوميدية، وكلاسيكية ومعاصرة، وأشرف على عروض رقص وكوميديا موسيقية، ومن بينها أعمال للأخوين رحباني على مدى أكثر من 16 سنة. ورأى أنه كان من دون أدنى شك أحد المخرجين النادرين الذين أخرجوا مسرحيات بخمس لغات: الأرمينية والعربية والفرنسية والتركية والإنكليزية.
وذكّر بأن فازليان كان يملك مؤهّلات جعلته قادراً على تولّي الأدوار الأكثر صعوبة. مشيراً إلى أنه شارك في أفلام محلية عدّة، كـ«بنت الحارس» و«سفر برلك»، وفي أفلام غربية منها «Next of Kin» للمخرج آتوم إيغويان.
وأضاف: فازليان الذي كان يتقن إدارة الممثّلين، درّس أيضاً في الجامعة عشرات الشباب الممثّلين الذين لم ينسوا دروسه القيّمة وحرصه على الكمالية.
وتابع: في مسرحية «Le Crapaud»، إلى أيّ حدٍّ كان بيرج محترفاً كبيراً، كان على السواء صارماً عندما يتطلّب الأمر ذلك، وتقريباً أباً لكلّ الفرقة. كان يحبّ كثيراً التعاون مع العائلة. زوجته سيرو نفّذت تصاميم الملابس وابنه هاروت الموسيقى، وكنّا جميعاً فخورين وسعداء لهذا التعاون. وما حصل كان فعلاً أحد أهم ذكرياتي ككاتب، وأعتقد أنّ الفضل في تعلّقي بالمسرح يعود إلى بيرج. ولهذا السبب سيكون لي في كانون الثاني المقبل عمل مسرحيّ ثانٍ سأهديه له.
وإذ ذكّر نجّار بالجوائز والأوسمة التي نالها فازليان، قال إنه سيبقى نموذجاً للفنّان الصادق والوفيّ لأصدقائه والشغوف بعمله.
رفعت طربيه
من ناحيته، قال الممثل رفعت طربيه في كلمته: جاء فازليان من المسرح الأرميني إلى المسرح العربي وقامت القيامة، وكانت التهمة أنه يتولّى إخراج مسرحيات بالعربية مع أنه لا يتقنها.
وأضاف: كان بيرج يعرف خمس لغات. طبعاً كان يتقن لغات أكثر من غيرها، فاللغتان التركية والأرمينية عنده أفضل من الفرنسية والإنكليزية والعربية، ولكن الأهمّ أن بيرج كان يعرف لغة سادسة أفضل منها كلّها وهي لغة المسرح.
وروى طربيه تجربته الأولى مع فازليان في مسرحية «جبران خليل جبران» 1996 ، ثم في «حلم ليلة صيف» لشكسبير.
ووصف طربيه فازليان بأنه كان إنساناً رائعاً كزميل وصديق وكأستاذ في المسرح. وأضاف: يقولون إنني تعلّمت المسرح قبل أن أتعرّف إلى بيرج بسنين، ولكنني مصرّ على أنّ أحد أساتذتي الكبار كممثّل هو بيرج فازليان.
ولاحظ طربيه أن خمسة مسرحيين كبار رحلوا في السنتين الماضيتين وهم يعقوب الشدراوي وفاروجيان هاديشيان وبيرج فازليان وريمون جبارة ومنير أبو دبس، وقال: المؤسف والمفجع أننا لا نجد أحداً يمكن أن يحلّ مكانهم. وتابع: المؤسف أكثر أنّ بيرج الذي نفّذ «فخر الدين» مع الرحابنة، علماً أن فخر الدين والرحابنة من الأمور القليلة التي لا نختلف عليها في لبنان، وبيرج الذي تمثّلت الدولة اللبنانية بأعلى مراتبها في مراسم دفنه، مات ولا تزال هويته لغاية اليوم قيد الدرس.
هاروت فازليان
وألقى نجل الراحل، قائد الأوركسترا الفلهارمونية اللبنانية المايسترو هاروت فازليان، كلمة قال فيها: تعلّمت من والدي أنّه لا يمكن أن تكون فنّاناً بدوام جزئيّ. فإمّا أن تكون فنّاناً أو لا تكون. وقد كان والدي فنّاناً بدوام كامل.
وأضاف: تعلّمت منه الانضباط تجاه الفنّ حيث التضحية من أجل الفنّ. وأشار إلى أن والده كان متعدّد المواهب، إذ كان مخرجاً رائعاً وممثّلاً رائعاً وكذلك كان رسّاماً.
وختاماً كانت كلمة مقتضبة من حفيد الراحل الذي يحمل اسمه.