بلدات اتحاد جبل عامل… من الاحتلال إلى الإنماء دُر 2
عباس زريق
سلّطت الحلقة الماضية من هذا التحقيق، الأضواء على ثلاث قرى من تلك المنضوية تحت لواء اتحاد بلديات جبل عامل، والقرى الثلاث هي: عدشيت القصير، والطيبة، ودير سريان.
في هذه الحلقة، سنعرّج على أربع قرى أخرى القنطرة، وعديسة، وحولا، ومركبا . على أمل الإحاطة بما تبقى من بلدات، تنتهج الإنماء بعد تحريرها من نير الاحتلال الصهيوني.
تعتبر قرى اتحاد بلديات جبل عامل من بين جيوب الفقر الثمانين التي حدّدتها استراتيجية التنمية الاجتماعية في لبنان عام 2005، وبشكل عام، تعتبر قرى الاتحاد في المرتبة الرابعة في أسفل سلم خارطة أحوال المعيشة في لبنان.
القنطرة
في 23 أيار عام 2000 كانت القنطرة على موعد مع الحرّية، إذ شكّلت بوابتها جسر عبور لأبناء المنطقة الحدودية العائدين إليها وإلى مختلف القرى الحدودية بعد الانسحاب «الإسرائيلي» منها. هذه البلدة الجنوبية عانت التدمير والتهجير مراراً، لكنّ إرادة أبنائها القوية أعادتهم مجدّداً ليعمّروا بلدتهم وينفضون عنها آثار القصف والتدمير.
وكما توحي التسمية فالبلدة على هيئة قنطرة تشرف على القرى والأودية المحيطة بها. القنطرة بلدة قديمة وتاريخية تعود إلى العهد الكنعاني، بدليل وجود آثار فيها تعود إلى تلك الحقبة. تحدّها من الشمال القْصَيْر ومن الجنوب قبريخا ومن الشرق الطيبة ومن الغرب الغندورية، ويفصل بينها وبين الغندورية وادي الحجير التاريخي. تبلغ مساحتها نحو ستة آلاف دونم، منها ثلاثة آلاف صالحة للزراعة، وتكاد الأشجار الحرجية تغطيها من جميع الجهات. عدد سكانها زهاء 3670 نسمة، ترتفع عن سطح البحر 500 متر وتبعد 25 كيلومتراً عن مركز القضاء وكيلومتراً عن مركز المحافظة، النبطية.
أكثر ما يلفت الزائر إلى القنطرة هو التناقض الواضح بين جزء مدمّر من البلدة وجزء مرمّم وحديث، لكنه سرعان ما يتيقن الأسباب، فالبلدة تعرّضت للتدمير أكثر من مرّة خصوصاً في عام 1978 وفي عام 1982 لذلك آثر أبناؤها إعادة بناء منازلهم خارج البلدة القديمة، في مواقع جغرافية مطلّة ومشرفة على المنطقة. وربّما كان موقعها الجغرافي الاستراتيجي المميّز سبباً في استحداث موقع للاحتلال «الاسرائيلي» فيها عام 1985 وبقائه حتى عام 2000 تاريخ تحرير الجنوب.
كانت القنطرة، آخر بلدة في ما يسمى بـ«الحزام الأمني» أو «المنطقة الحدودية» سابقاً وهي أول بلدة دخل منها الجنوبيون إلى قراهم المحرّرة في 23 أيار عام 2000، وأصبحت منذ ذلك الحين تُعرف بـ«بوابة التحرير».
تأسّس المجلس البلدي في القنطرة عام 2004 وكان برئاسة حسين علي حجازي حتى عام 2010، حين جرت الانتخابات البلدية بين لائحة مدعومة من حزب الله وحركة أمل أخرى مستقلة من عشرة أعضاء، ففازت اللائحة الاولى بأحد عشر عضواً وخرقت الثانية بعضو واحد، وانتُخب نائب رئيس البلدية السابق عبد الحميد غازي رئيسا جديدا للبلدية.
عديسة
عديسة هي من أكثر القرى الجنوبية التصاقاً بالحدود من جهتها الشرقية. هي جارة فلسطين المحتلة وأختها في حزنها وسرورها. بلدة عاملية مميّزة بموقعها، تحرسها ثلاث تلال خضراء ويسقي نبعها المتدفّق منذ عشرات السنين، قلوب العطاشى.
تستيقظ عديسة على نسمات جبل الشيخ تأتيها من الشرق، وتغفو على حمرة الشفق الغربي وبين اليقظة والإغفاء تحيا عديسة على عبق عطر السنديان وأريج شقائق النعمان المنتشر حولها.
تحدّها كفركلا من الشمال والطيبة وربّ ثلاثين من الغرب، فيما تمتدّ حدودها الجنوبية إلى مركبا وهونين وهي داخل الاراضي المحتلة . أما في أصل التسمية فقد تعدّدت الروايات، البعض ينسبها إلى انتشار العدس البرّي فيها والبعض الآخر يقول إنها تصغير عدسة، وهي أيضا مشتقّة من العدس، أو ربّما «العدأة» من «العِدّ» المياه الجارية من دون توقف من مياه الينابيع المتفجّرة. وتتحدث مصادر تاريخية عن أن الأهالي كانوا يعيشون سابقاً في «خربة العدسة» وهي الهضبة الشمالية من البلدة الحالية، لكنّها اندثرت منذ قرون وغادرها القاطنون فيها. وللعدأة جاذبية الباحث عن الحياة قرب المياه فقد استقرّت في محيطها عائلات البلدة.
تبلغ مساحة البلدة ما يزيد على سبعة كيلومترات مربعة، وترتفع عن سطح البحر 750 متراً فيما تبعد عن بيروت 95 كيلومتراً، وعن مركز القضاء 14 كيلومتراً.
يزيد عدد سكان عديسة على 7200 نسمة، يبلغ عدد عائلاتها 62 عائلة. لكن نسبة المقيمين فيها لا تتعدّى الثلاثين في المئة شتاء، وترتفع صيفاً إلى نحو سبعين في المئة، ولكن رغم ذلك، فإن أبرز مقوّمات الحياة والصمود فيها شبه معدومة.
تأسّس المجلس البلدي في عديسة عام 2001، وانتُخب المحامي أسامة رمّال رئيساً له حتى عام 2004، حين أُعيد انتخابه مجدّداً حتى عام 2010. وخلال الاستحقاق البلدي الأخير شهدت عديسة تجاذبات داخلية نتيجة اعتراض بعض الأهالي على لائحة تحالف حزب الله ـ حركة أمل، ولكن في النهاية وبعد مفاوضات ومباحثات توافق الجميع على لائحة التحالف التي فازت بالتزكية برئاسة علي رمّال وهو من مواليد عام 1969.
مركبا
لعلّ أبرز ما يميّز بلدة مركبا موقعها الجغرافي المشرف على القرى المجاورة واتساع مساحتها إذ تُعد ثاني أكبر بلدة بعد الخيام في قضاء مرجعيون. وهي من البلدات التابعة لاتحاد بلديات جبل عامل، عانت منذ حوالى 30 سنة الاحتلال «الإسرائيلي» الذي أثّر بشكل واضح وسلبيّ على الوضعين السكاني والاجتماعي الحالي للبلدة من حيث عدد المقيمين.
تحدّها من الشمال ربّ ثلاثين وعديسة، ومن الجنوب حولا، ومن الغرب بني حيّان وطلوسة، أمّا من الشرق فالأراضي المحتلة. ترتفع 850 متراً عن سطح البحر وتبعد عن مركز القضاء 12 كيلومتراً، وتبعد عن العاصمة 110 كيلومترات. وعن مركز المحافظة في النبطية 25 كيلومتراً. ومساحتها الاجمالية 2.8 كيلومترات مربعة.
يمكن الوصول اليها عبر ثلاث طرق، وتشكّل نقطة وصل مهمّة بين قضاءي مرجعيون وبنت جبيل. يبلغ عدد سكانها 12100 نسمة، أما عدد الناخبين فهو 5568 ناخباً، اقترع منهم 2428 ناخباً في الانتخابات البلدية الاخيرة 2010 . ويصل عدد المقيمين فيها، بشكل دائم 800 نسمة من إجماليّ السكان، ويرتفع عددهم في فصل الصيف ليصل إلى ضعف عدد المقيمين. ويقدر عدد المباني الاجمالي بـ 735 مبنى ومعظمها مباني سكنية، ويغلب على شكل المباني الطابع شبه المديني، فهي بمعظمها مبان من طابقين، وتتركز الكثافة السكانية والمباني في التلة التي تشكل وسط البلدة، وتتوزع الأبنية على طول الطرقات الرئيسية والفرعية المعبدة.
يعمل اكثرية السكان المقيمين في الزراعة، خصوصاً زراعة التبغ البعلية، ففي البلدة حالياً 75 شخصاً يحملون ترخيصاً من إدارة «حصر التبغ والتنباك»، أما خارج القطاع الزراعي، فالنشاط الاقتصادي المحلي يرتبط بتأمين حاجات البلدة ولا يتعدى عدد المؤسسات التجارية الصغيرة كمحال السمانة والافران الخمسة عشر، وبعض الورش الصناعية ومحطة وقود، ويعمل عدد من أبناء البلدة كموظفين في القطاع العام والمؤسسات التجارية الخاصة.
يعود أصل تسمية البلدة إلى السريانية وهي تعني المكان العالي المشرف وتعني بالعبرية «المركبة»، ولا يتجاوز تاريخها 350 سنة. بنيت على أنقاض مزارع قديمة تدل عليها الاثار القديمة والمغاور السريانية وكذلك طريقة الدفن، ومن أهم المقامات التي ما زالت موجودة فيها مقام النبي منذر الذي يقصده الاهالي بشكل دائم بهدف أخذ البَرَكة وتقديم النذورات وطلب الحاجات.
تدلّ الدراسات على أن البلدة قديمة جداً، وفيها الكثير من المغاور، وأبرز معلم تاريخي فيها هو بناء قديم مؤلف من غرفتين وعليه قبّة في أعلى الجبّانة. وكُتب على حجر استخرج منه أنه مسجد بناه محمد حرب بن علي الصغير عام 1110.
تأسست بلدية مركبا بموجب مرسوم صدر عن وزارة الداخلية والبلديات في العام 2001. وتولى رئاسة المجلس البلدي فيها منذ العام 2001 ولعدة دورات الرئيس الحالي طبيب الاسنان جهاد حمود 1963 الذي أعيد تزكيته للبلدية في الانتخابات البلدية والاختيارية، التي جرت في شهر أيار من عام 2010.
حولا
في كل مرة يذكر فيها اسم بلدة حولا، تقفز إلى الذاكرة «مجزرة حولا» التي ارتكبتها العصابات الصهيونية في 31 تشرين الأول من عام 1948، وذهب ضحيتها أكثر من ثمانين مواطناً من أبناء البلدة، شيباً وشباباً.
حولا البلدة الملاصقة للحدود، ارتبط اسمها كذلك بموقع العبّاد، الذي يقع على تل شرق البلدة، ويتميّز بموقعه الجغرافي الاستراتيجي، فهو يرتفع نحو 850 متراً عن سطح البحر، ويطل على ثلاث دول، إضافة إلى لبنان، وهي: فلسطين المحتلة إصبع الجليل وسورية الجولان وشمال الأردن. ويرجّح أن تسميته تعود إلى أشخاص متعبدّين سكنوا فيه منذ زمن بعيد وفيه حاليا قبر لأحد هؤلاء العبّاد أو الزهّاد.
تسمية حولا تشير المراجع فيها، إلى أنّها سريانية ولها معنيان: المغارة أو الكهف أو المكان غير المقدّس وقد يكون الاسم تصحيف أي تعديل Hayla أي القوة والمنعة والسطوة، وهذا ما تفسّره طبيعة البلدة الجبلية التي تعكس طبيعة سكانها الذين كانوا يتحلّون بالقوّة لتأمين المياه ومتطلّبات الحياة لأن البلدة خالية من أي وجود لينابيع مياه.
ونقلاً عن الأجداد، أن بلدة حولا كانت أصلاً تقع على تلّة «الطيري» جنوب البلدة إلا أنّ مهاجمة النمل محاصيل أبنائها الزراعية، دفعهم إلى الانتقال والسكن حيث موقع البلدة الحالي. ويشير الأهالي إلى أن آثار البلدة القديمة لا تزال واضحة كالمسجد والآبار والجبّانة، إضافة إلى الحجارة المربّعة الكبيرة التي كانوا يستخدمونها في بناء منازلهم، ونقلوها لاحقاً بوساطة الجمال والحمير لبناء منازلهم الجديدة.
تبلغ مساحة حولا حوالى 16 ألف دونم، ويبلغ معدّل ارتفاعها عن سطح البحر 850 متراً، أما أعلى نقطة فيها فهي تلّة العبّاد. تبعد عن العاصمة بيروت 115 كيلومتراً، وعن مركز القضاء مرجعيون 20 كيلومتراً، وعن مركز المحافظ النبطية 35 كيلومتراً ، ويبلغ عدد سكانها نحو 12500 نسمة.
تحدّها من الشمال مركبا وطلّوسة، ومن الشرق بلدة هونين المحتلة والارضي الفلسطينية المحتلة، ومن الغرب مجدل سلم وشقرا، ومن الجنوب ميس الجبل.
انتُخب أول مجلس بلدي في حولا عام 1962، بعد معركة حامية تدخلت فيها السلطة لصالح الفريق الأسعدي، إلا أن الشيوعيين فازوا بها في النهاية، فكانت أول بلدية في العالم العربي التي يفوز بها الحزب الشيوعي هكذا أذاعت الخبر حينذاك الإذاعة البريطانية ، وتولّى رئاستها عوض أيوب حتى عام 1973، وبعد حلّ المجلس البلدي حينها تسلّمها قائمقام مرجعيون حتى العام 2001، حين انتُخب الاعلامي رفيق نصر الله رئيساً لها حتى عام 2004. واتّفق الأهالي في ذلك العام على تأليف مجلس بلدي بالتزكية يشمل كل القوى والأحزاب السياسية، على أن يتولّى رئاسة أوّل ثلاث سنوات منها محمد حبيب قاسم عن حزب الله ، والسنوات الثلاث المتبقية، فيصل أحمد حجازي عن الحزب الشيوعي .
في 23 أيار 2010 تنافست لائحة حزب الله وحركة أمل من جهة مع لائحة الحزب الشيوعي، ففازت الأولى بـ14 عضواً من أصل 15 عضواً، وخرق مرشح شيوعي واحد، وفاز عُدي مصطفى برئاسة البلدية عن حزب الله نتيجة اتفاق مع حركة أمل على أن يستلم بعد ثلاث سنوات شكيب قطيش الرئاسة عن حركة أمل .
بالتعاون مع «موقع بلديات لبنان الإلكتروني»