السعودية وعلاقتها السامّة مع أميركا عقب قانون «جاستا»

ترجمة: طارق فرحات

وصفت رولا خلف، نائب رئيس تحرير صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية، العلاقات السعودية الأميركية الحالية بأنها علاقات سامة، خصوصاً بعدما أقرّ الكونغرس الأميركي مؤخّراً بغالبية ساحقة قانون «العدالة ضدّ رعاة الإرهاب» أو «جاستا»، الذي يسمح بمقاضاة المملكة العربية السعودية أمام المحاكم الأميركية لتورّطها المزعوم في هجمات الحادي عشر من أيلول.

وأشارت خلف إلى أن إقرار الكونغرس قانونَ «جاستا» أعاد إلى ذاكرتها الزيارة التي كانت قد قامت بها للمملكة بعد هجمات الحادي عشر من أيلول.

خلف قالت عن تلك الزيارة: بعد أسابيع قليلة من هجمات 11 أيلول، كنت في المملكة العربية السعودية، في مطاردة صحافية لشبان غاضبين. كان هناك عدد غير قليل في شوارع الرياض، يعربون بإرادتهم عن إعجابهم بأسامة بن لادن زعيم تنظيم «القاعدة» السعودي المولد، الذي كان قد أرسل 19 من الخاطفين ـ 15 منهم سعوديون ـ لاستهداف مركز التجارة العالمي ووزارة الدفاع الأميركية البنتاغون.

وأضافت خلف أنه في حين كان بن لادن، وهو ما مثّل صدمة كبيرة بالنسبة إليها، من المشاهير لعداوته الجريئة للحليف الأميركي للنظام السعودي، كان السعوديون أيضاً في حالة إنكار. ويبدو أنهم اقتنعوا أنه لا يمكن أن يكون مسؤولاً عن المجزرة التي طاولت الآلاف من الأميركيين الأبرياء.

وكان الإنكار أكثر وضوحاً في الدوائر الحكومية، حيث كان المسؤولون يستعدون للغضب الذي أطلقه الاكتشاف الأميركي المفاجئ أن المملكة كانت أرضاً خصبة للتطرّف، وفق ما ذكرت خلف.

ولم يمض الكثير من الوقت حتى وُضع نظام التعليم الديني والوهابية المتزمتة في السعودية تحت المجهر، بشكل غير عادي. أصبحت المطالب الغربية لإصلاحات جذرية معياراً في الاتصالات الدبلوماسية مع الرياض.

وبالعودة إلى قانون «جاستا»، قالت خلف إنه لم يتم حتى الآن كشف أيّ أدلة دامغة على تورّط سعودي رسمي في التخطيط للهجمات.

برأي خلف، فإن قانون «جاستا»، والذي يسمح برفع دعاوى قضائية خاصة ضدّ حكومات أجنبية، يقوّض مبدأ الحصانة السيادية، ويمثل سابقة خطيرة قد تكون مكلفة للولايات المتحدة.

ومع ذلك، لن يقدّم أيّ مسؤول أميركي منتخب على دعم المملكة العربية السعودية، خصوصاً في الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية، فالعلاقة تعتبر الآن سامة.

وذكرت خلف أيضاً أن العلاقة بين البلدين لم تشهد تغيّراً كبيراً منذ 15 سنة. على رغم عدة جهود لتضميد الكسور، إلا أن «العلاقة الخاصة» بين الولايات المتحدة، والمملكة العربية السعودية لم تتعافَ أبداً. لا يستطيع البَلَدان التخلّي عن بعضهما، ولكنهما لم يحاولا، أو لم يتوقّعا، أن يستعيدا دفء الماضي.

وفقاً لخلف، ما تزال هناك فوائد يمكن جنيها من التحالف. على رغم تصاعد الضغوط الاقتصادية، فالمملكة هي واحدة من البلدان القليلة التي ما يزال يمكن وصفها بأنها مستقرة في منطقة من الدول الفاشلة. تحتفظ المملكة بتأثير منقطع النظير في أسواق النفط، ويمكن أن تحشد وراءها مساحات من العالم الإسلامي.

السعوديون، من جانبهم، لم يجدوا بديلاً عن الدعم الدبلوماسي والعسكري للولايات المتحدة، وما تزال تنفق مليارات الدولارات على الأجهزة الأميركية «التي تزودها بها الولايات المتحدة بسعادة».

ومع ذلك، فإن مصالح الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية متباينة بشكل مطرد. تبنّى البَلَدان مواقف متضاربة في شأن الأزمات في منطقة الشرق الأوسط، بدءاً من «الثورات العربية» عام 2011 إلى اتفاق إيران النووي، وإلى حدّ أقل في الحرب السورية.

وبحسب خلف أيضاً، فإنه وفي حين ترى الولايات المتحدة الموقف السعودي تجاه إيران بوصفه غير مرن، ترى السعودية المبادرات الأميركية تجاه طهران بوصفها ساذجة. وفي السنة الماضية، دعمت الولايات المتحدة على مضض حرب الرياض ضدّ المتمرّدين الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن، في جزء منه لتعويض الإحباط السعودي تجاه الاتفاق النووي.

تابعت خلف بقولها إن التوتر في العلاقة بين الولايات المتحدة، والسعودية كان أيضاً واضحاً في الحرب الأوسع ضدّ الإرهاب.

قد يكون تنظيم «القاعدة» ظلّاً لما كان عليه سابقاً، ولكن صعود تنظيم «داعش» كشف مرة أخرى الفكر السلفي غير المتسامح، الذي ينتشر خارج المملكة. صحيح أن تنظيم «داعش» يهدّد نظام الحكم في السعودية ولكن أيديولوجيته وبعض ممارساته يتم تبنّيها من قبل متشدّدين في السعودية.

وأخيراً، قالت خلف إن القانون الذي أقرّه الكونغرس لم يكن أبداً المشكلة الحقيقية بين الولايات المتحدة والسعودية. إنه يعكس فقط مدى توتر العلاقات بين البلدين. في المملكة العربية السعودية، لا يمكن الاعتماد على الولايات المتحدة الآن، فقد باتت حليفاً غير موثوق به. وفي الولايات المتحدة، فإن السعوديين هم عامل غير مستقرّ لا يمكن التنبؤ به في المنطقة.

وختمت خلف بقولها: وصف مسؤول سعودي كبير ذات مرة العلاقة بين الولايات المتحدة، والسعودية بأنها «زواج كاثوليكي». منذ هجمات 11 أيلول، كانت العلاقة بمثابة «اتحاد معطّل»، يعلم فيه الزوجان أن الزواج قد انتهى ولكن لا يمكن التوافق على شروط الانفصال.

زميل في «ساسة بوست»

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى