التحوّ ت الاستراتيجية بطبيعة الصراع القائم في المنطقة

نمر أبي ديب

كُتبت السياسة الدولية بحبر ا زمات المستمرة وتقاطع المصالح الاستراتيجية للدول المعنية مراحل التحوّ ت الكبيرة والمنعطفات ا ساسية التي ألمّت بتاريخ المنطقة منذ نشوء الكيان الغاصب ومحاو ت العبث بالهوية الفلسطينية الى مراحل الاستدراك الروسي نتيجة الخطأ الليبي وإظهاره عوامل التفوق الميداني، سواء بالنشاط الديبلوماسي او على مستوى الحضور العسكري والمشاركة في الحرب السورية.

كرّست ضمنية التحوّلات بتراكماتها التاريخية معاد ت الاحتواء السياسي النابعة من نتائج المستجدات ومفاعيل التسويات سواء الظرفية ام الاستراتيجية.

شكل الصراع العربي الإسرائيلي في بنيته العقائدية مادة خلافية على مستوى المواجهة وكيفية التعاطي تمثلت في الفكر المقاوم صاحب الحضور العسكري. وآخر ممتهن سياسة الدبلوماسية والرهان على المجتمع الدولي لمواجهة الخطر «الإسرائيلي».

أكدت المادة الخلافية على الفارق الجوهري ما بين الفكرين المتمثل في مقاربة المستحقات العملية المحدّدة لمفهوم الصراع في المنطقة القائم على ركائز ميدانية دمغها النفس الإجرامي المتصهين للعصابات المسلحة التي نثرت على ارض فلسطين بذور الحقد والإرهاب لسنوات لم تعرف المنطقة حينها بفكريها المقاوم العسكري والدبلوماسي عدواً معلناً حتى مرحلة 2005 غير الكيان الصهيوني الغاصب.

قدمت مرحلة 2005 للسياسة الدولية مدخلاً آمناً للعبور الممنهج من بوابة المستجدّات اللبنانية الى منطقة الحدث الإقليمي في تطور استراتيجي اعادت من خلاله القوى الحليفة للسياسة ا ميركية صياغة المشهد العام ورسم خريطة الاصطفاف السياسي بما يتناسب مع متطلبات المرحلة ومؤامرة العداء لسورية.

أراد البعض من خلال هذا التطور العبث بمرتكزات الصراع ا ساسية في المنطقة تمهيداً لتغيير العدو من خلال الاستهداف المباشر للفكر الاستراتيجي القائم على ركائز ومسلمات عقائدية كرّست في عاملها التاريخي ثقافة العداء المطلق للكيان الصهيوني.

جسّدت ا رادة الشعبية النابضة بمفاعيل الإعلام المواكب صانع الانهيارين ا ول والثاني في تونس ومصر عوامل التغيير المباشر مع بدايات «الربيع العربي» في مشهد ملتبس أرادت القوى العالمية من خلاله النفاذ الى أعماق الحضور المقاوم سورية وتحقيق أهدافها التي تسمح بقيام التقسيم والتأسيس لبناء شرق أوسط جديد بمعايير مختلفة تمنح السياسة ا ميركية إمكانية الحصول على ما عجزت عن أخذه بالقوة في حرب تموز 2006.

بدت المعالم ا ساسية للمشهد العام في المنطقة واضحة مع بدايات ا زمة السورية وتراكم ا حداث المنبئة بخطورة المؤامرة وأبعادها التقسيمية.

حدّدت التطورات المتسارعة على الجبهة السورية ا طار العملي للتدخل الروسي المنسجم مع عاملين متطلبات الحدث الإقليمي، وتأمين مستلزمات المواجهة والنصر على مخططات الإلغاء ا ميركية الهادفة الى إخراج الوجود الروسي بشكل كامل من المياه الدافئة.

رسمت عاصفة السوخوي بحضورها الجدي وأدائها النوعي ملامح التحوّل الكبير في موازين القوى الدولية ذات ا بعاد الوجودية على دول المنطقة والعالم، ما عكس المدى الحقيقي لتداعيات ا زمة السورية وخطورة الانقسام العالمي وانعكاساته السلبية المباشرة على دول التصادم الإقليمي والعديد من دول العالم التي تعيش هاجس الإرهاب المتمدّد.

يحمل التجاذب الروسي ا ميركي في واقعه الحالي خلاصة التغيير الجذري في بنية الموقف ا ميركي النابع من معادلتين: اعتراف ضمني بعامل التفوّق الروسي وامتلاكه مفاتيح الحلّ الإقليمي في مشهد جسّد الحاجة ا ميركية الى غطاء إعلامي يسمح بتمرير الموقف التراجعي للسياسة الخارجية النابع من مفاعيل العجز الواضح في اتخاذ القرار وعدم توفر القدرة على تحمّل أعباء المواجهة نتيجة ا زمات الاقتصادية وحجم التأثر ا ميركي.

وأيضاً من خلال المراجعة الذاتية التي أجرتها إدارة أوباما ما عرف بعقيدة أوباما التي شكلت بتوقيتها وأبعادها مقدمة اعتراف أميركي بأخطاء السياسة الخارجية.

دخلت المنطقة عملياً نفق التغيير الاستراتيجي من خلال التوازن الجديد الذي فرضه الروس في المنطقة والسلوك ا ميركي المرافق لتوقيع الاتفاق النووي مع طهران. إنهاء حقبة العداء التاريخي مع كوبا وتوقيع التفاهم مع روسيا بشأن ا زمة السورية ما يعكس حجم التغيير ا ميركي الحاصل بالرؤية والسلوك، ا مر الذي يوحي بو دة نظام عالمي جديد قائم على معايير ومرتكزات استراتيجية أساسها سقوط الأحادية بما تمثل من استفراد أميركي للموقف العالمي، واختصار العالم في محورين نتيجة التغيير الجوهري الحاصل في موازين القوى العالمية بالاعتراف ا ميركي.

و دة شرق أوسط جديد بتقاسم نفوذ مشترك روسي أميركي يلغي المفاعيل العملية لقوى التصادم ا ميركي في المنطقة، ويعيد صياغة الخريطة الإقليمية بما يتناسب مع المعايير الاستراتيجية للمصالح الروسية… ومعها طبعاً المصالح الإيرانية والسورية…