لبنان وحركة الاستخبارات الروسية في المتوسط

روزانا رمَّال

عززت وزارة الدفاع الروسية حضورها في الساحل السوري، خصوصاً طرطوس، في آخر موقف للوزارة حول تثبيت قاعدة دائمة للجيش الروسي هناك، بعدما كشف نائب وزير الدفاع الروسي منذ بضعة ايام، خلال اجتماعه بلجنة الشؤون الدولية في مجلس الشيوخ الروسي انه «ستكون لدينا في سورية قاعدة عسكرية بحرية دائمة في طرطوس. ولقد تمّ إعداد وثائق بهذا الشأن، ويتم التنسيق بشأنها حاليا بين مختلف الهيئات متوقعاً بأن تطلب وزارة الدفاع الروسية قريباً من البرلمان المصادقة على الوثائق بهذا الشأن.

تستعدّ روسيا لتثبيت حضورها في سورية قانونياً وتشير معلومات أكدها رئيس لجنة الشؤون الدولية في مجلس الدوما الروسي البرلمان ، أنه مستعدّ للنظر في ملفّ نشر القاعدة البحرية في طرطوس في اجتماعه المقبل.

مؤكداً انّ المجلس مستعدّ للتصديق على الاتفاقية الخاصة بإنشاء القاعدة الروسية في طرطوس في أقرب وقت ممكن. وهو ما يشير الى استعجال روسيا في بتّ هذا الملف. والقاعدة المنشودة ستضمّ عناصر مدربة لمضادات للغواصات، بالإضافة إلى عناصر الدفاع الجوي.

وعلى هذا الأساس تطرح موسكو فكرة التمركز الذي عاشته قوى كبرى في الشرق الاوسط سابقا، ابرزها الولايات المتحدة الأميركية التي انشأت اكثر من قاعدة في اراضي حلفائها العرب ومعهم تركيا، حيث تضمّ قاعدة «انجرليك» المعروفة.

وقد عزّزت من تلك القواعد من اجل حماية امنها القومي على ما أشارت عبر عمليات نوعية ضدّ «الإرهاب» خصوصاً في فترة ما بعد أحداث 11 أيلول سبتمبر 2001، وما تمخضت عنه من احتلال لكلّ من الأراضي الأفغانية والعراقية عامي 2001 و2003 على التوالي.

القواعد الأميركية موجودة بين حلفائها في البلدان التالية: الكويت السعودية قطر سلطنة عُمان الامارات الاردن مصر جيبوتي.

كرّست وشنطن اذاً مبدأ مشروعية الانتشار في ارض حليفة بحال الخطر على الأمن القومي. وعلى هذا الأساس تناقض المؤسسة العسكرية نفسها بانتقادها التدخل الروسي في سورية وبإنشاء هذه القواعد فيها، حيث تعتبر الولايات المتحدة الأميركية مؤسِّسة بهذا الإطار وقد قطعت شوطاً بتعميم فكرة استخدام كلّ ما يلزم او كلّ ما هو متاح من اجل حماية الامن القومي الأميركي، او حتى الامن الخاص بأيّ حليف من حلفائها ابرزها «اسرائيل».

الحديث عن تعزيز الحضور الروسي وتحديداً في الساحل السوري يعني تعزيز القوة البحرية الروسية في المتوسط، حيث يُباح لهذه السفن التوجه نحو أيّ هدف من المتوقع ان يكون خطراً على أمنها اولا او ربما يشكل خطراً على الامن القومي الروسي مستقبلاً، ثانيا وهذا الأمر جعل السفن البحرية الروسية التجسّسية وأشهرها «ينتار» تجوب بحاراً عديدة في العالم من اجل حماية امنها، هذا ما فعلته السفينة منذ ايلول الماضي حيث رصدت قبالة السواحل التركية وبعدما عبرت البوسفور متوجهة نحو لبنان على ما أشارت معلومات صحافية وتوقفها قبالة طرابلس – لبنان.

التساؤلات طرحت حول السفينة هل هي فعلاً امام شواطئ لبنان؟ هل رصدت لشيء ما؟ هل أتت بمهمة؟

الجواب الطبيعي هنا يضع لبنان من الآن فصاعداً امام التوقع المنطقي لهذه الجولات الروسية في البحر المتوسط، فموسكو تموضعت في سورية بشكل دائم على ما أعلنته وزارة الدفاع بطلبها تثبيت قاعدة طرطوس. وهذا يعني ان الساحل اللبناني الملاصق للساحل السوري سيكون على موعد مع عدة زيارات لسفن وقطع حربية روسية عملاً بمنطق الحفاظ على الأمن القومي الروسي الذي يبدأ من سورية بالمنطق الروسي وإزالة الخطر عنها، وبهذا المنطق تبدو طرابلس نقطة حساسة بالنسبة للروس وإذا كانت زيارة «ينتار» صحيحة فإنّ هذا يشكل موقفاً واضحاً من المنطقة اولاً ورسالة للحكومة اللبنانية تستدعي التوجه نحو إيجاد صيغة من التنسيق مع روسيا أو التعاون طالما انّ اجهزتها الامنية ستصبح الجار الدائم للبنان.

تشير حركة سفينة التجسس الروسية على ما أسمتها «نيويورك تايمز» الأميركية باختيارها سواحل تركيا وقبرص واللاذقية وطرابلس اللبنانية الى انّ البحرية الروسية رسمت مكامن التوتر والتسريب والتهريب البحري الممكنة في حربها على الإرهاب وهي المنافذ القادرة على تهريب مسلحين الى أوروبا. بطبيعة الحال من هنا فإنّ ايّ ممانعة اوروبية غير واردة في هذا الإطار فحماية الساحل السوري او اللبناني على حدّ سواء يشكل بالنسبة للدول الأوروبية أولوية بعد هاجس النزوح الذي يحوم حولها كخطر قادر على تغيير هوية الصراع ونقله الى اوروبا.

طرابلس اللبنانية شكلت في محطات عدة نقطة استراتيجية لانتقال الإرهابيين من سورية وإليها عبرها، كما شكلت في بعض أحيائها خلايا ارهابية قاتلت اهل البيت الواحد عدة مرات واشتبكت مع الجيش اللبناني في محطات مفصلية ايضاً.

الحركة الروسية الاستخبارية بالبحر المتوسط قبالة السواحل السورية واللبنانية والقبرصية والتركية تستوجب التحضير لمرحلة التنسيق الحتمي مع القيادة الروسية في مسألة مكافحة الإرهاب، خصوصاً انه لا تزال في لبنان مواقع محتلة من قبل الإرهاب، وبالتالي فإنّ ايّ تأجيل للمعركة لا يعني إمكانية خوضها بمعزل عن المتغيّرات العسكرية بالمنطقة وبمعزل عن حسابات الحضور الروسي فيها بعيداً عن حصرها بواشنطن وحلفائها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى