مختصر مفيد
مختصر مفيد
من جنيف إلى لوزان
لا تزال أحكام تفاهم موسكو قائمة وصالحة لتشكّل الأرضية الكافية لانطلاق مسار سياسيّ بديلٍ عن المسار العسكري الذي صار حتمياً ووحيداً مع التعطيل الأميركي العلنيّ، لتطبيق تفاهم جنيف الذي التزموا بموجبه بالتعاون العسكري مع روسيا لضرب مواقع «داعش» و«النصرة»، بعدما يتمّون خلال أسبوع سريان الهدنة، عملية فصل تعهّدوها بين هذين التنظميين المصنّفين إرهابيين والمعتبرين أهدافاً مشروعة للحرب، وبين من تصفهم واشنطن بـ«فصائل معارضة مسلّحة معتدلة» يمكن جذبها إلى العملية السياسية، وارتضت وفقاً للتفاهم ربط هذه الأهلية بحسم موقف هذه الجماعات من علاقتها بـ«جبهة النصرة» بصورة خاصة. وفيما نظّمت واشنطن حملة إعلامية تتّهم روسيا ودمشق بوقف العمل بالهدنة، كانت تعلم أن الأسبوع الثاني للهدنة هو أسبوع الانتقال، بين روسيا وأميركا للتعاون العسكري، وفي الميدان لفصل واشنطن لمن تعتبرهم مسلّحيها عن «جبهة النصرة»، وتعلم أنه بمجرّد تلكؤها بذلك فهي تعلّق تنفيذ التفاهم.
لم يتغيّر شيء يسمح بالقول إن شروط وفرص صناعة تفاهمات بديلة تلوح في الأفق. فإذا كانت تعقيدات ما قبل تفاهم جنيف استدعت أربعة شهور من التفاوض رغم أنّ التفاوض بين الفريقين الأكثر قبولاً بفكرة الحلّ وهما روسيا وأميركا، فكم يتوقّع الداعون إلى لقاء لوزان أن يستهلكوا من الوقت لصناعة تفاهم جديد بتعقيدات صار أكثر، وبمشاركة أطراف مثل السعودية وقطر وتركيا، الذين يدعمون الجماعات التي تمرّدت علناً على تفاهم جنيف، طالما أن إيران قبلت ببنود تفاهم جنيف. وهل ثمة وقت لمثل هذا الترف؟ وهل أن ولادة تفاهم يرضي المعترضين له مقدّمات من نوع تلقّي روسيا وحلفائها مجموعة من الهزائم الميدانية، وإصابتهم بتراجعات سياسية، ما يجعل التراجع من موسكو متوقعاً، أم العكس هو ما حصل؟
كلّ شيء يقول إن العكس هو ما حصل، وإنّ صاحب الدعوة إلى اجتماع لوزان موسكو وواشنطن، ليضمّ الذين يحرّكون الجماعات المسلّحة، بعدما تلقّت هذه الجماعات ضربات موجعة ولا تزال، وتلوح في الأفق هزيمة قاسية تصيبها في الموقع الأشدّ حساسية وهو شرق حلب، وبعدما صارت تركيا في موقع مرتبك بتصالحها مع روسيا ومصالحها بمنع قيام شريط كرديّ تدعمه واشنطن، وتلقّت السعودية الكثير من الإصابات في المال والسياسة والحرب، وبعدما بلغت لغة التصعيد السياسي والدبلوماسي ولغة التهديدات بالبدائل ذروتها ولم تنفع في وقف التقدّم في الميدان.
لوزان خارطة طريق لتطبيق جنيف، وإلّا إلى الفشل.
ناصر قنديل
ينشر هذا المقال بالتزامن مع الزميلتين «الشروق» التونسية و«الثورة» السورية.