الفنون القتالية… بين العنف وتربية النفوس
حسن الخنسا
وسط مظاهر العنف التي تلفّ أرجاء وطننا ومنطقتنا، تسكن كل تفاصيل حاضرنا، تأخذ مكاناً لها في مختلف القراءات التي تتناول مستقبلنا، لا بدّ من أن يتبادر إلى أذهاننا حقيقة أهمية التمرّن على الدفاع عن النفس، وهنا تبرز بوضوح وجلاء أهمية الفنون القتالية. ولكن هل نستطيع اختزال معاني هذه الرياضات العميقة بربطها بالعنف؟ حكماً لا، فشتّان ما بين ممارسة القوة الجسدية ضدّ الآخرين لتعنيفهم بغية الانتصار ـ الذي يعبر عنه غاندي بالقول: «النصر الذي يحقق من خلال العنف مساوٍ للهزيمة، لأنه موقت» ـ وبين الرياضات القتالية بمختلف أنواعها وتعدد أصولها وتنوع أسباب نشأتها. هذه الرياضات التي على رغم تمظهرها بأساليب عنيفة، إلا أنها تنمّ عن ذكاء مخترعيها وممارسيها وحكمتهم وسرعة بديهتهم وحنكتهم، وهي إضافة إلى ذلك تشدد على أهمية اللعب بأخلاق حتى أن في كثير منها حركات ممنوعة الممارسة بعض حركات بروسلي مثالاً إلا في حالات خاصة، ففنهم الراقي بالنسبة إليهم هو تربية للنفوس قبل إحراز الكؤوس.
هذه الفنون الرياضية أو هذه الرياضات الفنية هي حاجة للإنسان ورغبة لكثير من محبيها ومريديها، لاسيما عندما تمتثل لشروط مؤسسيها وأخلاقياتهم، لكنها وللأسف ما زالت مهملة في وطننا كمعظم الرياضات الأخرى، غير مُكتَرث لأمرها، باستثناء بعض البطولات التي تنظم هنا أو المشاركات التي تنفذ هناك، أما ماهيتها وجوهرها فمازالا بعيدين من مدارك كثيرين، ومازال معظم الناس يرون أنها مجرّد مظاهر عنف بحتة. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن بلادنا من أوائل البلدان في العالم التي عرفت جزءاً من هذه الرياضات، فالمصارعة التي ارتبطت بصورة مباشرة بعيد رأس السنة الذي يعود إلى أربعة آلاف سنة ق.م كانت لتأكيد أهمية القدرة البدنية والمهارة والتحمل، ولعلّ البطولة الأولى لرياضة المصارعة التي سجلها التاريخ هي صراع جلجامش مع غريمه إنكيدو. أما الملاكمة، فقد استخدم السومري يديه للمرة الأولى في الدفاع عن النفس ضد المهاجم الذي يريد الفتك به حيواناً كان أم إنساناً. كذلك كانت المبارزة إحدى الرياضات التي مارسها السومريون معتمدين على السيف والترس والخناجر.
واعتبر السوريون القدماء جسم الإنسان ذا مكانة عالية، إذ مارسوا التدريبات الخاصة لتقوية العضلات والجسم للوصول إلى الهيئة التي تمتاز بالكمال.