جولة ميدانية في دمشق وصيدنايا ومعلولا: صمود وإيمان بنهضة تصدح بالحياة لسورية المتجدّدة
إنعام خرّوبي
نظمت مؤسسة رعاية أسر الشهداء وذوي الاحتياجات الخاصة جولة في العاصمة السورية دمشق ومدينتي صيدنايا ومعلولا، شارك فيها عميد الإذاعة في الحزب السوري القومي الاجتماعي معتز رعدية، وعميدة البيئة ليلى حسان، ورئيسة المؤسسة نهلا رياشي، ووفد من الهيئة الإدارية لتجمع النهضة النسائي، شملت زيارة عدد من الأماكن الأثرية والمزارات الدينية والأسواق.
دمشق
بداية الجولة كانت من سوق الحميدية في دمشق الذي كان يعجّ بالزائرين والمتسوّقين كالمعتاد، وهو الذي يعدّ من أكبر أسواق العاصمة السورية، حيث تتنوّع البضائع على اختلافها، وتنتشر محلات العطارة والأقمشة والتحف والشرقيات وغيرها. وفي حين لم يُخفِ التجار مصاعب الحرب التي مرّ بها وطنهم وانعكاساتها على حركة البيع، أكدوا إصرارهم على مواجهة هده الأزمة «لأنّ إرادة الحياة أقوى من الإرهاب»، وأنّ سورية «ستعود كما كانت بإرادة أبنائها وسيُعاد إعمارها بسواعد أبنائها والتفافهم حول قيادتهم وجيشهم».
كما زار الوفد المقامات الدينية كمقام السيدة زينب والسيدة رقية والجامع الأموي وغيرها، ثم انتقلوا إلى أحد مطاعم باب توما حيث تناولوا الغداء إلى جانب عدد من القوميين في الشام، بحضور وكيل عميد الدفاع في الشام منفد عام القلمون، وجرى عرض لواقع الحزب في الشام، وخصوصاً نسور الزوبعة، ودوره في صدّ الهجمة الشرسة التي تتعرّض لها سورية والحرب الكونية التي تشنّ عليها.
صيدنايا
بعد ذلك توجه الجميع إلى مدينة صيدنايا فجالوا في شوارعها وأديرتها وكنائسها، وشاركوا في سهرة جمعتهم برفقائهم من مختلف الوحدات الحزبية ثم باتوا ليلتهم في دير سيدة صيدنايا البطريركي.
ويقع الدير الذي يرجع بناؤه إلى حوالى 547 سنة م في جبال القلمون على بعد 20 ميلاً 32 كلم شمال مدينة دمشق في سورية، وكانت مدينة صيدنايا في الماضي مركز البطريركية الأنطاكية.
وقد تعرّض هذا الدير لعدة محاولات تسلل وهجوم بقذائف الهاون بشكل من قبل المجموعات الإرهابية المسلحة وازدادت حدة الاعتداءات عليه، بعد تصدّي الجيش السوري لمسلحين حاولوا التسلل إلى دير شيروبيم الذي كان بسبب موقعه الاستراتيجي معرّضاً بشكل دائم لمحاولات تسلل، كما اندلعت اشتباكات عنيفة في محيطه.
وتحدث الأهالي لـ»البناء» عن دفاعهم المستميت عن البلدة ومقدساتها، خشية أن يكون مصيرها مشابهاً لمصير بلدة معلولا التي تعرّضت لاعتداءات ولتدنيس المقدسات وتخريبها وخطف الراهبات على يد مجموعات مسلحة تكفيرية تستهدف المسلمين كما المسيحيين، مؤكدين أنهم لا يمكن أن يسمحوا «لغريب بأن يطأ هذه الأرض المقدسة».
وقالت إحدى راهبات الدير: «رغم كلّ ما تعرّضت له المدينة فقد صمدنا، وأنقذت العناية الإلهية هذا الدير والمدينة، ونحن نسعى باستمرار إلى الحفاظ على المودة والألفة التي جمعتنا بالأديان الأخرى، وهذه هي رسالتنا».
وفي اليوم التالي استكمل الوفد جولته في صيدنايا فزار دير مار توما، والذي يعدّ من أضخم الآثار الرومانية في المدينة، وهو يقع على بعد 2 كلم شمال البلدة على سفح الجبل المطلّ على صيدنايا على ارتفاع 1640 متراً فيه آثار ومدافن ومغاور وأهمّها مغارة «الديوان الكبير» التي كانت مكاناً لاجتماع الرهبان، والجدار الشرقي المحفور بالصخر.
وبعد شرح للمسؤول عن الدير جورج قسيس عن مراحل بنائه وأقسامه وقيمته الأثرية والتاريخية،
تجمّع المشاركون في الجولة في باحته حيث استمعوا إلى شرح من وكيل عميد الدفاع في الشام منفد عام القلمون في الحزب السوري القومي الاجتماعي حول محاولات التنظيمات الإرهابية السيطرة على منطقة صيدنايا، خصوصاً الكمين النوعي والمُحكم الذي شارك في الإعداد له وفي تنفيذه مقاتلون من الحزب، لصدّ هجوم كان يستهدف السيطرة على دير شيروبيم الأثري في القرية الأثرية التاريخية، حيث جرى الهجوم فجراً انطلاقاً من محور رنكوس، وقد أسفر الكمين عن مقتل أكثر من 60 مسلحاً إرهابياً من لواء ما يسمّى أحرار القلمون و جبهة النصرة وبعض فصائل الجبهة الإسلامية .
يُذكر أنّ دير شيروبيم يرتفع بحدود 1900 متر عن سطح البحر، وتنطلق أهميته من إطلالته على المتحلق الشمالي، بالإضافة إلى سجن صيدنايا، ما جعله هدفاً للمجموعات الإرهابية المسلحة.
معلولا
المحطة الثالثة من الجولة كانت في مدينة معلولا، وتحديداً في دير القديسين سركيس وباخوس حيث أطلع عضو مجلس مدينة معلولا الدكتور جوزيف سعادة الوفد على تاريخ الدير وأهميته، بالإضافة إلى توصيف للأضرار التي لحقت به نتيجة عبث المجموعات الإرهابية بمحتوياته وتحطيمها وسرقة نسبة كبيرة منها، كما طاولت الأضرار المدينة ومحيطها، حيث تعرّض فندق «سفير معلولا» لدمار شبه كامل، كما أنّ المجموعات الإرهابية المسلحة قامت بحفر المغاور بحثاً عن كنوز، بالإضافة إلى استخدامها كتحصينات.
ثم تحدث وكيل عميد الدفاع في الشام ومنفذ عام القلمون، فقال: «منذ أن بدأت الأحداث في سورية أحس أهالي صيدنايا بالخطر المحدق بوطنهم، وشعروا بالخطر الذي يحيط بهم من كلّ جانب فأخذوا خيار المقاومة، وقرّروا الدفاع عن بلدتهم ومنطقتهم، فشكلوا منذ العام 2011 لجاناً شعبية، متكاتفين مع الحزب السوري القومي الاجتماعي واللجان الشعبية والجيش، وفي البداية تسلحوا بما توفر لديهم من أسلحة قديمة أو أسلحة صيد. لكن حين فاجأهم الإرهابيون سارعوا إلى الدفاع عن بلدتهم، وتصدّوا للمجموعات الإرهابية، إلى أن وصل الجيش السوري والقوى الحليفة ونسور الزوبعة، ودارت معارك عنيفة، فوق التلال المحيطة في البلدة، شارك فيها الجيش والنسور والمقاومة والأهالي، وبين كرّ وفرّ وخلال اقتحام محمية صيدنايا ارتقى من نسور الزوبعة الشهيدان أدهم نجم وأيمن العلي وجرح أدونيس خوري الذي استشهد في كنسبا مع الشهيد أدونيس نصر».
وأضاف: «لو أنّ جميع البلدات والمدن اتخذت خيار أهالي صيدنايا لما وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه».
وحول ما جرى في بلدة معلولا، أشاد وكيل عميد الدفاع «بموقف أهالي بلدة عين التينة المجاورة لبلدة معلولا، الذين أخذوا قراراً مشابهاً لقرار أهالي صيدنايا، وعند مهاجمة المجموعات الإرهابية بلدة معلولا سارعوا إلى الدفاع عنها وعن بلدتهم، وفتحوا منازلهم لأبناء معلولا».
وتابع: «كان لنسور الزوبعة والقوى الرديفة للجيش دورها في القتال مع الجيش السوري في بلدة معلولا وتحريرها من يد الإرهاب، ونحن في الحزب السوري القومي الاجتماعي لن نتوقف عن العمل المقاوم حتى نتخلص من يهود الداخل، ونتوجه إلى محاربة يهود الخارج في الجنوب السوري، وستبقى فلسطين دوماً البوصلة التي نقاوم لتحريرها».
وشكر وكيل عميد الدفاع عضو مجلس مدينة معلولا جوزيف سعادة على مرافقته للمشاركين في هذه الجولة وقيادة الجيش السوري ومسؤولي الأمن في المنطقة «الذين نعتزّ بهم، وقد أمّنوا للوفد الزائر دخول هذه المدينة العزيزة».
الحمدية
وكان لـ»البناء» لقاء مع رئيس الدير المُعيّن حديثاً الأب عبدالله الحمدية الذي أشار إلى «أنّ مدينة معلولا تعيش مرحلة جديدة، هي مرحلة ما بعد التهجير»، لافتاً إلى حجم الأضرار التي لحقت بالدير، وقد انتهت عملية ترميمها ولا تزال هناك بعض الأعمال البسيطة.
وقال: «كان عيد الدير رائعاً هذا العام، وقد شارك في إحيائه حشد كبير من حوالى ألف شخص».
وأمل الأب الحمدية أن يعود أهل معلولا إليها، قائلاً: «رغم الحرب والظروف الصعبة أتمنى أن يعود أهل المدينة إليها، فللحياة قيمتها ومعناها هنا. أنا شخصياً كنت رئيساً لهذا الدير منذ 25 عاماً، ثم خدمت في دول مختلفة من العالم وقد طلبت أن أعود لأنّ بلادنا تستحق أن نضحّي من أجلها، ومهما مكثنا في بلاد المهجر، لا بدّ أن نعود».
رياشي
وألقت رئيسة مؤسسة رعاية أسر الشهداء وذوي الاحتياجات الخاصة نهلا رياشي كلمة قالت فيها: «جئنا إلى هنا لنقول لكلّ العالم إنّ الشام بخير… جئنا من مختلف مناطق الكيان اللبناني من شماله إلى جنوبه، لأننا نؤمن بأنّ الشام قلب الأمة النابض، وما دامت بخير فالأمة كلها بخير».
أضافت: «ندعو أهالي المدينة الذين هجروها قبل أو خلال المحنة التي مرّت بها سورية إلى العودة إليها، بعد أن عادت إلى كنف الدولة. معلولا تستحق التضحيات، كأيّ مدينة في هذا الوطن، وهي جديرة بأهلها وأهلها جديرون بها». وختمت رياشي: «نحن لم نتأخر في المجيء إلى هنا، وقد سبقنا رفقاؤنا في نسور الزوبعة إلى معانقة أرض الشام الحبيبة».
وأكمل الجميع جولتهم سيراً باتجاه دير مار تقلا البطريركي الذي يقع قرب المغارة التي يُقال إنّ القدّيسة تقلا لجأت إليها، وأمضت فيها بقية حياتها. في العام 1906، شُيّدت كنيسة بالقرب من الموقع المقدّس وفوق بقايا كنيسة قديمة لا يُعرف تاريخ بنائها. بدأ بناء الدير في العام 1935 وقد أضيف إليه طابق ثانٍ في العام 1959. فوق سطح مبنى الدير الرئيس ثمّة درج يؤدّي مباشرة إلى مزار القدّيسة تقلا، أيّ إلى المغارة الصخريّة التي ترقى إلى العصور المسيحيّة الأولى. وتقسّم هذه المغارة إلى نبع مقدّس وكنيستين صغيرتين.
وذُهل الحاضرون من هول ما تعرّض له هذا الدير من تشويه لمعالمه، عبر تدمير المواقع والمذابح، وطلي الأيقونات واللوحات التقليدية، ونزع الصلبان وحرقها، إلى التنقيب عن الكنوز تحت المذابح وفي الأضرحة.
واختتمت الجولة بالعودة إلى دمشق، العاصمة التي تمسك بمفاتيح الحضارة والتاريخ، كما أنّها اليوم بفعلها القومي وصمودها الأسطوري، مع حلفائها الأوفياء، تصنع مستقبلها ومستقبل الأمة ليكون زاهراً ومشرقاً وعزيزاً.