لا أعذار
نشرت صحيفة «روسيسكايا غازيتا» الروسية تقريراً تناولت فيه احتدام الحرب الإعلامية حول الأحداث في حلب، ضدّ العسكريين الروس، الذين يوجّهون ضربات دقيقة إلى مواقع الإرهابيين.
وجاء في التقرير الذي نشرته الصحيفة أمس: أيّد وزير خارجية بريطانيا بوريس جونسون خلال كلمته في البرلمان الاتهامات الموجّهة إلى روسيا، حين قال إن الدلائل كافة تشير إلى أن روسيا تتحمّل مسؤولية الهجوم على قافلة المساعدات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة في حلب. لكنه لم يعرض أيّ دليل يثبت ما يقوله. فكل ما كان مطلوباً منه قام به، وما على موسكو إلا تقديم الأعذار.
بيد أنه ليس لدى القوات الروسية ما تقدّم الأعذار عنه. فقد أعلن المتحدّث الرسمي بِاسم وزارة الدفاع الروسية الجنرال إيغور كوناشينكوف أن هستيريا الرهاب الروسي تؤجَّج بصورة منتظمة من قبل بعض أعضاء المؤسسة البريطانية، لذلك لم تعد تثير أي انطباع. ووصفها بأنها عاصفة في فنجان مياه لندن العكرة.
وأضاف: نلاحظ منذ 20 أيلول الماضي موجة ثالثة من الاتهامات بتورط روسيا المزعوم في الهجوم على قافلة المساعدات الإنسانية في حلب. وفي كل مرة يرافق هذه الاتهامات بما يقال إنه اعترافات «شهود ـ متطوعين»، يظهر لاحقاً أنهم من مسلّحي «جبهة النصرة». ويقال أيضاً إن لدى الاستخبارات الأميركية براهين لا جدال فيها. ولكن رئيس هيئة الأركان المشتركة الجنرال دانفورد فنّدها أمام الكونغرس. والآن يظهر بوريس جونسون على المسرح ليتهم روسيا مستنداً إلى الصور الفضائية. فهل سيعرض السيد جونسون هذه الصور لنا؟ أو لأيّ كان؟
لم تنشر أيّ جهة أيّ صور وتسجيلات باستثناء وزارة الدفاع الروسية التي نشرت شريط فيديو يظهر وجود سيارة مجهولة مُركَّب عليه مدفع هاون ترافق شاحنات القافلة الإنسانية. وكانت وزارة الدفاع الروسية قد أكدت مراراً عدم وجود طائرات روسية وقت الهجوم على القافلة في تلك المنطقة. لذلك، وصف كوناشينكوف اثباتات جونسون بأنها لا تساوي حتى فلساً واحداً.
كما يتهم الغرب القوات الجو ـ فضائية الروسية والطائرات السورية بأنها تقصف الأحياء السكنية ومواقع «المعارضة المعتدلة» في حلب، لا مواقع الإرهابيين. ولكن حقائق عدّة تشهد على أنه لم يبق في الأحياء الشرقية من حلب التي يسيطر عليها الإرهابيون أكثر من 20 ألف شخص، لأن الآخرين غادروا هذه الأحياء وانتقلوا إلى الأحياء التي تسيطر عليها القوات الحكومية.
فمن هي هذه «المعارضة المعتدلة» في حلب؟ وفقاً للمعلومات التي ينشرها المركز الروسي للمصالحة في حميميم، المبنية على معلومات استخبارية مختلفة ومن الجيش السوري وما ينقله سكان المناطق المحررة وكذلك قادة المجموعات التي توافق على رمي السلاح، فإن ما يسمى بـ«المعارضة المعتدلة» تتألف مثلاً من فصيل «أحرار الشام» مع مسلّحين تابعين لـ«جبهة النصرة» الإرهابية. وهؤلاء يشنّون الهجمات جنباً إلى جنب على مؤسسات الدولة والسكان المدنيين.
يقول مدير مركز التحليل الجيوسياسي فاليري كوروفين إن مدينة حلب هي آخر معقل لـ«داعش» و«جبهة النصرة»، المجموعتين اللتين يراهن عليهما ساسة الغرب. لذلك فمن دون حلب يمكن اعتبار أن حملة الولايات المتحدة لإسقاط النظام السوري قد باءت بالفشل. ويتركز في حلب الجزء الأكبر من الأسلحة، أي أن سقوط حلب بيد القوات الحكومية السورية، سيعني أن المعركة ستنتهي لمصلحة النظام.
أما قسطنطين فورونوف من معهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية فيقول إن فرصة جيدة تتاح للجيش السوري بدعم من القوة الجو ـ فضائية الروسية للانتصار في حلب. وهذا بدوره سيعزّز مكانة روسيا ليس فقط في سورية بل في الشرق الأوسط كلّه. وهذا ما يخيف الغرب جداً. لذلك تعمل الولايات المتحدة بكل قواها من أجل إزاحة روسيا من المنطقة، وتحاول واشنطن بلوغ هذا الهدف عبر حلفائها في أوروبا باستخدام وسائل الإعلام.