الطائفية والمذهبية والمجتمعات

عباس الجمعة

عندما أردت أن أكتب هذا الرأي توقفت قليلاً، لأنني من موقعي القومي والوطني ضدّ الاستغلال والظلم والقهر الذي تعانيه الطبقة الفقيرة، ضدّ الحقد والكراهية والأنانية والعنصرية والطائفية والمذهبية والرجعية والقوى الإمبريالية والرأسمالية. ضدّ الحرب والهجمة الظلامية التكفيرية على شعوب المنطقة التي تقودها وتدعمها قوى التحالف الصهيوني الأميركي لتفتيت المنطقة إلى كانتونات طائفية ومذهبية وإثنية، هدفها الأساس طمس القضية الفلسطينية، وإعادة ترتيب الوضع في المنطقة، ورسم خارطة سياسية جديدة لها بعد تقسيمها إلى عدة دويلات.

من هنا عندما أكتب أي مقال يتعلق برأي محدّد يكون الهدف منه هو إيصال رسالة، خاصة في ظلّ الظروف الدقيقة التي نمر بها، وهذا يستدعي من كافة القوى الوطنية السياسية القومية واليسارية تعزيز دورها في المجتمعات العربية، خاصة أمام ما يجري في المنطقة في مواجهة القوى الإرهابية التي تستهدف الشعوب وقواها المقاومة، ومواجهة انتشار الطائفية في مختلف البلدان العربية نتيجة السياسات الأميركية في المنطقة.

إنّ القضية المذهبية الطائفية غير موجودة في بعض البلدان وخاصة في فلسطين وقبل الأحداث لم نسمع فيها في سورية والعراق، إلا أننا اليوم في ظلّ ما تعيشه المنطقة يلفت الانتباه إلى أنّ المنطقة كلها تتعرض لهجمة ظلامية تكفيرية، إذ تستخدم القوى الإمبريالية والرجعية سلاح الدين لإدراكها طبيعة المنطقة المتدينة، فخلقت التنظيمات الإرهابية ذات الصبغة الدينية وهي لم تأتي من فراغ، نحن ندرك جيداً أنّ الإدارة الأميركية في جعبتها الكثير من الأوراق عندما تأتي إلى منطقة من المناطق، تسعى إلى ضرب المجتمع فيها بهدف الوصول إلى خطتها المرسومة وهذا ما يحصل اليوم، وهذا يستدعي إقامة جبهة شعبية عربية واسعة في كافة الدول العربية لمواجهة القوى الظلامية التكفيرية التي تستهدف مصير كلّ هذه المنطقة وهي عبارة عن أبواق أميركية.

لذلك أرى أنّ وعي مفهوم المواطنة، والإقرار به كمرجعية، يشكل بدوره أساساً معرفياً ومجتمعياً، يحكم العلاقة السياسية وينظمها بين الإسلام التنويري، وبين القوى اليسارية إن كانت ديمقراطية أو قومية أو تقدمية، وفق أسس ونواظم سياسية ومجتمعية محددة، تمثل الحدّ الأدنى المشترك بين جميع الألوان السياسية، حتى ينقل محتواها وطابعها الوطني والديمقراطي العام، الذي يضمن حرية الرأي والتعبير عبر الحوار المشترك، الهادف إلى أن تبقى بوصلة الصراع مع العدو الصهيوني، وأن تبقى فلسطين هي القضية الأساس والجوهر بما يدعم صمود الشعب الفلسطيني وانتفاضته لكافة الأشكال في وجه الاعتداءات والغطرسة الصهيونية.

إنّ تطوير النضال الوطني الديمقراطي على مستوى المجتمعات يضمن وحدة الكلّ الاجتماعي وتعدّديته في آنٍ واحد، بما ينتج فضاء واسعاً للحريات على مستوى كلّ مجتمع في طرح مفاهيمه، وفق قواعد وحدة المجتمع والصراع أو الاختلاف السياسي والفكري من ناحية، ووفق قواعد الديمقراطية كمعيار ومحدد أساسي، بما يتيح للقطاعات والشرائح الاجتماعية بمختلف أوضاعها في الخارطة الطبقية أو السلّم الاجتماعي، أن تتفاعل وتتنظم أو تتحالف، وفق رؤيتها ومصالحها، في فضاء تتوفر فيه حرية المواطن المرتكزة إلى حرية الاختيار والرأي والمعتقد والانتماء السياسي.

أمام كلّ ما نراه نتطلع، إلى قيمة اجتماعية وأخلاقية وممارسة سلوكية يعبر أداؤها من قبل المواطنين، عن وعي ثقافي ورقي حضاري، من خلال معاملة المواطنين على قدم المساواة من دون تمييز بينهم بسبب الدين والمذهب والعرق والجنس، والحفاظ على تقاليد راسخة ونابعة من النسيج الاجتماعي والسياسي والثقافي والحضاري لاي مجتمع، مع احترام العادات والتقاليد لشعوب المنطقة.

إنّ عملية التغيير الثوري في طابعها العام، تتطلب برنامجاً عملياً تاريخياً يوصل إلى الأفق الاشتراكي المنشود، وهذا بحاجة إلى إيجاد حلول لأزمة حركة التحرّر الوطني العربية لأنها وحدها القادرة على الجمع بين مهام التحرُّر الوطني والتغيير الاجتماعي، وعليها أن تأخذ من دور النضالات التي سبقتها في بناء وعي متراكم ومخزون نضالي، حتى شكل أساساً للخروج من الأزمة التي تعانيها.

هذه الظروف التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني والعدوان الصهيوني المتواصل والذي يستهدف الشجر والحجر والبشر، في حين تستهدف القوى الإمبريالية وحلفاؤها من القوى الرجعية والإرهابية المنطقة ومقاومتها، يستدعيان من الجميع الخروج من نفق والطائفية لأنها عدوة الوحدة الوطنية، ولا بدّ من مواجهتها من خلال ربط قضية فلسطين باعتبارها جوهر الصراع والقضية المركزية للأمة العربية من أجل استكمال مسيرة النضال من خلال مقاومة بكلّ ما للكلمة من معنى تقديراً للشهداء الذين يرسمون خارطة فلسطين وأوطانهم بالدم، وأنّ النصر الحتمي آت طال الزمن أم قصر، شاء أعداؤنا أم أبوا، فهذه إرادة التاريخ، إرادة الدم والساعد العربي الفلسطيني، إرادة الكبرياء في أمتنا العربية، إرادة الانتصار لكلّ ما هو شريف شجاع وعادل في البشرية التقدمية جمعاء.

ومن موقعنا نقول: كفى مزيدات على موقف هنا وهناك على القيادة الفلسطينية، أو على المواقف الفلسطينية، هذه الحقائق يجب أن يعيها من يرسمون أو يحاولون أن يرسموا خرائط المنطقة، خرائطها السياسية الجديدة أو يحاولون أن يثبتوا تحالفات مقبلة متلونة، لنقول لهم إنّ منظمة التحرير الفلسطينية هي الكيان السياسي والمعنوي للشعب الفلسطيني وممثله الوحيد، وهذا الشيء يجب أن يرسخ في أذهانهم إن كانت تستجيب، إنّ هذه المخططات الهادفة إلى التدخل في الشأن الفلسطيني مرفوضة من الشعب الفلسطيني، تماماً كما يرفض السيطرة والهيمنة وسحق الأوطان واستعباد الشعوب وهذا لن يمر إلا على أجساد المناضلين والشرفاء في أمتنا العربية، وجميع المناضلين في هذه المنطقة برمتها.

هذه ملامح سريعة لما نحن فيه وما نحن مقبلون عليه إلا أننا نؤكد أنّ مسيرة النضال الطويلة والشاقة ستستمر حتى تحرير الأرض والإنسان.

ختاماً، أمام هذه الحقيقة، ليس أمام الشعوب وقواها اليسارية والديمقراطية ومقاومتها سوى العمل من أجل البقاء، من أجل أن تبقى راية الصمود والحرية هي الأساس، وليس أمام الشعوب العربية سوى العمل من أجل الحفاظ على نسيجها الوطني، والمحافظة على تماسك المجتمعات بمكوناتها المختلفة، وهذه المهمة العظيمة تحتاج إلى استنهاض الجميع، وتحقيق إصلاح جذري للخطاب الديني من قبل الإسلام التنويري، وإشاعة ثقافة جديدة في المجتمعات، أساسها احترام التمسك بالوحدة الوطنية والحرية والكرامة، وإقامة نظام تحكمه قواعد المساواة والتكافؤ والعدالة الاجتماعية، لتثبت الشعوب للعالم تمسكها بوحدة أراضيها ودولها وانتمائها القومي وجدارتها بالعيش المشترك على أسس العدالة والمساواة واحترام حقوق الإنسان حتى تنال الشعوب العربية احترام العالم.

كاتب سياسي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى