لوزان على مرحلتين تفصلهما مفاوضات من لندن على انسحاب النصرة عون مرشحاً من الحريري الأربعاء وبري يستقبله الخميس… وجنبلاط كلمة السرّ
كتب المحرّر السياسي
يبدو الدخان رمادياً أقرب للبياض المنتظر التصاعد بعد أن كان يميل إلى الرصاصي المائل للسواد خلال الأسبوع الفائت. ويبدو هذا إقليمياً من اليمن إلى سورية والعراق ولبنانياً، خصوصاً في الملف الرئاسي. فقد تلى الاعتراف السعودي المخجل بمجزرة صنعاء التي أودت بحياة خمسمئة شخص بغارة جوية سعودية قالت الرياض إنها نتيجة معلومات خاطئة، دعوة أميركية بريطانية إلى وقف فوري لإطلاق النار، والمقصود المباشر هو وقف الحرب السعودية على اليمن التي بدون وقفها لا قيمة للحديث عن وقف للنار، وفقاً لمبادرة وزير الخارجبة الأميركي جون كيري لحلّ سياسي في اليمن الشهر الماضي، والتي تقوم على وقف فوري لإطلاق النار يتضمّن وقفاً شاملاً للغارات الجوية السعودية وتهدئة للحدود اليمنية السعودية تليهما حكومة يمنية موحّدة يفترض أن تنتج عن محادثات يقودها المبعوث الأممي إسماعيل ولد الشيخ أحمد من سلطنة عُمان بين الرياض وصنعاء. وتقول مصادر أممية إنّ نتائجها ستكون الدعوة لجولة محادثات جديدة في الكويت أو في العاصمة العمانية مسقط.
بالتوازي مع المسار اليمني تتصاعد الاستعدادات لمعركة الموصل في العراق، من دون أن يحجب تصاعدها الوتيرة العالية للتوتر التركي العراقي، الذي حجز مقعداً في اجتماعات لوزان، رغم كون الاجتماع الذي دعت إليه موسكو وواشنطن مخصصاً للحرب في سورية، وفي لوزان يعود وزراء خارجية الدول التسع الذين التقوا أول أمس السبت للاجتماع اليوم، بعدما جمعت واشنطن حلفاءها في لندن من الذين شاركوا في اجتماع لوزان وشركاءها الأوروبيين، بينما كانت ضفة الذين لم يشاركوا في اجتماع لندن وتضمّ روسيا وإيران ومصر والعراق تتوقّع إضافة للترضية التي يريدها الأميركيون من اجتماع لندن بسبب استعبادهم من لوزان أن يكون المجتمعون في لندن قد نجحوا في المفاوضات التي وعدوا بإجرائها مع الجماعات السورية المسلحة التي يريدون إشراكها في العملية السياسية وشمولها بالهدنة. وقد صرّح وزيرا خارجية أميركا وبريطانيا جون كيري وبوريس جونسون بأولوية السعي لفصل جبهة النصرة عما أسمياه بالمعارضة المعتدلة، وهما يتحدثان عن بدائل للضغط على روسيا وحليفتها سورية، مرة بالحديث عن الخيار العسكري وأخرى باستبعاده والحديث عن العقوبات. وكان وزراء خارجية السعودية وتركيا وقطر والأردن قد تعهّدوا إجراء هذه المفاوضات قبل العودة إلى لوزان للبحث مجدّداً في وقف النار والعودة لمفاعيل التفاهم الروسي الأميركي الذي تمّ توقيعه الشهر الماضي في جنيف، وتتمحور المفاوضات اليوم حول إمكانية وضع آلية تنفيذية لمبادرة المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا القائمة على إخراج مسلحي جبهة النصرة من شرق حلب، كطريق عملي لتحقيق الفصل المرتجى بين النصرة وسائر الجماعات المسلحة.
مصير الدخان الأبيض يتقرّر مما سيخرج به اجتماع اليوم بالتسابق مع الميدان العسكري، الذي يبدو ساخناً في ريف حماة حيث واصل الجيش السوري تقدّمه مستعيداً بلدة معردس بعد استعادته أول أمس مدينة معان وبعدما عززت وزارة الدفاع الروسية حضورها في البحر المتوسط بحاملة طائرات إعلاناً عن العزم واستعداداً لتطورات ساخنة في حال فشل المفاوضات، بما يوحي مع استمرار العمليات في شرق حلب، لكن بوتيرة أقلّ تسارعاً من الأسبوع الماضي، بمنح المفاوضات فرصة ما قبل الضربة القاضية للجماعات المسلحة في الأحياء الشرقية للعاصمة السورية الثانية حلب. وتتوقع المصادر المتابعة في حال إحراز تقدّم أن توكل التفاصيل وموعد وقف النار وترتيباته لكلّ من المبعوث الأممي ووزيري الخارجية الروسي والأميركي.
لبنانياً يعود النائب وليد جنبلاط إلى الغموض مع تغريدته عن وصول كلمة السرّ، المتضمّنة إيحاء استنكارياً وتحريضياً من جهة، وإيحاء إيجابياً بحسم الموقف من الملف الرئاسي من جهة أخرى، اسوة بتغريدته الملتبسة عن السلة التي رفضها وعاد يوضح أنه لا يقصد بالسلال موقف رئيس المجلس النيابي نبيه بري، الذي قال إنّ ما طرحه من تفاهمات على طاولة الحوار يبقى الأساس، لتبقى كلمة السرّ الجنبلاطية عند جنبلاط نفسه بين التيسير والتعسير.
المستجدّ الذي أكدته مصادر واسعة الإطلاع لـ «البناء» على صلة بالاتصالات الخاصة بتقدّم الملف الرئاسي للعماد ميشال عون، هو حسم الرئيس سعد الحريري قراره بالإعلان عن دعم ترشيحه للعماد عون علناً بين يومي غد الثلاثاء وبعد غد الأربعاء، على أن يبدأ العماد عون كمرشح علني من ثلاثة أطراف رئيسية وازنة في الطوائف الثلاث الكبرى، تيار المستقبل وحزب الله والقوات اللبنانية، بجولة على القيادات اللبنانية يفتتحها بكلّ من عين التينة وبكركي، للحصول على البركتين السياسية والدينية، والتداول بالضمانات التي أعرب كلّ من البطريرك بشارة الراعي والرئيس نبيه بري عن الحاجة لسماعها، والتأكيد على عدم تضاربها، بينما يشغّل حزب الله محرّكات ماكينته السياسية للتمهيد والمواكبة حيث يستدعي الأمر مع الحلفاء تسهيلاً لمهمة العماد عون، وضماناً لرضى الحلفاء وتجاوبهم مع مسعى جعل جلسة الانتخاب الرئاسية المقبلة موعداً لانتخاب عون رئيساً بالإجماع أو شبه الإجماع.
خطاب رئاسي لعهد جديد
أتى خطاب رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون امس من الرابية في ذكرى 13 تشرين أشبه بخطاب رئاسي للعهد الجديد يجمع ولا يفرّق. أعلن العماد عون في كلمة له أن بناء الوطن أول ما يكون باحترام الدستور والميثاق والقوانين والمشاركة المضمونة والمتوازنة للطوائف كافة من دون كيدية أو عزل أو قهر. قائلاً «بناء الوطن ومؤسساته يكون على أيدي الأكفاء الذين يترفعون عن المكاسب الشخصية ويتمتعون بأعلى درجات النزاهة والمسؤولية إلى جانب وضع حدٍ لمحسوبيات والاستزلام، واحترام الكفاءات في الاختيار، وعودة معايير الولاء للدولة دون سواها». لفت إلى أن «بناء الوطن يكون عبر ورشة عمل مستمرة من جميع أبنائه، ويكون بناء هذا الوطن أيضًا عبر تجديد النخب السياسية من خلال قانون انتخابات عادل يؤمّن التمثيل الصحيح لجميع مكوّناته، وبالاستماع الى صرخة الناس في همومهم اليومية ومحاولة ايجاد الحلول السريعة لها».
الحريري لا يناور
إلى ذلك، انشغل الأفرقاء السياسيون بتناقضاتهم بتغريدة النائب وليد جنبلاط، «أتت كلمة السر يبدو، الله يستر». وأرفقها برسوم تعبيرية منها: عيون ونظارات وابتهالات وطائرات. وبصورة لشخص لا يظهر وجهه يتسلّم رسالة عبر النافذة من شخص لا تظهر منه إلا يده الحاملة للرسالة». وفيما فسّر البعض التغريدة الجنبلاطية أنها تغمز الى رفض سعودي انتخاب العماد ميشال عون رئيساً، ورفض سوري لترؤس الرئيس سعد الحريري رئاسة الحكومة، أكدت مصادر مطلعة لـ «البناء» ان لا فيتو سعودي على وصول الجنرال، وأن الحريري لا يناور هذه المرة، مرجّحة أن تتوضح الأمور خلال الساعات الـ 48 المقبلة، وان الحريري سيتجه جدياً لدعم ترشيح العماد عون».
الرئاسة متروكة للسيّد
ونفت المصادر ما ينقل عن «رفض سوري لوصول الحريري الى رئاسة الحكومة»، مشيرة إلى «أن الرئيس السوري بشار الاسد والجمهورية الإسلامية لا يتدخلان في الملف الرئاسي ويتركان الأمر للامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله». وأشارت المصادر إلى «أن مدير مكتب الرئيس الحريري نادر الحريري سمع من وفد حزب الله في جلسات الحوار الثنائي أن حزب الله لا يمانع في عودة الحريري الى الحكومة وأنه سيتعاطى بإيجابية».
ودعا رئيس المجلس التنفيذي في «حزب الله» السيد هاشم صفي الدين اللبنانيين للاعتماد على أنفسهم وعدم انتظار الخارج، فالخارج المنتظر، بحسب الوقائع لا التحليلات، مشغول بسيل خيباته في اليمن وسورية، أو بيخت أميره الذي اشتراه خلال إجازة له في فرنسا بأكثر من نصف مليار دولار، فيما خططه التقشفية شملت رواتب الموظفين والعسكريين وموازنات مشاريع كبرى في المملكة الغارقة بكل أنواع المستنقعات الاقتصادية والعسكرية وحتى السياسية.
أكد المدير العام السابق للأمن العام جميل السيد أن مجمل المعطيات الموجودة حالياً تؤكد بأن العماد عون هو أقرب ما يكون إلى الرئاسة من أي مرحلة سابقة، لافتاً إلى أن هذا يعود إلى خلفيات وأسباب، أبرزها الدعم المطلق له من جانب «حزب الله». وأوضح أن العماد عون كان ينتظر الإعلان الرسمي من جانب الرئيس سعد الحريري من أجل التحرك باتجاه باقي الأفرقاء، لافتاً إلى أن الحريري أبلغ الأفرقاء بأنه سيعلن دعمه العماد عون. على صعيد متصل، أكد السيد أن ليس هناك من رسائل سورية لتعطيل أي استحقاق لبناني. قائلاً: «ليس هناك من رسائل سورية فوق وتحت كلام أمين عام «حزب الله» السيد حسن نصرالله».
هل يعلن الحريري دعم عون قبل الخميس؟
وعلمت «البناء» من مصادر عليمة أن الرئيس سعد الحريري لا يزال في السعودية ينتظر أن يتحول الضوء الأصفر الى الضوء الأخضر، مشيرة الى انه سيعمل على معالجة بعض المخاوف وتخفيف الأضرار، ومرجحة «ألا يتعدى دعمه العماد عون الخميس المقبل». ولم تستبعد المصادر أنه إذا أقدم الحريري على هذه الخطوة فـ «ينتهي الفراغ الرئاسي ويُنتخب العماد عون في جلسة 31 الحالي».