ندوة «الوحدة الحضارية في سورية الطبيعيّة» تسلّط الضوء على ملامح التجانس الحضاريّ
تابعت ندوة «الوحدة الحضارية في سورية الطبيعية» التي يقيمها الحزب السوري القومي الاجتماعي فعالياتها في ثقافي كفرسوسة بمحاضرتين لكل من الدكتورة سوزان ديبو والدكتور عبدالوهاب صالح. وتحدثت الدكتورة ديبو في محاضرتها التي حملت عنوان «ملامح التجانس الحضاري في سورية في عصور البرونز» عن أولى الحضارات التي ظهرت في بلاد الرافدين وتأثيرها في المنطقة السورية. وأشارت إلى أن أول حضارة ظهرت كانت الحضارة السومرية التي كان لها تأثير كبير وواسع وظهرت في سورية وفلسطين ولبنان. وضربت ديبو أمثلة عن صناعة الفخار والتماثيل والمنحوتات عامة وبينت كيف بدأت العناصر البشرية الآتية من سورية تدخل بلاد الرافدين وتشيد ممالك، مظهرة ملامح التجانس بين الحضارات التي تأسست في بلاد الرافدين وتلك التي تأسست في سورية في الألف الثالث قبل الميلاد في عصر البرونز القديم، وصولاً إلى عصر البرونز الوسيط الذي شهد أيضاً قدوم عناصر من العموريين الذين استقروا في بلاد الرافدين ووصلوا إلى فلسطين وكانت لهم ثقافة متجانسة وأدوات ثقافية مختلفة في المنحوتات والصناعات الفخارية والأبنية المعمارية. وتطرقت ديبو إلى عصر البرونز الحديث الذي عاش تأثيرات مستمرة من بلاد الرافدين وأخرى جديدة آتية من البحر من قبرص وجزيرة غريت. وتوقفت بعد ذلك عند عصر الحديد الذي شهد قدوم الآراميين إلى بلاد الرافدين وتأسيس ممالك عديدة، لافتةً إلى تلك التأثيرات التي بدأت في الألف الرابع قبل الميلاد واستمرت حتى عصر الحديد.
في محاضرته التي حملت عنون «الرموز ودلالاتها على الفسيفساء السورية خلال العصور الكلاسيكية» أشار الدكتور صالح إلى أن فن الفسيفساء تطور على الأرض السورية على نحو يتماشى منهجياً مع جميع مناحي الحياة، وخلال العديد من القرون، بحيث لم يتوقف عند العصر البيزنطي إنما شهد نقلة نوعية مع بداية العهد الإسلامي، مشيراً إلى أن الحفريات في المواقع الأثرية في سورية كشفت عن ابتكارات هذا الفن. وأوضح أن أوائل هذه المكتشفات كانت في كل من أنطاكية وأفاميا وتدمر وشهبا ومريامين وبصرى ودير العدس، إلا أن الاكتشافات الحديثة شملت معظم المواقع الأثرية على امتداد سورية وتعرف بمواقع العصور الكلاسيكية، خاصة في الكنائس والأديرة والكاتدرائيات. ولفت إلى أن فن الفسيفساء مر في مراحل عديدة، ففي المرحلة الأولى اعتمد على بساطة الألوان واستعمالها على نطاق محدود كأن تكون ثنائية أو ثلاثية أو رباعية، وكذلك بساطة الأشكال والأسلوب الهندسي.
أشار صالح إلى ظهور الفسيفساء متعددة اللون ضمن الأطر الهندسية ذاتها لتظهر بعد ذلك براعة الفنان السوري في تطوير هذا الفن ودفعه إلى الأمام باستعمال التدرج في اللون والضوء، ورسم الصور والمشاهد التمثيلية والمسرحية في هذه الأعمال، والتبدل في الحركة التي حررت العمل الفسيفسائي من التعابير الجامدة، عبر تراكيب ذات حدة حركية فاعلة وذات نشاط ديناميكيّ كما أغنى التعبير التزييني من خلال الذوق المتجدد باستعمال الديكور المخضر وتكاثر عناصر هندسية أصلية وتناميها. واعتبر أن مرحلة الازدهار العمراني والفني بدأت في القرن الثاني الميلادي وكانت معظم الأفكار التي جسدها الفنانون في تلك الآونة مستخرجة من الفهرس الميثيولوجي التقليدي ومن اللوحات المنفذة في مدينة أنطاكية ومن الأعمال المتكررة التي أظهرت ميادين ومسارح القنطورس والمشهد الحركي المضحك.
وبدأت في الفسيفساء اللاحقة إدخالات جديدة على هذا الفن وفق ما تقتضيه كل مرحلة من أذواق فنية واجتماعية وعقائدية، ما مهد لانطلاقة لامعة ومبدعة امتدت شيئاً فشيئاً لتشمل كامل أراضي الإمبراطورية والمدن السورية القديمة.
ختم صالح قائلاً إن هذه الانطلاقة تجلت في العديد من الأعمال الرائعة التي اكتشفت في مدينة أفاميا، وأهمها تلك التي نفذت في منزل الأعمدة فصارت اللوحات أكثر وضوحاً ونموذجية، خاصة في استخدام الديكور ضمن الأطر العريضة والواسعة ذات الصبغة الهندسية التي تميزت عن النموذج التعبيري في نمط الوجوه الأنثوية النسائية الممثلة على الأرجح لصورة أفروديت.