اعترفت السعودية بمجزرة صنعاء… من يحاكمها؟

بندر الهتار

عندما كان الإعلام السعودي يروّج لسلسلة شائعات، على خلفية المجزرة البشعة في صالة العزاء بالعاصمة صنعاء، يوم السبت 8 تشرين الأول/ أكتوبر الحالي، التي أدّت إلى سقوط المئات بين شهيد وجريح، كانت الدول التي عبّرت عن استنكارها للجريمة، تطالب بتحقيق فوري ومحاكمة دولية للقاتل أيا كان!

خاضت السعودية في كثير من الروايات المضللة، غير أنها لم تكن مجدية أمام دلائل قوية تثبت تورّط الطيران في استهداف الصالة. وقد استشعر بان كي مون ذلك، بعد نزول فريقه إلى مكان الجريمة، عندما قال: إنّ الإنكار غير مجد أمام ما رُفع إليه من حقائق.

اعترفت السعودية أخيراً، بأنّ طائراتها هي التي ارتكبت المجرزة، لكنها عزت ذلك إلى معلومات مغلوطة. غير أنّ اللافت كان في غياب تلك البيانات شديدة اللهجة، التي أطلقها كثير من الدول، قبل الاعتراف. ولم يعُد بوسع وزراء الخارجية أو من يمثلهم، في تلك الدول، أن يطالبوا بإنزال أشدّ العقوبات بالمجرم، الذي لم يعد مخفياً، مما يؤكد حقيقة أنّ ذلك الاستنكار لم يكن من منطلق أخلاقي وإنساني، ولا مراعاة للقانون الدولي. وهذا شيء معلوم بالفطرة والتجربة!

هذا النفاق الدولي، هو ما يعيشه الشعب اليمني منذ اليوم الأول للعدوان. ولم يكن وليد لحظته، لأنّ المئات من المجازر التي ارتكبها الطيران السعودي وأدّت إلى استشهاد أكثر من 10 آلاف مدني وجرح أكثر من 20 ألف آخرين، وتمّ توثيقها بالصوت والصورة، كانت تلاقي تجاهلاً كبيراً. وإذا ما كان عدد الضحايا يصل إلى العشرات، كنا نرى بيانات خجولة لا تساوي الحبر الذي كتبت به.

الحقيقة التي لا نجادل لإقناع الآخرين بها، هي أنّ المجتمع الدولي لا يهتمّ لدماء اليمنيين ولا تعنيه المفاهيم الإنسانية التي يتشدّق بها باستمرار. وإذا كان سفك الدماء سيجلب الأموال وسيلبّي مطامع الدول الكبرى، فلا مشكلة في أن يتحوّل اليمن إلى بلد المليون شهيد، تحت ظلم القصف والحصار. والحقيقة الأهمّ، أنّ التواطؤ مع هذه المذابح، يعكس رغبة دولية في إخضاع الشعب اليمني المضحّي في سبيل حريته واستقلاله.

صحيح أنّ الأمم المتحدة أصدرت بيانات جيدة، من حيث اتهام السعودية بشكل مباشر بالوقوف خلف جرائم ضدّ الإنسانية ومثلها منظمات دولية مرموقة. لكنها لم تقدّم ولم تؤخر، عدا عن الصداع الذي تُسبّبه للنظام السعودي. أما اليمنيون، فيكفيهم ما تذرفه تلك المنظمات من دموع!

عمليات الرصد والتوثيق للجرائم كانت كثيرة، بما يكفي لتقديم أمراء السعودية للمحاكمة، إلا أنّ غالبية ذلك التوثيق يحمل غاية واحدة، هي الابتزاز. وقد رأينا عندما أعلنت الأمم المتحدة ضمّ السعودية إلى القائمة السوداء، لقتلها الأطفال في اليمن، كيف تمّ شطبها مقابل إغراءات المال والسلطة.

الإدارة الأميركية رغم مشاركتها في العدوان، هي أكثر الدول تفعيلاً لورقة الابتزاز، باتجاه شريكها السعودي. ولا يبدو أنها ستفوّت فرصة سقوط النظام السعودي في مستنقع الجرائم لتحقيق مكاسب مالية وسياسية.

ولكن، عندما يظهر سياسيون أميركيون بارزون، أو منظمات حقوقية بارزة، تطالب بقطع الدعم الذي تقدّمه بلادهم للسعودية، خوفاً من تأثير جرائمها في اليمن على سمعة واشنطن، فهو يشير إلى مستوى الدعم الذي تقدّمه أميركا للعدوان، بدءاً من السلاح الذي تجاوزت قيمته 20 مليار دولار، منذ مطلع العام الماضي فقط وتزويد النظام السعودي بالمعلومات والتكنولوجيا العسكرية المتطورة والأهمّ الخبراء الذين يشرفون على غرف القيادة، مما يجعل من الجرائم المسجلة على عاتق السعودية، مسجلة بالتوازي على عاتق الولايات المتحدة.

وإلى جانب الجرائم التي ترتكب بحق اليمنيين، فإنّ غالبية الجرحى والمرضى يموتون بسبب الحصار الذي يفرضه تحالف العدوان، بتواطؤ أممي ودعم أميركي، انتقاماً من الصمود والمقاومة الصلبة لأكثر من عام ونصف العام.

إعلامي يمني

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى