انتصار روسيا في حلب… نهاية الهيمنة الأميركية في الشرق الأوسط

ترجمة: ليلى زيدان عبد الخالق

عن بهادراكومار لـ«Information Clearing House» و«Asia Times»:

علّقت إدراة أوباما الأسبوع الماضي المفاوضات الثنائية مع روسيا في شأن الأزمة السورية. فهل أُطلق العنان لكلاب الحرب الجديدة؟

رصدت طائرات تجسّس أميركية في الفترة السابقة وأكثر من أيّ وقت مضى، القواعد الروسية الأكثر حراكاً في شرق البحر المتوسط والبحر الأسود، خصوصاً في طرطوس وحميميم في سورية. وقد بدت التوترات أحياناً كثيرة غير معقولة، إلّا أنها أصبحت واضحة للغاية.

نشرت روسيا نظاماً مصارِعاً مضادّاً للصواريخ وللطائرات في سورية «SA-23»، وللمرّة الأولى خارج الأراضي الروسية. ويرى المحلّلون الغربيون هذه الخطوة باعتبارها استباقية لمواجهة أيّ هجوم بصواريخ «كروز» الأميركية. لكن روسيا لن تخاطر بهذه الفرصة.

وتقول وزارة الدفاع في موسكو إنّ هذا النشر يهدف إلى توفير الحماية للمنشأة وللخدمات اللوجستية البحرية في طرطوس وفرقة العمل الروسية البحرية.

وتؤكد موسكو إمكانية إرسال الولايات المتحدة بعض «الأجساد المعلّبة» لمتمرّدي الفصائل الإرهابية إلى روسيا، وذلك استناداً إلى ما هدّد به صراحة المتحدّث بِاسم وزارة الخارجية الأميركية جون كيربي الأسبوع الماضي. وتشكّك موسكو في أن للولايات المتحدة دوراً في الهجوم الصاروخيّ على السفارة الروسية في دمشق، وتؤكّد أيضاً في بيان روسيّ أُذيع في نيويورك أن البريطانيين والأوكرانيين يساعدون الأميركيين مساعدةً خرقاء.

وفي الواقع، فإن المشاعر متأجّجة. إذ قد يكون هناك العشرات من عملاء الاستخبارات الغربية المحاصرين مع الجماعات المتمرّدة شرق حلب وهذا جانب واحد من الموضوع. فمن الواضح أن الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين قد قاموا بنقطة تحوّل هامة للغاية بعد هجوم جوّي عنيف شنّته هذه القوات على قاعدة للجيش السوري في دير الزور، والذي استمرّ قرابة ساعة كاملة، وأسفر عن مقتل 62 عنصراً من القوات الحكومية. فقدت الولايات المتحدة مصداقيتها بعد هذا الهجوم، إذ إنّ المجموعات المتطرفّة التابعة لـ«القاعدة» أتبعت هذا الهجوم الجوّي الأميركي بآخر برّي، ما بدا أنه خطوة تنسيقية في ما بين الطرفين.

فُقدت الثقة بين الطرفين. فالروس مقتنعون للغاية أن الولايات المتحدة لم تهتمّ قطّ بفصل المجموعات «المعتدلة» عن تلك المتطرّفة رغم الوعود المتكرّرة للقيام بذلك، لأن واشنطن ترى أن استخدام الشركات التابعة لتنظيم «القاعدة»، يشكل القوة القتالية الوحيدة القادرة على «دفع» أجندة تغيير النظام في سورية.

وبعبارة أخرى، يميل الروس إلى الموافقة على ما تؤكد عليه طهران منذ البداية. ولذلك، حوّلت مسارها، وسخرّت جميع مواردها ووضعتها في خدمة العمليات العسكرية للاستيلاء على مدينة حلب الاستراتيجية… أصبحت الحملة العسكرية قاب قوسين أو أدنى من النصر.

وهذا هو، ما لم يكن هناك تدخل من الولايات المتحدة في الأيام المقبلة لقلب موازين القوى العسكرية لمصلحة المجموعات المتطرّفة العالقة في الأحياء الشرقية من حلب مع قطع خطوط الإمدادات والتعزيزات.

إن الهدف الرئيس للهجوم المتعدّد الجوانب من قبل القوات الحكومية، والمدعوم من وحدات حزب الله الشيعية، هو الجنوب الشرقي من مدينة حلب مع القصف الجوّي الروسي الهائل، وتحديد مواقع الفرقة الروسية ذات اللواء القويّ، خصوصاً في الجزء الخلفيّ منه، بهدف تعزيز الهجوم الرئيس إذا دعت الحاجة إلى ذلك.

يسيطر الروس أيضاً على طريق الكاستيللو المؤدّية إلى الشمال نحو الحدود التركية، والذي أصبح الطريق الأخير المتبقّي لتوريد جيوب التمرّد المتطرّف في حلب الشرقية.

وفي ظلّ عدم احتمال الحصول على تعزيزات في مواجهة الهجمات الجوّية والبرّية التي لا هوادة فيها من الشمال ومن الجنوب، فإن المقاتلين يحدّقون في فضاء معركة يائسة من الاستنزاف.

والنقطة الأهم هي التالية، فمع سقوط حلب، ستتحوّل العملية العسكرية السورية ـ في واقع الأمر ـ إلى عملية تطهيرية لتنظيم «القاعدة» جبهة النصرة في محافظة إدلب أيضاً، ما يعني أن القوات النظامية سوف تعمل على تأمين السيطرة على المناطق ذات الكثافة السكانية في كامل سورية، أي جميع المدن الرئيسة وساحل البحر المتوسط بكامله. باختصار، تنتهي الحرب السورية مع وجود الرئيس بشار الأسد متخفّياً في السلطة.

يطارد شبح النصر التام للأسد واشنطن بشدّة. وهذا يفسّر سلسلة البيانات الانتقادية المسعورة ضدّ موسكو، فاتهامها بالخيانة يؤشّر إلى بلوغ مستوىً عالٍ من الإحباط.

نظرياً، يمكن لأوباما أن يصدر الأوامر بتنفيذ هجمات صاروخية على القوات الحكومية السورية المنتصرة. لكن هذا سيكون كمن يصبّ الزيت على النار. وكانت وزارة الدفاع الروسية قد حذّرت البنتاغون السبت الماضي من خطر القيام بأيّ تدخّل عسكريّ أميركيّ يهدف إلى إطاحة الأسد، ما سيؤدّي إلى «تحوّلات تكتونية رهيبة» تطاول المنطقة بأسرها.

بقيت هذه التهديدات الغامضة غير واضحة المعالم. غير أن المستشار القوي في الشؤون الخارجية للمرشد الأعلى للثورة الإيرانية، علي أكبر ولايتي، كان واضحاً للغاية عندما حذّر واشنطن من أنّ أيّ تدخل عسكريّ مباشر للولايات المتحدة سيكون خطوةً انتحارية، قد تتحوّل لتكون الهزيمة العسكرية الثالثة للأميركيين في المنطقة، بعدما دُحرت قواتهم في أفغانستان والعراق، غير أن هذه الهزيمة ستكون هي الأقوى.

ومع ذلك، فإذا قرّر أوباما ألّا يخوض غمار الحرب، فإن هذا يمكن أن يُعزى إلى أسبابٍ ثلاثة. الأول، أن معادلات واشنطن مع أنقرة والرياض ليست مؤكدة بشكل كبير في الوقت الحالي، فضلاً عن أن الحلفاء المحليين في المنطقة هم الشركاء الحقيقيون في سورية. تبقى الروابط الأميركية ـ التركية المضطربة، ليس فقط بسب محاولة الانقلاب في تموز، إنما أيضاً بسبب تحالف الولايات المتحدة مع الأكراد والشكوك التركية في شأن نواياها المتنامية في سورية.

ومن الناحية الأخرى، تفكّر الرياض في الطريقة المثلى للشرب من كأس السمّ الذي أعدّه الكونغرس الأميركي للملك سليمان في صيغة «رفع دعوى قضائية ضدّ السعوديين بسبب أحداث 9/11».

ثانياً، من غير المرجّح أن يقامر الرئيس رجب طيب أردوغان في خوض غمار مواجهة أخرى مع روسيا، في وقت تكون مصالح تركيا المشروعة في روسيا مؤمّنة من خلال العمل جنباً إلى جنب مع الرئيس فلاديمير بوتين على طاولة المفاوضات.

وفي الحقيقة، فإن بوتين سيزور تركيا قريباً، كما زارها وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الأسبوع الماضي.

وعلاوةً على ذلك، يبدو الأتراك واقعيين للغاية، إذ إن جهاز الاستخبارات الممتاز داخل حلب قد قدّم تقريراً يفيد بأن سقوط المدينة أمرٌ واقعيّ، قريب وحتميّ.

ثالثاً، والأكثر أهمية، يبدو أن أوباما لن يقود بلاده إلى حرب مفرغة من دون وضع أهداف واضحة المعالم عندما دخوله مرحلة إسدال الستارة على رئاسته، ويقف الأسد في الحالة الراهنة، بين مطرقة الغرب وسندان مواجهة الطوفان.

لكن، ما يقضّ مضاجع هذه الجماعات، أنّ النصر الروسي في سورية يؤشر إلى نهاية الهيمنة الغربية على الشرق الأوسط، ويُجمع المؤرّخون على تعريفها على أنها تحديدٌ لإرث السياسة الخارجية في عهد رئاسة أوباما.

وبالتأكيد، لا يمكن للروس أن يحسّوا بذلك. فقد تقدّم لهم موسكو في مكان ما مخرجاً استراتيجياً لحفظ ماء الوجه ـ لكن فقط، بعد إتمام السيطرة على حلب. وبعد كلّ شيء، لا أحد في الحقيقة على عجلة من أمره وذلك حتى كانون الثاني المقبل، لإنقاذ العلاقات بين روسيا والولايات المتحدة. فمن الأفضل تتبّع آثار النموذج المأسوي بالقبض على خطوط عمر الخيام: «الإصبع المتحرّك يكتب، كما كان قد كتب سابقاً: تابعوا تحرّكاتكم».

تنتشر أنقاض العلاقة بين روسيا والولايات المتحدة في كلّ مكان، ولا أحد يمكنه أن يعرف من أين ستبدأ حملة التنظيف. بعض الأمور العادية الواقعية قد حدت بأوباما إلى وصف قيادة الكرملين بـ«البربرية» عندما تعلّق الأمر بحلب.

أوضحت موسكو الأسبوع الماضي قرراها تعليق التعاون في التخلّص من البلوتونيوم الزائد الذي يمكن استخدامه في صنع الأسلحة النووية، ويرجع ذلك إلى «ظهور تهديد للاستقرار الاستراتيجي وكنتيجة طبيعية للإجراءات غير الودّية التي تبديها الولايات المتحدة».

ومع ذلك، كان أيضاً قرار بأنه يمكن لموسكو أن تؤجل إلى حين مغادرة أوباما منصبه. وفي النهاية، يعني كلّ ذلك تعليق المبادرة الروسية ـ الأميركية للأمن النووي، وهي المبادرة الوحيدة التي عكست حرص أوباما.

لن تتمكّن موسكو من مقاومة فضيحة نوبل، الذين وعدوا ضمان «التزام أميركا السعي إلى الحصول على السلام والأمن في عالم خالٍ من الأسلحة النووية»، لكن ـ من دون أن يدروا ـ ساهموا في تحسين دور الأسلحة النووية وتحقيق استراتيجية نووية أفضل وأكثر أمناً للولايات المتحدة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى