صُنّاع جهنم

محمد محمود مرتضى

يعتبر المختصون في الحركات الإسلامية انّ ثمة عناصر أساسية في المنظومة الفكرية للجماعات التكفيرية تشكل بمجملها منطلقات للتكفير. ومن بين هذه المنطلقات ما يسمّى «بالفرقة الناجية» او «الفرقة المنصورة» او «العصبة المؤمنة» حسب تعبير سيد قطب.

ترتكز فكرة الفرقة الناجية على حديث ينسب للنبي يقول فيه: «افترقت اليهود على إحدى وسبعينَ فرقةً، فواحدةٌ في الجنَّة وسبعون في النار، وافترقت النَّصارى على اثنتين وسبعين فرقةً، فإحدى وسبعون في النار، وواحدة في الجنة، والذي نفس محمد بيده لتفترقنَّ أُمَّتي على ثلاث وسبعين فرقةً، واحدةٌ في الجنة، واثنتان وسبعون في النار».

تمثل أحاديث الفرقة الناجية في مضمونها انّ هذه الفرقة هي من تمتلك الحقيقة وحدها وهي التي تمثل الصواب، أما غيرها فهي الباطل ولا شيء سواه.

تنطلق جميع الحركات التكفيرية من هذه النقطة، وتعتبرها بمثابة المسلّمة التي لا تحتمل الخطأ. ولذلك لا تنظر هذه الجماعات للآخر بوصفه إنساناً أو شريكاً في الإنسانية، بل بوصفه حالة شاذة ومفسدة في الأرض ينبغي اجتثاثها. وانّ الحكم على أنه من أهل النار يبرّر، من وجهة نظرهم، استعمال العنف كأداة للتغيير من حيث انه «وسيلة» «إلهية» يستعملها الخالق في الحياة الأخرى. فيستمدّ العنف، والحالة هذه، مشروعيته من «العقوبة الإلهية».

تتجاوز الجماعات التكفيرية النصوص التي تتحدّث عن الرحمة والتسامح عبر اعتبار العنف والقتل يمثل حالة من الرحمة. فتتراجع مفاهيم السلام والمحبة على حساب مفاهيم الحرب والجهاد. ولا تنفع مظاهر الإسلام طالما انّ الحديث النبوي المزعوم يتحدث عن الأمة التي تفترق الى ثلاث وسبعين فرقة. هي فرق الأمة الواحدة اذن، لا فِرق بشرية مختلفة في الدين، وافتراق «الأمة» يعني انّ هذه الفِرق تدين بدين واحد.

إنّ المتتبع للسيرورة التاريخية يكتشف انّ الحروب الكبرى في التاريخ البشري سببها على الغالب الأعمّ الأحقاد الجماعية لا الضغائن الفردية أو الشخصية. وأنّ أكبر حروب الإبادة في التاريخ لم تنطلق بسبب تضارب المصالح الاقتصادية او السياسية وإنما من خلال «تابوهات» دينية. وهذا ما نشاهده اليوم في حفلات جنون الدم التي تجتاح المنطقة تحت شعارات دينية. فحوّلت هذه الجماعات، من خلال حفلات القتل، الأرض إلى جهنّم لكنها نسيت ان تصنع الموازي لها وأعني الجنة.

صحيح انّ أحاديث الفرقة الناجية لا تقتصر على فرقة أو مذهب دون آخر، وانّ هذا الحديث مرويّ بصيغ مختلفة عند أغلب المذاهب، ما يعني انّ المشكلة ليست في الاعتقاد بأنها الفرقة الناجية مقابل الفرقة الهالكة، أو أنها العصبة المؤمنة مقابل العصبة «الجاهلية او الكافرة او الضالة»، ولا في كونها تمثل الفرقة المنصورة مقابل الفرقة المهزومة، ولا في كونها من أهل الجنة فيما غيرها من أهل النار، بل تكمن المشكلة في انها تريد ترتيب أحكام ونتائج في الدنيا عن اعتقادات قد جعل الله ترتيب أحكامها ونتائجها في الآخرة. لأنّ أحاديث الفرقة الناجية على فرض صحتها إنما تحدثت عنها باعتبار عواقبها الأخروية لا الدنيوية، ومع ذلك تصرّ هذه الجماعات على صناعة جهنّم في هذه الأرض.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى