لا يكون التحرير تحريراً إلا بالأيدي الوطنية!

محمد ح. الحاج

أعلنت القيادة العراقية بالأمس انطلاق عملية تحرير محافظة نينوى من احتلال داعش بانسجام تامّ بين كافة قطعات الجيش العراقي والوحدات الشعبية الداعمة، والتركيز على إعلان أن لا مشاركة لأية وحدات عسكرية غير عراقية على الأرض، وجاء الإعلان واضحاً تماماً رداً على إصرار الرئيس التركي غير المفهوم على مشاركة وحدات الجيش التركي المتواجدة في معسكر بعشيقه، وكان لافتاً قوله إنّ الوحدات التركية يجب أن تدخل الموصل حتى لا تحدث مجازر وعمليات تهجير وفصل إلخ…

يطالب التركي بمنع مشاركة الحشد الشعبي في عمليات التحرير مدّعياً أنّ هذا الحشد سيقوم بعمليات لا إنسانية كونه من لون واحد طائفياً ، وهذا أمر غير واقعي، فالحشد الشعبي يتشكّل من كلّ أبناء الشعب العراقي وكلّ العشائر، وإنْ كانت الغالبية من الوسط والجنوب، ويشارك فيه آلاف من أبناء الموصل الذين خرجوا منها عند دخول داعش، وجلي أنّ الادّعاءات التركية تستند إلى خلفية وذريعة واهية لضمان التواجد في الموصل كبداية وتأسيس حالة تمهّد لفرض واقع جديد يذكرنا بالعام 1936 وما تلاه حتى إعلان ضمّ لواء الاسكندرون، رغم كلّ التصريحات التركية التي أعلنت أن لا أطماع لتركيا في الأرض السورية حينها. راجع مقال اللواء السليب الذي تمّ نشره قبل أكثر من عام .

أما مشاركة ما يسمّى التحالف الذي تقوده أميركا فله أهدافه الأخرى، والتي ربما تتفق مع التركي في بعض الأوجه، وخصوصاً توفير الممرات الآمنة وتأمين خروج قيادات ومجموعات محدّدة من التنظيم الذي أبدعته الاستخبارات العالمية بقيادة أميركية والذي فتحت له المخابرات التركية بوابات عديدة على الحدود العراقية والسورية لعبور العتاد والأفراد وكلّ أنواع الإمداد اللوجستي وما زالت رغم إعلان الحكومة التركية الحرب على داعش وهو إعلان مثير للسخرية بوجود الممرات والأبواب المفتوحة والتسليم المسرحي لمواقع هذا التنظيم للقوات التركية الغازية التي بدأت تحتلّ مناطق في الشمال السوري، وليس سراً ما يفعله أفراد من تنظيم داعش من تغيير المظهر وحلق اللحى والالتحاق بالقوات التي تدين بالولاء لتركيا.

لداعش الأميركي مهام تجاوزها في العراق ووجب إعادته إلى بيت الطاعة، ولا بدّ من عمادة الدم، وتندرج المشاركة الأميركية وبتنسيق مع السعودية كما يتسرّب من مراجع كثيرة، والمعلوم أنه لا دخان دون نار لدفع أغلب القوى الداعشية للعودة نحو البادية الشامية والجزيرة، إذ المطلوب استمرار استنزاف الجيش السوري والسيطرة على مدينة دير الزور وربما العودة الى تدمر التي ما زالت وحدات داعشية تحيط بها من الجنوب والشرق والشمال، وأغلبها في منطقة السخنة والجبال، وتمتدّ غرباً حتى شاعر وجبل البلعاس، وتعتبر قوى كامنة تنتظر الخطط الجديدة والإمداد الجوي الأميركي كما حدث عام 2014، ولا تكتم الإدارة الأميركية أهدافها التي لم تتبدّل وهي السيطرة على المنطقة الشمالية الشرقية من سورية واقامة قاعدة جوية في دير الزور…! وهي قد أقامت شبه قاعدة في عين العرب ومهابط للحوامات قرب القامشلي…

أميركا تدخل الأراضي السورية دون غطاء قانوني ولا دعوة من حكومة ما زالت شرعية بنظر العالم كله، ودون تنسيق، وعلى خطاها يحذو التركي مستبيحاً الأرض السورية بدعوى الدفاع عن «أمنه القومي»، وهذا يؤسس لشرعة جديدة في القانون الدولي تبيح لأية دولة الادّعاء بذلك ودخول أراضي دولة مجاورة بحكم قانون القوة وفرض شريعة غاب حديثة أو العودة إلى الشرائع القديمة قبل قرن أو أكثر.

يعيب البعض من المغرضين على الدولة السورية السماح لقوى من روسيا أو إيران أو من حزب الله بمحاربة الإرهاب على أراضيها، وهؤلاء كانت أفواههم مغلقة، بل وتلهج بالدّعاء للقادمين من كلّ أصقاع الدنيا لمحاربة الشعب السوري، وعندما نقول الشعب السوري نقصد الغالبية التي تتجاوز 85 من مجموعه، في الوقت الذي تدّعي فيه كلّ من دول العدوان دفاعها عن الشعب السوري… ولا تقول أنّ من تدعمه أقلية لا تتجاوز 5 موزعة عمالتها على كلّ أصناف الاستخبارات وكلّ أنواع الدول… وصولاً الى الاستخبارات الصهيونية وعلى المكشوف، وأنّ من يدّعون تمثيل الشعب السوري في الخارج لا أرضية لهم حتى في بلداتهم وقراهم وبين أهلهم، وقد هيأ لهم شعبهم ألبسة خاصة مكتوب على ظهر كلّ منها عميل… ومعه… سعودي… قطري… تركي، والأسوأ هو لباس عميل صهيوني، ليتعرّف عليهم الشعب تماماً ويمارس دوره في استقبالهم والترحيب بهم على طريقته.

الجهد الدولي في محاولة فرض هدنة طويلة أو مناطق آمنة أو فتح طرق عبور في الشمال وخصوصاً في حلب أصبحت أسبابه مكشوفة، وأنّ لهذه الدول أدواتها، ضباط عمليات ورجال استخبارات، وغرف عمليات وقنوات ومزاريب للتحكم والتوزيع على الأدوات وتوجيه الأفراد… وكلّ ذلك لتحقيق ما لم يتحقق على مدى السنوات الست الماضية…

أميركا فقدت كما تركيا كما فرنسا والأردن وحتى بريطانيا الكثير من ضباط العمليات الذين كشفت وجودهم استخبارات ناشطة في المناطق المتواجدين فيها، واستهدفهم الطيران المشترك الروسي السوري وقضى عليهم ولم يتمّ الإعلان إلا عمّن كانوا في دارة عزة.

العمليات الأميركية الهادفة لتحقيق مخطط غير معلن على الأرض السورية لم يعد خافياً منذ اللحظة التي قام فيها طيران التحالف باستهداف الوحدات السورية في محيط مطار دير الزور جبل الثردة ومسارعة قوات داعش للتقدّم فور توقف الغارات ما يدلّ على وجود تنسيق بين الطرفين، وما يحصل اليوم في عمليات تحرير الموصل يعطي للمراقبين الانطباع التامّ بوجود تنسيق أميركي بين القوات الأميركية وقيادة داعش للخروج خلال توقيت محدّد وربما تحت جنح الظلام وتحت حماية الطيران الأميركي للوصول إلى الحدود السورية باتجاه دير الزور أو جنوباً باتجاه محيط تدمر، وهناك شواهد على تزويد الطيران الأميركي لوحدات من داعش بالمؤن والذخائر عن طريق الحوامات العملاقة ليلاً، ضمن الأراضي العراقية والسورية أيضاً… كما يمكن العودة إلى ما أعلنته الإدارة عن الإعداد لتحرير الرقة قبل أشهر وكانت الغاية من ذلك إرباك القيادة السورية التي كانت تعمل على خطة تحرير حلب… ثم صرفت القيادة الأميركية النظر عن الخطة بعد إعلان تركيا رغبتها في المشاركة، ومعروفة الأطماع التركية في المنطقة من منبج وحتة قره قوزاك عند بداية سدّ تشرين حيث مدفن السلطان التركي الذي تمّ نقله شمالاً.

الدخول التركي المتوغل ضمن الأراضي السورية والذي أصبح على مشارف الباب ويتوسع، يعبّر عن طموحات وأطماع في الأرض السورية منذ القديم ويعتبرها فرصة سانحة بوجود حرب عالمية على الشعب السوري تساهم في تمويلها دول عربية تعمل في خدمة العدو الصهيوني، وأعتقد أنّ الكثير ممن يعتبرون أنفسهم قيادات سورية خارجية تعيش تحت الحماية الأجنبية وأغلبها صهيوني، اكتشفوا حقيقة تورّطهم، «لكن» من الصعب والمستحيل الانقلاب على ما تعاقدوا عليه فهم لا يستطيعون التعويض على مموّليهم ولا يستطيعون الاستغناء عن رفاهية اعتادوها في مرابع اسطنبول أو باريس على حساب الرياض والدوحة، ويدركون أنّ المستحيل الأعظم هو عودتهم إلى ارض الوطن والنظر في وجوه أبناء شعبهم، بعضهم نام ضميره وأصبح مرتهناً تماماً يردّد ما يملى عليه، وقلة يلتزمون صمت القبور يضنون بأنفسهم عن الانتحار فهم يعلمون أنهم سبب بلاء الشعب السوري وخرابه والمتاجرة به وجلب كلّ الأعداء إلى حقوله ومزارعه ونهب كلّ ما يملك من ثروات وخيرات.. لينالوا هم من الفتات ما تجود به موائد الأسياد.

أيها الناعقون على أنقاض المدن والبلدات السورية، المتباكون على الخسائر البشرية… أنتم من جلب كلّ هذا الويل على الأمة… وأنتم السبب الأول والأصل في وجود كلّ هذا الكمّ من المرتزقة وشذاذ الآفاق… فاصمتوا وانتظروا حتى يقضي عليهم هذا الجيش البطل وبعدها سترون من يصنع التحرير والاستقلال ويعيد الإعمار… بعيداً عن مصيركم البائس إذ لن تكونوا في الفنادق الفاخرة بل على الأرصفة البائسة كمن سبقكم عبر التاريخ من خونة وعملاء.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى