أوباما والأسد… مَنْ انتصر فعلاً؟!
د. خيام الزعبي
بعدما فشلت أميركا في الوصول نحو أهدافها في المنطقة، خلعت القناع الثاني قناع العنف وسفك الدماء الذي يعدّ البديل الحاقد عن الفشل الذي يتعاظم يوماً وراء آخر في سورية، ويستنزف أميركا، مالياً وعسكرياً وأخلاقياً، في حرب طويلة لا يستطيع الأميركيون، تحمّل نتائجها. ولكن هل تدرك أميركا أنها ألقت بنفسها في المستنقع، وأنّ مصيرها في سورية كمصيرها في فيتنام؟ وهل تدرك أيضاً المخاطر التي سوف تترتب على ضربها لسورية؟
فبعد مضيّ أكثر من خمس سنوات على بدء الحرب على سورية يبدو أنّ السياسات الأميركية في المنطقة قد تحوّلت الى سياسات تستند الى استخدام القوة والاستفادة من الأدوات الاقتصادية والايديولوجية والتحالف مع الغرب ومعظم الدول العربية، فالذي يتابع أخبار أميركا وتحليلات منظريها يعرف حجم التخبّط والجنون الذي أصابها، بعد أن أصبحت المنطقة كلها معادية للأميركان وانّ حلفاءها، مثل تركيا، صاروا مهدّدين بالسقوط بسبب العدوان على سورية والتدخل في شؤونها الداخلية.
ولأنّ الانتصارات التي تحققت في سورية قد ساعدت على تبديد أمل أميركا وحلفائها في خلق شرق أوسط جديد بالطريقة التي تريدها ويضمن لها مصالحها، نرى أنّ أميركا اختارت اللجوء الى هجوم جوي سريع في محافظة دير الزور لتغيير موازين القوى في سورية لصالح داعش وأخواتها، لكن هذا الهجوم أدى الى امتداد دائرة الخطر حتى الى داخل حلفائها من التنظيمات الإرهابية والقوى المتطرفة، وبهذا أدرك الأميركيون أنّ الهجوم على سورية له تكلفة عالية لا يمكن التعويض عنها حيث أصبح كلّ حلفائها في مرمى النيران.
انّ الخيبة الأميركية تأتي بعد أن كانت تظنّ بأنها ستحقق أهدافها في آن واحد في الهجوم على سورية، فواشنطن كانت تريد القضاء على التهديد المزعوم الذي يشكله حزب الله المدعوم من إيران وتقسيم سورية وتفتيتها عبر وكلائها الإقليميين، كما كانت تعتزم إعلان زعامتها مجدّداً على المنطقة وبناء معادلة إقليمية وتوازن قوى جديد بينها وبين «إسرائيل»، لكن هذا الأمر لم يحصل، بل على العكس فقدت مكانتها الاستراتيجية في المنطقة، وبذلك دفعت ثمناً سياسياً ودبلوماسياً باهظاً لمغامرتها الطائشة في سورية، وبسبب ذلك تحوّلت الأضواء الى سجلها الذي يرثى له في مجال حقوق الإنسان.
بدأت معالم هزيمة أميركا في «معركة حلب» تظهر جلية في الأفق، وهو ما أربك حسابات الدول المشاركة بالعدوان على سورية، فأخذت كلّ دولة تحاول إبعاد شبهة الهزيمة عن نفسها، وترمي بالتهم ومسؤولية الفشل على أعوانها، وهو ما أدّى إلى تعميق الخلافات بين هذه الدول وبعضها البعض التي ربما تصل إلى تفكك التحالف الدولي برئاسة أميركا، فقد شهدت محافظة حلب خلال الأيام الماضية تقدّماً كبيراً للجيش السوري وحلفائه بالتزامن مع سيطرتهما على مواقع مهمة واستراتيجية، بالرغم من تزايد الإمدادات للمتطرفين، من حيث وصول تعزيزات عسكرية كبيرة وقوات من جنسيات مختلفة إلى حلب لمساعدتهم وفك الحصار عنهم، لكن رغم كلّ هذه التحضيرات إلا أنّ حسم المعركة هناك أصبح أمراً وشيكاً، خاصة بعد أن فرّ المتطرفون من هناك تاركين هزيمة ثقيلة وراءهم، وأصبح الجيش العربي السوري يسترجع الأراضي التي فقدها بعدما كان مطوّقاً من الإرهاب ومن تركيا وحلفائها والأطلسي.
في هذا السياق يواصل الجيش السوري عملياته العسكرية باتجاه الأحياء الشرقية لمدينة حلب عبر بوابة حي بستان الباشا، حيث تمكن الجيش من السيطرة على عدد من الأبنية من بينها المعهد الرياضي ومبنى المرسيدس ومدرسة العلماء الصغار، كما أجبر المسلحين على الهروب تاركين خلفهم عدداً من العبوات الناسفة والألغام، إضافة الى عدد من مدافع قذائف الهاون وقذائف ما يسمّى «مدفع جهنم»، الأمر الذي من شأنه أن يزيد من رقعة السيطرة والضغظ على المسلحين لحصرهم ضمن عدد أقلّ من الأحياء الشرقية لحلب.
اليوم أصبح الشعب السوري يدرك أنّ التحالف الذي تقوده أميركا ليس ضدّ داعش وأخواتها وإنما هو لضرب البنية التحتية السورية وإسقاط سورية وتجريدها من دورها، وضرب الجيش السوري بهدف تقوية تنظيم القاعدة وخلق توازن بين الميليشيات المتحاربة، وإغراق سورية بحرب الطوائف والجماعات المسلحة.
في المقابل رفض الرئيس الأسد رفع الراية البيضاء والاستسلام ورفض الانهزام، واستطاع قلب المعادلة وأثبت بأنّ سورية أرض العزة والكرامة ستبقى مرفوعة الراية عالياً مهما كانت قوة وقدرة المؤامرة التي حيكت وتحاك في الغرف السوداء التي يديرها رعاة لا يعرفون للإنسانية أيّ معنى، ولم تستطع أميركا كسر إرادة السوريين وباتت أحلامها التي كان يطلقها أوباما في بداية العدوان هباءاً منثوراً، وسط تصاعد في الردّ السوري في الجبهات، لتنكسر بذلك عنجهية المتطرفين وداعميهم، ويستمرّ الجيش السوري بتحرير المناطق من قبضة الجماعات المسلحة، وسط انهيارات وهزائم متتالية تتكبّدها هذه الجماعات ومرتزقتها في مختلف الجبهات.
أخيراً لا بدّ من القول إنّ أميركا في ورطة ولا تدري كيف تتخلص منها، لكن الحلّ الوحيد لإخراج واشنطن من هزيمتها هو التوقف عن التدخل في شؤون سورية والتعامل مع القيادة السورية لمحاربة الإرهاب في المنطقة، وباختصار شديد، إنّ التوقعات التي خططت لها أميركا وحلفاؤها في سورية، والتي وضعت بها كلّ إمكاناتها من أجل تفكيك الدولة السورية وإسقاط نظامها، جاءت في غير صالحها وفشلت وسقطت كلّ أقنعتها ورهاناتها، وانهارت المؤامرة الغربية في المنطقة.
khaym1979 yahoo.com