جلسة تقاطعات رئاسية وتشريعية… من خطورة الضرورة إلى مراعاة الخواطر

هتاف دهام

طغى الحراك الرئاسي على إيقاع الجلسة التشريعية الأولى مع بدء العقد العادي. لا يبعد بيت الوسط سوى أمتار قليلة عن ساحة النجمة. وقعُ خطوة ترشيح الجنرال عون الجدية من رئيس تيار المستقبل سعد الحريري عصر اليوم لم يكن سهلاً على المنضوين تحت قبة البرلمان، بعدما كان إعلان التأييد مقرّراً صباح امس، لكنّ إرجاءَه جاء لمصادفته مع ذكرى اغتيال اللواء وسام الحسن. كانت لافتة حيرة المستقبليين لما ستؤول إليه الأمور. الرئيس فؤاد السنيورة الواقف بالمرصاد لتبني ترشيح الجنرال، حاول افتعال إشكال اقتصادي مع العونيين حول ما يشوب حقبته المالية الشهيرة.

في بداية الجلسة أطلق نائب رئيس حزب القوات جورج عدوان ونواب التيار الوطني الحر مزيجاً من استنكار وعتب وغزل للرئيس نبيه بري، على ما نقل في الصحف عن معاونه الوزير علي حسن خليل، ليردّ «الأستاذ» أيضاً بهدوء وتروٍّ مستغرباً ما نُقل عنه، آسفاً لوضع كلامه في السياق الطائفي، قائلاً: «كنت أتمنى من الزملاء الاتصال والاستفسار»، مؤكداً أنه ربما بات عليه أن يكتب الخطاب الرئاسي بمعزل عن وصول هذا المرشح الرئاسي أو ذاك. وأنه كرئيس مجلس لن يقاطع جلسات انتخاب رئيس.

تداخَلَ التشريع بالرئاسة. توحّد موقف حزب القوات والتيار البرتقالي في ما يتعلق بتشريع الضرورة وإبداء التحفظ تجاه اقتراحات ومشاريع لم يروا فيها ضرورة وإلحاحاً. ثم برز موقف الرئيس السنيورة ليلعب دور رأس حربة في مواجهة وزير المال علي حسن خليل جارّاً وراءه القوات اللبنانية والوطني الحر في مناقشة اقتراح القانون المعجل المكرّر الرامي إلى فتح اعتماد إضافي في الموازنة العامة بقيمة 862.718.764.708 ملياراً. وعندما حسم رئيس كتلة المستقبل موقفه في الموافقة على الجزء الأول من الاقتراح المتعلق بلوازم ورواتب بقيمة 500 مليار ليرة، واتجهت الأمور نحو الإقرار. لم يسمع في قاعة المجلس أيّ اعتراض برتقالي – زيتي.

انبرى خارج السياق، في جلسة الأمس، وزير الدول للشؤون المالية في حكومة الرئيس الراحل رفيق الحريري ورئيس حكومة ما تسمّى بـ «البتراء» في 2008. انبراؤه كان لفتح ملف الخلافات المالية، مستفيداً من مسار تطور أزمة الحسابات المالية التي أفضت إلى عدم إصدار موازنات عامة. كان واضحاً أنّ السنيورة يريد سحب نواب الوطني الحر إلى اشتباك سياسي ومالي في الجلسة. اشتباك يستفيد منه في موقفه الاعتراضي على تبني الرئيس الحريري العماد عون مرشحاً رئاسياً. وجهت النصائح لرئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان لالتزام الصمت، من نواب كتلتي الوفاء للمقاومة والقوات. إلا أنّ النائب العوني الذي تعب على «الإبراء المستحيل»، غلبت غريزة الكلام عنده على الموقف السياسي. كلّ ذلك دفع بالنائب التشريعي الأول في صفوف «التغيير والإصلاح» الى التمرّد على نفسه، والردّ على السنيورة وإن كان بعض زملائه اعتبروه لزوم ما لا يلزم، وأن لا داعي له في لحظة شديدة الالتباس.

شهدت أروقة البرلمان في مسار الجلسة التشريعية الأولى بعد جلسة تشرين الثاني العام 2015 نقاشاً حول اقتراح القانون المعجل المكرر المتعلق بتبادل المعلومات لغايات ضريبية. اندفع نواب حزب الله إلى رفض القانون على قاعدة أنه ينتهك السيادة ويستبيح الواقع المالي. موقف نواب المقاومة دفع رئيس المجلس إلى تشكيل لجنة لإعادة النظر ببعض الصياغات والتقليل من مخاطر القانون.

طلب النائب نواف الموسوي إحالته الى اللجان لدرسه، لكن الاقتراح المقدّم من النائب ياسين جابر من المفترض أن يقرّ قبل الرابع من تشرين الثاني. تنص اتفاقية «غاتكا» على إلزامية التبادل الضريبي للمعلومات. وبالتالي لا يملك لبنان وفق الاتفاقية إمكانية رفض طلب من أية دولة منضوية تحت إطار منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD وإلا يدرج على قائمة الدول غير المتعاونة في مجال تطبيق اتفاقية التبادل التلقائي للمعلومات الضريبية. والبنك المركزي سبق جلسة مجلس النواب وتعهَّدَ الالتزام بالتبادل الضريبي للمعلومات، كي لا يتمّ وضع لبنان على لائحة الدول غير المتعاونة. أنهى لبنان أمس المرحلة الأولى تشريعياً بإقرار هذا الاقتراح. قانون وضعَ حداً لنظام السرية المصرفية. على أن ينتقل لبنان في شباط المقبل الى المرحلة الثانية المتعلقة بمشاركة وزير المال في مؤتمر الدول المنضوية تحت لواء منظمة OECD حاملاً معه هذه القوانين.

وبعيداً عن تحفّظات ممثلي الأحزاب السياسية على بعض البنود، برز أمس، إنجاز كبير تمثل بإقرار اقتراح القانون الرامي الى تخصيص اعتمادات لتنفيذ بعض المشاريع لحماية حوض الليطاني من خلال إنشاء شبكات وصرف صحي ومحطات تكرير من النبع إلى المصبّ، بكلفة 1100 مليار ليرة، فضلاً عن إقرار مشروع قانون باتفاقية قرض من البنك الدولي من خارج جدول الأعمال، بناء على طلب وزير البيئة محمد المشنوق والنائب علي فياض، أو كما يسمّيه الرئيس تمام سلام «مجنون الليطاني»، بقيمة 55 مليون دولار، لتنفيذ مشاريع تحيط بقرى بحيرة القرعون.

لكن كيف للتسوية السياسية التي وضعت القانون الانتخابي في آخر جدول الأعمال أن تنهي الجلسة بـ «سلام»؟ جاءت محطة تثبيت جميع الناجحين في المباراة المفتوحة التي أجريت العام 2008 لوظيفة أستاذ تعليم ثانوي في المدارس الرسمية، لتُطيِّر الجلسة. كان المشهد سوريالياً. انقسم أصحاب السعادة «طبقياً». أيد الاقتراح تكتل نواب الأطراف والمناطق الفقيرة في عكار وطرابلس والجنوب من التيار الأزرق والحزب الأصفر ونائبا التيار البرتقالي نبيل نقولا وعباس هاشم في حين رفضه نواب التغيير والإصلاح الآخرون والقوات والنائب بهية الحريري.

وفق ما هو مقدّر، انفضّت الجلسة مع فقدان النصاب 54 نائباً مع وصول النواب الى البند 21. طار إقرار قانون انتخاب جديد المرقم بـ البند 23. لم يوضع هذا البند أصلاً من أجل إقراره. ضمّ إلى رزمة بنود جدول الأعمال حفاظاً على ماء وجه المشاركين العونيين والقواتيين. يدرك القاصي والداني أنّ الاتفاق على قانون انتخاب أبعد بكثير من نقاش فضفاض في لجنة تواصل أو لجان مشتركة. يحتاج الى تفاهمات سياسية بين الأقطاب المعنية. لن تسلّم هذه المكوّنات رقبتها لسيف قانون جديد غير طائفي ينتزع منها ما سطت عليه على مدى سنوات طوال. ستبقى تحارب للإبقاء على متاريسها الإقطاعية والمحافظة على مكتسبات انتزعتها عبر «الستين» و«الدوحة» وما بينهما.

لكن المثير للضحك أنّ الكثير من النواب والوزراء تاهوا عن جدول الأعمال، بعدما كان المعنيون وزعوا نموذجين الأول لا يتضمّن قانون الانتخاب والآخر يتضمّنه مع بند آخر يتعلق بوزارة التربية التبس على الوزير الياس بوصعب نفسه.

عليه، يمكن القول إنّ جلسة الهيئة العامة أمس، لم تكن جلسة تشريع ضرورة. كانت تشريعاً عادياً. تجاوزت خطورة الضرورة إلى خطوط الخواطر، على أمل أن تفضيَ مرونة المتشدّدين في تشريع الضرورة في استمالة «عين التينة» إلى تليين موقفها المتعلق بانتخاب الجنرال ميشال عون رئيساً للجمهورية.

 

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى