في لندن… قنطار الرسائل الروسية دَرْهَمَ عصا واشنطن وحلفائها!
د. محمد بكر
سيغادر أوباما البيت الأبيض قريباً، وربما كيري أيضاً، ولا يزال يرى الأخير أنّ من واجبه وواجب نظيره البريطاني «استنفاد» كلّ الخيارات الدبلوماسية مع روسيا بشأن سلوكها في سورية، هكذا قال كيري في مؤتمر صحافي عقده في لندن مع نظيره البريطاني بوريس جونسون بعد يوم واحد من اجتماع لوزان، يضيف كيري: لم ألمس أنّ أياً من الدول الأوروبية لديها رغبة في الحرب، ولا أرى برلماناتها مستعدة لذلك، بدوره بدا جونسون في ميزان المواجهة مع الروس، أقلّ وزناً بكثير من صاحبه كيري عندما حضّ موسكو على إظهار ما سماها الرأفة في حلب، وأنهم يدرسون فرض إجراءات اقتصادية إضافية على موسكو، مضيفاً أنّ على موسكو وحلفائها أن يعرفوا أنّ ذلك سيضرّ بهم في نهاية المطاف.
طبول الحرب العالمية الثالثة والمواجهة العسكرية المباشرة، ليس فقط لم تعد تُقرع، بل انثقبت وخبا صوتها، يبدو أنّ الجرعة التي صاغتها موسكو للجسد الروسي كانت طافحة بالمواد الفعّالة، التي ثبطت كلّ الحمية الغربية، أو بالحدّ الأدنى خفّضت الهيجان الأميركي إلى أدنى مستوياته، جرعة من العيار الثقيل التي كان آخرها وبالتزامن مع اجتماع لوزان إرسال حاملة الطائرات الروسية أميرال كزنتسوف إلى البحر المتوسط لتعزيز القصف الروسي في سورية، في رسالة واضحة من الروس «للشركاء الدوليين» قاعدتها: ذاهبون إلى أقصى المطارح في المواجهة سواء المباشرة وغير المباشرة…
حتى في السياسية منها، باتت موسكو بمنزلة «المتهكم» الأبرز من حمية التحالف الأميركي في العراق، وباحترافية الطرح قالها بوتين تشديداً على الطلب من التحالف الدولي الذي يستعدّ لدعم عملية عسكرية واسعة في الموصل لجهة الحرص على عدم سقوط مدنيين «لن نزيد الهستيريا في هذا الموضوع، كما يفعل شركاؤنا الغربيون، فنحن ندرك الحاجة لمحاربة الإرهاب ولتحقيق ذلك لا سبيل سوى المعارك الهجومية»، في إشارة واضحة يضع فيها بوتين واشنطن على محك الإحراج والاستهزاء، عندما ساوى في طرحه بين المشهدين في محاربة ذات الإرهاب سواء في الموصل أو في حلب.
ما طرحه دي ميستورا من مبادرة سياسية في لوزان، وبعيداً من أنّ جبهة النصرة ستوافق أو ترفض الخروج من شرقي حلب، ولا سيما في جزئية ما وصفه بضرورة تفعيل الادارة المستقلة للمعارضة هناك خارج إطار النصرة في إدارة المنطقة على كافة المستويات دون تدخل الحكومة السورية، هو أشبه بالصراخ الذي لن يُسمع عويله. استراتيجية الحكومة السورية وحلفائها هي المضيّ دون رجعة في حلب، وهو أيضاً بمنزلة التصدير المفرغ من أيّ مضمون لرسالة سياسية لن تكون في ميزان دمشق إلا قطعاً متناثرة في سلة المهملات.
ربما ستكتفي واشنطن بالجني سياسياً من مآلات معركة الموصل التي باتت الميدان الرئيس والوحيد حالياً «لحمية واشنطن» والتي ستنتهي وبالإشراف الأميركي لجهة حسمها، وفي التوقيت المناسب قبل الانتخابات الأميركية، فيما رُحّلت الخيارات والمباحثات في الملف السوري إلى أجل غير مسمّى، تحت عنوان مواصلة الجهود وممارسة الضغوط ضدّ موسكو كما أعلن وزير الخارجية الفرنسي في لندن.
في جولة الحمية ورفع الصوت والتهديد والوعيد بشن ضربات عسكرية على سورية، تخسر واشنطن سياسياً وللمرة الثانية، وتبدو عصاها الوازنة المسلطة على رؤوس العالم وقد تناثرت إلى قطع فيما تتكدّس الرسائل الروسية كالقناطير المقنطرة.
كاتب صحافي فلسطيني مقيم في ألمانيا.
Dr.mbkr83 gmail.com