نتائج التدخل العسكري في سورية ستكون كارثية للمنطقة وأميركا أيضاً
جاك خزمو
منذ فترة ليست بالقصيرة، وإدارة الولايات المتحدة بقيادة الرئيس باراك أوباما تلوّح بالتدخل العسكري المباشر في المعارك الطاحنة التي يقودها الجيش العربي السوري ضدّ الإرهاب وتنظيماته المختلفة المدعومة من أكثر من 80 دولة بقيادة أميركا ذاتها. وبدأ التلويح في أواخر شهر 2013 عندما اتهمت الدولة السورية باستخدام سلاح كيماوي في معركة قرب دمشق، لكن روسيا تدخلت واطفأت فتيل ذلك الهجوم الذي كان متوقعاً بقيام سورية بتسليم كافة الأسلحة الكيماوية لديها عبر اتفاق تمّ ونفذ وطبّق بحذافيره.
أما اليوم فهي تلوّح بذلك لأنّ الجيش السوري مدعوماً من سلاحي الجو الروسي والسوري يحقق إنجازات ميدانية، ويلحق بالمجموعات الإرهابية الهزيمة تلو الأخرى في مواقع مواجهة عديدة، وأهمّها جبهة حلب، إذ انّ تنظيف حلب من الإرهابيين اصبح قريباً جداً.
لقد صعّدت اميركا من لهجتها ضدّ روسيا وسورية وحلفائهما بعدة خطوات، الأولى كانت بتعليق الاتفاق الروسي الأميركي في جنيف الذي وقعه وزيرا خارجية الدولتين العظميين لافروف وكيري بحجة وذريعة عدم الالتزام باتفاق الهدنة، والثانية بإعلان خطة «ب» لمواجهة تقدّم الجيش السوري في حلب، ومن بينها وفي ضمنها تزويد التنظيمات الإرهابية، بالسلاح المتطوّر، والتي تسمّيها اميركا بأنها معارضة معتدلة، بعد ان فشلت في الفصل بين التنظيمات الإرهابية والمجموعات المعارضة، علماً أنهم جميعاً ينتمون الى جبهة النصرة التي هي على لائحة الارهاب. أما الخطوة الثالثة فتتمثل في فرض المزيد من العقوبات الاقتصادية ضدّ روسيا، والرابعة وهي انّ امام الرئيس أوباما خطة عسكرية تتضمّن خطوتين إما تنفيذهما معاً أو واحدة تلو الأخرى، والاولى تتضمّن قصفاً جوياً لمواقع الجيش السوري وحلفائه، والثانية تدخل قوات أميركية في سورية!
ومن أجل منع أيّ قصف جوي لتدمير المطارات العسكرية السورية بهدف منع الطيران السوري والروسي من التحليق، أيّ تحويل سماء سورية الى منطقة حظر جوي، نشرت روسيا منظومات صواريخ من طراز اس 300، واس 400 لإسقاط أي طائرة معادية، وهذا يعني انّ اميركا ستدخل في مواجهة ساخنة مع روسيا، وهذا مانع قوي من الصعب على الإدارة الاميركية أن تدخل في مواجهة عسكرية مع روسيا بسبب سورية.
ناهيك عن انّ أيّ تدخل عسكري أميركي ضدّ سورية لن يترك حلفاءها يتفرّجون، فالقواعد العسكرية الأميركية في منطقة الشرق الاوسط والخليج ستتعرّض لقصف صاروخي مما يؤدّي إلى حرب اقليمية واسعة تشمل السعودية ودول الخليج و»إسرائيل» أيضاً التي هي غير مستعدة للدخول في حرب شاملة قد تتحوّل ضدّها في المستقبل!
ومن هنا يمكن القول إنّ اميركا مضطرة للحصول على موافقة «إسرائيل» على أي تدخل عسكري مباشر، لانها قد تزجّ في حرب إقليمية كارثية وفادحة الخسائر بالنسبة لـ»إسرائيل».
اضافة الى امر آخر مهمّ وهو انّ أميركا لو قصفت المطارات السورية، فانّ هناك سلاح جو استراتيجي روسي سيقصف الإرهابيين من روسيا نفسها. وقد تقصف ايضاً بصواريخ عديدة من سفنها ومدمّراتها المتواجدة في البحر الابيض المتوسط وكذلك في بحر قزوين.
ومع انّ تركيا تريد منطقة حظر جوي في شمال سورية، إلا انها لا تريد الدخول في حرب شاملة لأنها مكلفة، ولأنّ الأوراق ستكون مختلطة، وستكون المعركة معقدة جداً، وكذلك لا تريد مواجهة روسيا عسكرياً، فهي تودّ ان يكون الحلّ سياسياً مع حصولها على جزء من كعكة الحلّ!
وهناك مانع آخر وهو انّ القصف الجوي الأميركي لن يجدي نفعاً، ولذلك قد تضطر الى إرسال قوات أميركية لدعم الإرهاب، وستدخل في مستنقع من الصعب الخروج منه.
لذلك فإنّ الرئيس أوباما مقيّد اليدين، والخيارات أمامه صعبة، وهناك موانع لها، وخاصة انّ «إسرائيل» كانت تشجع أميركا على ضرب واحتلال العراق، لكن الوضع مع سورية يختلف تماماً، لأنّ لها حدوداً مع سورية، وقد تقحم في حرب ضروس تأكل الأخضر واليابس، علماً انّ سورية قد عاث فيها الإرهاب دماراً، وليس هناك من خوف لدمارها، وقد تكون النقطة الضعيفة في هذا التدخل العسكري هو «إسرائيل».
والجدير ذكره انّ اميركا في آب 2013 تراجعت عن توجيه ضربة عسكرية لسورية، بعد ان هدّد المسؤولون السوريون بقصف «إسرائيل» رداً على هذه الضربة، كذلك هدّد قادة ايران العسكريون بأنهم سيدافعون عن سورية.
بقي أمام الإدارة الأميركية خطوة واحدة قد تنفذها، وهي فرض عقوبات اقتصادية جديدة، لكن روسيا قادرة على تجاوز ذلك اذ انّ دول «بريكس» ستقف الى جانبها اقتصادياً، وخاصة الصين التي تدرك انّ اميركا تعادي حالياً روسيا، وبعد ان تحقق أهدافها ستنتقل الى الصين… ولذلك فإنها لن تقف ايضاً مكتوفة اليدين، وستكون هناك إجراءات روسية صينية مشتركة ضدّ أميركا اقتصادياً ايضاً.
انطلاقاً مما ذكر سابقاً، فانّ يد أميركا الطولى قد ضعفت، ولذلك على إدارة أوباما ان تكون حذرة، فأيّ تدخل عسكري أميركي لن يكون نزهة بل سيكون تورّطاً كارثياً من الصعب الخروج منه بسهولة.
رئيس تحرير مجلة «البيادر» ـ القدس المحتلة