قالت له
قالت له
قالت له: ماذا تقول في الحبّ الذي يعلو موجُه باستمرار، وفي المشاعر التي لا تعرف الاستقرار، وفي القلب الذي يطلب المزيد ويبقى يعيد، والشوق فرح وتوق والملتقى فعل ألق، والبعد تعب وأرق؟
فقال لها: وهل السؤال بسبب التردّد أم طلب أن نبتعد بفعل الشعور بالضيق أو رغبة باللقاء، وتطلّباً للبقاء؟
فقالت: هو مزيج من السؤال عمّا بعد، وهل يمكن أن يكون لنا الأحلا إن ما بقي هو فعل تكرار، وقد حان الافتراق قبل أن يغزونا الملل ويبدأ البرود. وفي المقابل عجز عن الابتعاد و أمل بألا تفتر الحرارة، ولا تسقط درجاتها، وأن نجد في الحبّ الشغف والتعلّق بعيداً عن المجاملات والتملّق.
فقال لها: ومتى نعرف أننا دخلنا بداية النزول عن شجرة الحبّ، فنترك اللحظة الأجمل في الذروة، أم أننا محكومون ككلّ العشاق والكائنات بأمل في قدرة على الابتكار، لما هو أمثل. فلِمَ لا ننتبه أن البشر في لعبتهم مع الحياة يفعلون ما تسألين عمّا عساك تفعلين. ألا ترين الناس وقد بلغت الثمانين تتعلّق بحبال الحياة أملاً بالأجمل، وتشعرينه يفترضون القدرة على فعل الأفضل، ويرون أيامهم الآتية هي الأهمّ ويختصرون ما مضى بخبرات وذكريات؟ فمن من العشاق يقدر أن يعتزل وهو في القمة؟ أليست مشكلة الناس أنهم كالمقامرين حتى عندما يخسرون يأملون في التعويض في اللعبة المقبلة؟ هل نقدر الآن ونحن نحتفل بجمال اللقاء أن نفترق خشية أن يأتي يوم يفرض الفراق حضورَه علينا كما يقول البعض تعالوا إلى الموت بأرجلكم وأنتم في زهوّ حياتكم، قبل أن تدعوه يأتي إليكم وأنتم تذبلون؟
فقالت له: أليس هذا ـ لو قدرنا عليه ـ أشدّ جمالاً وأحلا منالاً؟
فقال لها: المشكلة إن كنت تقدرين فالحبّ قد أصابه الضعف وصارت لك القوّة عليه ليرحل. وإن كان الحبّ أقوى صار ما تقولين كلاماً عن تمنّيات لن تحصل. فقالت: وما تقول أنت؟
فقال لها: أن نعيش جمال ما نحن فيه حتى الثمالة. وعندما تحين لحظة الفراق نلاقيها كما نلاقي الموت باحترام ومهابة، بدلاً من أن ينال كلّ منّا عليها عقابه.
فقالت: وهذا يعني الآن أن تعانقني أو أن تتركني؟
فقال لها: أعانقك وأتركك سريعاً لأختبر الشوق الذي قلتِ عن جماله الكثير، وصوّرتِه ربيعاً فنختبر الشوق بكلّ ما لدينا بدلاً من استنزاف كلّ جماليات اللقاء. وعانقها قائلاً: إلى اللقاء.
فأمسكت بزنده وقالت: دعها للمرّة المقبلة، فلم أسمعك جيداً وقد كنت نائمة.
وتبسّما لكذبة التمكّن من التحكّم بمعادلات لعبة المشاعر ليتعلّما أن الاعتزال في الذروة تمنّ ليت من يدّعيه قادر.