رامز نصّار مناضلاً ووجهاً قوميّاً مضيئاً

لبيب ناصيف

عندما كتبت عن الرفيق رامز نصار ضمن النبذة عن الأمين شكيب أبو مصلح 1 لم أكن استمعت إلى الرفيق عادل حامد، رفيقه وصديقه، ولا إلى قريبه المواطن عادل نصار، ولم أكن زرت منزله لأستمع إلى الفاضلة عقيلته السيدة عايدة، ولأتسلّم منها صفحات من مذكرات دوّنها الرفيق رامز، ويا ليته تمكن من إنهائها، لما فيها من معلومات تفيد تاريخنا.

« رفيق ممتاز، عقائدي، مناقبي، صادق، يفهم الحزب نهضة تبني الإنسان الجديد، كانت تربطني به صداقة حميمة، وكنت أرتاح اليه، واثقاً بأخلاقه، وأعتبره قومياً اجتماعياً أصيلاً في انتمائه وفي سلوكيته «.

هكذا تحدث الرفيق عادل حامد يوم التقيته في إحدى المناسبات، ففرحت إذ تمكّنت، بعد سنوات طوال من الانتظار ومن التمني من لقائه وقد غادر الكويت التي كان مسؤولاً فيها إلى لندن.

الأستاذ عادل نصار حدثني بدوره عن قريبه الرفيق رامز ابن العائلة المرتاحة مالياً، ذات الحضور الاجتماعي الجيد، الناجح في أعماله، السخي تعاملاً، في حزبه وفي مجتمعه، الصادق، المتفاني، المناضل قومياً اجتماعياً.

في كتابه «سراديب النور» يورد الأمين شوقي خيرالله قسماً جيداً من مذكرات الرفيق رامز نصار 2 ، وكنا نشرنا ذلك في النبذة الخاصة المشار اليها آنفاً، فنعيد إيرادها.

«أقسم رامز يمين الحزب في 1 تشرين الأول 1952 في منزل كمال خولي، قرب الجامعة الأميركية، في رأس بيروت. العرّابون الرفقاء فوزي معلوف، فضلو خولي، رجا بارودي 3 .

يقول رامز: «أعود إلى سنوات قبلاً. في ربيع 1947 حضر إلى منزلنا 4 حلمي معلوف 5 يرافق الزعيم أنطون سعاده بهدف استئجار الطابق الأرضي في منزلنا. فجال فيه الزعيم، وتجوّل حول المنزل ولم يتمّ الإيجار. علمت في ما بعد ان المنزل لم يكن جيداً من الناحية الأمنية».

فوزي معلوف أول من أعطى رامز نصار كراسة المبادئ قائلاً له كالعادة: اقرأها وتفهّمها وانتقدها وقيّمها، وبعد ذلك نتباحث. لم يفهم رامز شيئاً كثيراً في البداية فلم يقبل على الحزب ولم ينتمِ. ولكنه صديق مع الشلّة جميعاً، فظل يسمع ويستوعب أحاديثهم المتمحورة حول محاضرات الزعيم التي كان يلقيها آنذاك والتي أصبحت المحاضرات العشر. ثم حصل الاغتيال البشع في 8 تموز 1949، فأنهزّ وجدان رامز نصار وعاد يقرأ كل شيء صدر عن الزعيم وعن سواه. وانتهى إلى أداء القسم. ولا ينسى رامز أنه التقى في 7 تموز 1949 بفوزي معلوف باكياً. سألأه عن السبب: أجابه غداً سيعدمون الزعيم.

بعد القسم التحق رامز بمديرية رأس بيروت الأولى مع شلّة من الرفقاء بينهم لبيب قدورة 6 ورشيد رسامني 7 وسواهما.

أول نشاط خارج المديرية كان يوم صودر رامز مع سيارته ليكون سواق المهمة إلى الجنوب. الركاب عجاج المهتار، مصطفى عزالدين، ناصيف سماحة. انطلقوا إلى إبل السقي وحوّلوا عند فؤاد ابي سمرة. اتصلوا من بيته بقوميي البلدة وجوارها وناموا عنده وانتقلوا في اليوم التالي إلى مرجعيون ثم إلى ميس الجبل 8 ثم إلى دير ميماس ثم إلى ميمس. وفي كل محطة وبيت شروح وتوضيح وتدابير إدارية وتعيينات وتقوية معنويات.

عندما عادوا إلى مرجعيون أوقفهم الدرك بتهمة العمل لحزب ممنوع وغير مرّخص. ما إن دخلوا القاووش حتى شلح عجاج الجاكيت ولفها مخدّة ونام كأنه في بيته. فقلّده رامز نصار كما لو كان هذا العمل جزءاً من المبادئ.

بعد الظهر بدأ الرقيب حرب للتحقيق معهم فتسهلت القصة مع مصطفى وناصيف ورامز إلا أنها تعقدت مع عجاج المهتار.

أنتم تقومون بنشاط لحزب ممنوع .

عجاج: نحنا نشقّ عازرعاتنا. السنة الماضية عملوّل بذرنا بذارنا واليوم بدنا نشوف شو نبّت وشو منزوع وشو هي الغلّة.

وشو بدو يطلع بإيدكم ما زال زعيمكم راح؟

راح احكيلك يا رقيب حرب.

هات لنشوف !

شبّ حريق بالغابة، وقف الأسد يتفرّج عاجزاً، ولفتت نظره عصفورة كانت تعبىء منقارها ماء من بعيد وتأتي وترشه على الحريق المحتدم، فيما كانت حرباية تنفّخ القبّولة لتطفئها. انتم راقبوا كالأسد حريق بلادكم، أما نحن فننقل ماء بمنقارنا وننفّخ لعلنا نساعد على إطفاء الحريق.

فتلعثم الرقيب ولكنه قال إن الحزب محلول وممنوع. فقال عجاج إنه لا طاعة لمخلوق في عصيان مصلحة الأمة. إذن أطعمونا وخلوّنا في سجونكم ّ!

ونمنا يومين حتى وصل الرقيب نجيب قدورة، ابن عم اديب قدورة، وقابل النقيب فيليب عبد الساتر فأفرج عنا في اليوم التالي.

في مذكراته يشير الرفيق رامز إلى نشاط حزبي قام به مطلع الخمسينات، أي في الفترة التي كان فيها النشاط الحزبي ممنوعاً، والحزب ملاحقاً:

« كان الخلاف مستحكماً بين أديب الشيشكلي وجورج عبد المسيح في اجتماع في منزل الأمين أديب قدورة شارع المكحول وبحضور جمع كبير من القياديين منهم الرفيق سعيد تقي الدين، والأمين حسن الطويل، تقرر أن أذهب بسيارتي برفقة الأمين حسن الطويل والرفيق جوزف كلنك إلى دمشق.

أخذنا طريق الجنوب، لأن طريق ضهر البيدر كان مقفلاً بسبب تراكم الثلوج، إلى درعا فدمشق، أوصلنا الأمين حسن الطويل إلى منزل، أو مكتب الأمين جورج عبد المسيح، أما أنا والرفيق جوزف فتوجهنا إلى مختبر الأمين اسكندر شاوي، حيث نمنا عنده. في اليوم الثاني توجهنا على الموعد أي الساعة العاشرة إلى الأركان وانتظرنا ساعة إلى أن دخل الأمين حسن الطويل لمقابلة أديب الشيشكلي، استغرقت المقابلة ثلاثة أرباع الساعة وخرج بعدها الأمين حسن وعلامات وجهه غير مرضية فالوساطة لم تنجح، بعدها عدنا إلى بيروت عن طريق ضهر البيدر».

يوضح الرفيق رامز عن الجولات الإذاعية الكثيرة التي كان يرافق فيها الأمين انعام رعد، كل يوم أحد: « كنا نذهب إلى منطقة عاليه والشوف، ولا أنسى احتفال أول آذار في عاليه، وقد ألقى فيه الرفيق أديب حداد أبو ملحم قصيدة قومية اجتماعية.

في عين كسور نشطتُ مع الأمين شكيب أبو مصلح. كنا نعقد حلقات إذاعية لمواطنين. بعد اغتيال العقيد عدنان المالكي شهد الحزب تدفق الرفقاء من الشام، وفورة من العمل، خصوصاً الأمني في مواجهة عملاء المكتب الثاني الشامي.

تعرفت في نادي خريجي الجامعة الأميركية إلى كثر، أذكر منهم المقدم غسان جديد، الأمين عمر ابو زلام، الأمين عيسى سلامة، الأمين رامز اليازجي، وغيرهم.

اغتيال المقدم الرفيق غسان جديد:

«اغتيال غسان جديد كانت صدمة مؤلمة للجميع. كان مأتمه كبيراً ومهيباً جداً. مشينا في صفوف منتظمة من مستشفى الجامعة الأميركية إلى مدافن الباشورة. الحشد الكبير من الرفقاء لم يكن متوقعاً لمراسلي وكالات الأنباء والملحقين العسكريين».

«أثناء أحداث لبنان سنة 1958 كنا نجتمع كل يوم في نادي المتخرجين، وأحياناً كنا نذهب في سيارتي، برفقة الأمين عيسى سلامة والرفيق هاني بلطجي 9 إلى ديك المحدي، نلتقي الأمين أسد الاشقر والعديد من الرفقاء، أذكر جيداً أن الأمين أسد كان مقتنعاً بوجوب التهيئة لانقلاب في لبنان وكان الرفيق بشير عبيد يسانده بهذا التفكير» .

رئيس لجنة تاريخ الحزب

هوامش:

1 عمّمت بتاريخ 18/02/2014.

2 سلمتنا السيدة عايدة، مشكورة، نسخة عنها.

3 فوزي المعلوف الأمين لاحقاً، منفذ عام الطلبة، رئيس جمعية متخرجي الجامعة الأميركية سابقاً.

4 كمال خولي من المناضلين القوميين الاجتماعيين. تولّى مسؤولية منفذ عام حلب.

5 كان قائماً تجاه وزارة الاقتصاد، رأس بيروت.

6 عمل في الصحافة لسنوات طويلة. مراجعة البند الأول.

7 شقيق الأمين أديب قدورة: المنفذ، عميد الدفاع، عضو ورئيس المجلس الأعلى. نقيب الصيادلة .

8 كان منح رتبة الأمانة وتولى مسؤولية منفذ عام ليبيريا، ثم لاحقاً عمدة المالية. أحد اصحاب شركة رسامني ويونس للسيارات.

9 يقول الرفيق رامز، إنه أقيمَ لهم استقبال حافل جداً «لدرجة أني نسيت إغلاق أبواب سيارتي».

من رفقاء بيروت. نشط حزبياً متولياً المسؤوليات. عمل طويلاً في الصحافة، وأمضى السنوات الأخيرة من حياته في جريدة «الديار».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى