موقع لبنان على خريطة الفوضى

آية الله العلامة الشيخ عفيف النابلسي

ما يكابده لبنان إنما هو الجزاء الطبيعي لسياسات كانت تلبي مصالح فئات أحجمت عن فهم المتغيرات ومخاطرها، وموقع لبنان من الفوضى التي تعم المنطقة بأسرها.

ظل البعض يراهن على أميركا وكأنها قدر لا يملك أحد الفكاك منها. ويدور معها كيفما تدور، حتى لو جاءتنا بكل رذيلة ومصيبة وهددت مصائر بلادنا بالإرهاب المنظم أو بالتوحش المجنون الذي تمثله الجماعات المتطرفة التي تعتبر الدموية جزءاً ملازماً لمطامحها.

الطبقة السياسية اللبنانية بدت وما زالت قاصرة على استيعاب ما يحصل، متوهمة أن ما تحمله هذه الجماعات التي باتت على الحدود محكوم بضوابط شرعية وعرفية وسقوف دولية غير أن الوقائع أظهرت عكس ذلك تماماً.

خصوصاً عندما صدر القرار الدولي الذي يدين «داعش» وحينما دعت الولايات المتحدة الأميركية إلى قيام تحالف دولي لمواجهة هذا الإرهاب المتمادي.

هل ستستطيع هذه الطبقة تزييف الحقائق؟ هل ستدّعي أنها كانت على الدوام مع الاعتدال ولم تمد هذه الجماعات بالمال والسلاح؟

هل ستشمخ وتقول لقد دعمت الجيش في وجه هؤلاء أم العكس هو الصحيح؟ فأحداث عبرا وطرابلس أظهرت الطبقة السياسية أنها شريكة بإضعاف الجيش وشريكة في الدماء التي نزفت.

وفي عرسال اليوم هذه الطبقة هي هي التي رفعت الغطاء عن الجيش، وهي التي سمحت للإرهابيين التمدد والتمكّن وصولاً إلى خطف العسكريين من الجيش والقوى الأمنية. لقد ذهب هؤلاء المدافعون عن الدولة وسيادتها وهيبتها ضحية هذه الطبقة وسياساتها ومصالحها.

وها نحن اليوم في أتون أعظم هولاً مما سبق، حين نسمع عن تحضيرات لهؤلاء الإرهابيين لاستباحة البقاع وصولاً لإعلان إمارة، في وقت يتلهى المسؤولون بلا مبالاة لما جرى ويجري، ولا بالذي يشعر به أهالي المخطوفين، وكأن فظاعة موت وعذاب الآخرين من اللبنانيين ليست لها مكان في أحاسيسهم.

مَن المسؤول اليوم عن تسلل آلاف الإرهابيين إلى جرود عرسال اللبنانية؟ مَن المسؤول اليوم عن ترك هذا العدد من العسكريين بلا غطاء وحماية في منطقة يتحصن فيها عشرات الآلاف من الإرهابيين؟

فهل وُضع هؤلاء الأفراد مجردين من أي حماية حقيقية بغرض إجراء عمليات تبادل مع المسجونين الإسلاميين في سجن رومية.

إن بلداً بهذا الانكشاف هو بالطبع مضاد لنفسه. وطبقة سياسية لا تحترم أرض وطنها وحرمة دماء أبنائها على الشعب أن يتبرأ منها. لبنان على المحك وموقعه على خريطة الفوضى في العالم العربي هو أمر ظاهر لا ينطلي على ذي لب سليم. والتعامي بدفن الرؤوس في الرمال عجز فاضح في تحمل المسؤوليات. ومن يصر على التحدث بلغة النأي بالنفس هو إما جاهل أو مغرض!

اليوم إما أن نكون موحدين خلف الجيش اللبناني للحفاظ على الوطن ومواجهة الدواعش وإما سنكون جميعاً طوائف ومذاهب، متدينين وعلمانيين، من الشمال والجنوب والبقاع والجبل عرضة لسكاكين الذبح!.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى