قصة اتفاق «إسرائيل» و«جبهة النصرة»

يوسف المصري

دخول «إسرائيل» على خط مشهد الأحداث في سورية كان منتظراً، وتم التمهيد له منذ بدايات عام 2012 بحسب مصادر عربية وغربية متقاطعة. لقد خطط «الإسرائيليون» أن يتبعوا في منطقة الاندوف الواقعة بين الجولان المحتل والأراضي السورية، نفس أسلوب إقامة الجدار الطيب الذي كانت أنشأته في جنوب لبنان كتمهيد حينها لفرض منطقة الشريط الحدودي فيه. وكشف مصدر مطلع أن السلطات السورية كانت واعية منذ تلك الفترة لهذا الحراك «الإسرائيلي»، فأرسلت منذ آذار العام الماضي 2013 رسالة إلى رئيس مجلس الأمن والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون ووكيل الأمين العام لشؤون عمليات حفظ السلام، نبهت فيها إلى خطورة ما يحدث في منطقة الاندوف، وتحديداً إلى خطورة الأعمال التي تمارسها جماعات المعارضة الإسلامية المسلحة في منطقة هضبة الجولان المتضمنة «خط فصل الاشتباك العائد لعام 1974»، والمتواجدة فيه قوة الاندوف المكلفة بحفظ السلام.

وأرادت دمشق من خلال تلك الرسالة تسجيل استهجانها منذ ذاك الوقت المبكر، من سكوت الأمم المتحدة عن الإخطار المستجدة والمتراكمة منذ نهايات عام 2012 في منطقة خط فصل الاشتباك، والناتجة من نشاط للمعارضة المسلحة بداخلها بتواطؤ واضح مع الجيش «الإسرائيلي».

وأرسلت دمشق خلال فترة العامين أكثر من مذكرة تنبيه للأمم المتحدة بخصوص هذا الأمر، وسلمت جميعها إلى كل من أمين عام عمليات حفظ السلام وبان كي مون، لكن أي رد فعل لم يصدر عنهما، ما رسم منذ ذلك الحين علامات استفهام حول وجود مخطط لتغيير الوضع القائم في المنطقة الحدودية بين سورية و«إسرائيل». وما عزز هذه الشكوك حصول تطورات على التوالي منذ نهايات عام 2012 حتى الآن تمثلت بالتالي:

تعاظم حركة انتقال عناصر قوة الاندوف الموجودة في تلك المنطقة، من مراكزها على أراضي الجانب السوري إلى داخل أمكنة استحدثت لهم داخل الأراضي التي تحتلها «إسرائيل» في هضبة الجولان.

تتتالى عمليات انسحاب دول مشاركة في قوة الاندوف منها. وكان أبرزها قيام كرواتيا بسحب عناصرها بعد انفضاح صفقة السلاح التي باعتها للمعارضة العام الماضي بواسطة طرف ثالث. وتجمعت معلومات حينها عن أن هناك اتجاهاً «إسرائيلياً» ثمة تواطؤ دولي و«إسرائيلي» معه، لتعطيل دور الاندوف كمقدمة لسحبه من الجانب السوري، توصلا لسحبه من كل منطقة ولايته هناك. والهدف من ذلك الوصول إلى إتمام فكرة أن سورية أصبحت دولة فاشلة، ولم تعد قادرة على الوفاء بتعهداتها الدولية. وعند وصول التعريف الدولي لسورية إلى هذه النقطة، تصبح «إسرائيل» قادرة على الاستحصال على غطاء دولي للقيام بأعمال عسكرية داخل سورية تحت ذريعة أنها مرغمة على التدخل لمنع الفوضى السورية من إصابة مصالحها الأمنية الحيوية بأضرار فادحة.

وتضيف هذه المعلومات أن «إسرائيل» تريد من تعطيل دور الاندوف على خط فض الاشتباك بينها وبين سورية، وجعل الجانب السوري من منطقة هضبة الجولان خالياً من أي وجود للاندوف، الحصول على ضوء أخضر دولي لضرب أية قوافل نقل تعتقد أنها تحمل سلاحاً نوعياً مهرباً إلى حزب الله في لبنان، وتريد بالأساس إنشاء شريط أمني داخل الأراضي السورية. وعلى رغم أن الهدف المعلن لـ «إسرائيل» من وراء إنشائها لهذا الشريط هو ادعائها بأنها تريد تعبئة الفراغ الناتج من سيطرة المعارضة الإسلامية المتشددة على المنطقة الحدودية السورية في هضبة الجولان، إلا أن هدفه الحقيقي هو امتلاكها لورقة داخل معادلة الميدان السوري، وتحويله بالتدريج إلى أرض محتلة تعرض «إسرائيل» التخلي عنها لاحقاً في إطار «تسوية أمنية» وليست «سياسية» مع دمشق، وذلك على قاعدة انسحاب «من الشريط» وليس «من الجولان» الذي تفكر «إسرائيل» في نهاية غايتها إعلانه منطقة حكم ذاتي لسكانه السوريين الدروز، على أن يتمتع بسيادة إجرائية، مع احتفاظها لنفسها بالسيطرة على الأمن وعلى مياهه ونفطه المكتشف حديثاً.

وتنبه المصادر عينها إلى مخطط «إسرائيلي» سيبرز أكثر في المقبل من الأسابيع في تلك المنطقة، وذلك من خلال تكثيف الوقائع الميدانية تحديداً في منطقة تل الشيح التي تقع في نقطة جغرافية وسطية بين دمشق العاصمة ومدينة القنيطرة المتاخمة لمنطقة تواجد الاندوف عند مساحة خط فض الاشتباك لعام 1974.

ويوجد في منطقة تل الشيح مخيم للاجئين للفلسطينيين، يتميز عن كل مخيمات اللجوء الفلسطيني أينما وجدت، بأنه مقطون من عائلات فلسطينية أغلبها ميسورة الحال، ولكنها بالمقابل تنتمي للعقيدة السلفية المتشددة. وخلال العقد الماضي، قامت اجهزة الأمن السورية بالتزامن مع احداث مخيم نهر البارد في لبنان، بتفكيك تنظيم سلفي في مخيم خان الشيح كان يعتزم اعلان امارة اسلامية فيه.

وتؤكد هذه المعلومات ان المجموعات المسلحة المتشددة التي تخطط بدعم إسرائيلي للعمل في منطقة تل الشيح، تهدف لتحقيق عدة أمور استراتيجية، بينها تقوية جبهة النصرة بعدما خبت قوتها بفعل صعود داعش. وضمن هذا التوجه سيتم انشاء تحالف جهادي في سورية بين السلفية الغنية الفلسطينية والسلفية السورية، وذلك بعد ان تؤمن «إسرائيل» لجبهة النصرة دعماً لوجستياً انطلاقاً من القنيطرة ويمكنها من مد نفوذها إلى الفئات الفلسطينية الغنية في مخيم تل الشيح وايضا الى الفئات الفلسطينية الفقيرة في مخيم اليرموك، الامر الذي يواجه تحديات الان بفعل بروز مسار المصالحة داخله. والهدف الاخر والملازم للاول هو اخراج الجيش السوري من مدينة القنيطرة. ويحدث كل هذا الجهد الآنف بالتعاون مع الاستخبارات «الإسرائيلية». وبالأساس لا يمكن لهذه المجموعات أن تقترب من منطقة الاندوف التي لا توجد فيها قوات سورية لأسباب على صلة باتفاق فض الاشتباك في عام 1974، من دون غض طرف «إسرائيلي». أضف الى ذلك ان المعلومات المثبتة اكدت ان «إسرائيل» بادرت منذ عامين – أولاً – الى انشاء علاقة فعلية مع مجموعات سلفية مسلحة تعمل في منطقة الفصل عند الحدود مع الجولان، وذلك عبر تقديم حاضن لوجستي طبي وخدماتي لها.

ثانياً – قيام الجيش «الإسرائيلي» غير مرة وأبرزها ما حدث في منتصف شباط الماضي 2013 بنقل ارهابيين جرحى عبر خط الفصل الى احد المستشفيات «الإسرائيلية»، ومن ثم إعادتهم الى داخل الاراضي السورية عبر خط الفصل أيضاً ما يؤكد عدم احترام «إسرائيل» لمنطقة الاندوف، بل استخدامها بالتواطؤ مع الامم المتحدة كمعبر لترحيل خطتها التخريبية الى الداخل السوري.

3 – تواصل تخطيط «إسرائيل» منذ عامين لإنشاء «إدارة مدنية» تابعة لقيادة الجبهة الشمالية، تدير سياسة إنشاء جدار طيب تجاه سكان الحدود السوريين والمسلحين الموجودين فيها، على ان يكون لمستشفى صفد الحكومي في هذا المجال، نفس الدور الذي قامت به مستشفى رمبام في حيفا لإنجاح سياسة الجدار الطيب في جنوب لبنان. الوقائع عن معظم هذه الممارسات موثقة في رسالة سورية للأمم المتحدة في آذار العام الماضي .

وتلفت هذه المعلومات الى ان معركة جوبر التي يخوضها الجيش السوري بنجاح يعتبر في صميم توجه دمشق لتخريب الخطة «الإسرائيلية» انطلاقاً من القنيطرة ومنطقة الاندوف وصولاً الى منطقة خان الشيح. ففي أساس اتفاق «إسرائيل» مع جبهة النصرة منذ عامين الوصول إلى لحظة تهديد تهديد دمشق من خلال استخدام حشود المعارضة في منطقة خان الشيخ للضغط على وحدات الجيش السوري التي تحاصر ضاحية داريا التي تمد بالدعم اللوجستي بلدة جوبر المصنفة على انها الريف اللصيق بالعاصمة تبعد جوبر عن ساحة العباسيين 700 متر فقط .

وفيما يلي رسالة دمشق للأمم المتحدة المرسلة حول هذا الموضوع في آذار الماضي:

«تلفت الحكومة السورية الأمم المتحدة الى خطورة الأعمال التي تقوم بها الجماعات الإرهابية المسلحة المدعومة من دول معروفة في منطقة الفصل في الجولان السوري، وهي الاعمال التي تؤثر من جهة بشكل خطير على تنفيذ قوة الامم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك الاندوف لولايتها، وتعرض، من جهة اخرى، حياة موظفي الاندوف للخطر. هذا ناهيك عن تعريض حياة المدنيين السوريين القاطنين في تلك المنطقة للخطر البالغ أيضاً جراء استخدامهم كدروع بشرية.

«لقد استغلت تلك المجموعات الإرهابية احترام سورية لاتفاق فصل القوات لعام 1974 من حيث عدم دخول أو تواجد قوات عسكرية سورية في المنطقة المقيدة، كما استفادت من المساعدة اللوجستية التي تقدمها لها قوات الاحتلال «الإسرائيلي»، والتي كان آخرها قيام هذه القوات في منتصف شباط 2013 بنقل 7 إرهابيين جرحى عبر خط الفصل الى أحد المستشفيات «الإسرائيلية»، ومن ثم إعادتهم الى داخل الاراضي السورية عبر خط الفصل أيضاً.

« وما يحصل في منطقة الفصل يشكل انتهاكاً فاضحاً لاتفاق فصل القوات ولولاية الاندوف كما يعرض في الوقت ذاته حياة موظفي الاندوف للخطر وهذا ما حصل بالضبط عندما قامت بتاريخ 6 آذار 2013 إحدى المجموعات الإرهابية التي تطلق على نفسها «شهداء اليرموك» بخطف 21 من حفظة السلام ممن يحملون الجنسية الفيليبينية ويعملون لدى الاندوف».

تضيف الرسالة: «ولكن الغريب في الموضوع أن الأمم المتحدة وتحديداً إدارة عمليات حفظ السلام، تجاهلت كل المعلومات التي قدمتها الحكومة السورية في وقت مبكر، عبر عدد من الرسائل الرسمية واللقاءات الثنائية مع مسؤولي الأمم المتحدة، وعلى وجه الخصوص مع السيد هيرفيه لانسوس وكيل الأمين العام لشؤون عمليات حفظ السلام، وكبار مساعديه حول خطورة انتشار هذه المجموعات في منطقة الفصل والاعتداءات التي تقوم بها على السكان المدنيين وعلى قوات الأمم المتحدة العاملة في سورية. إن هذا التجاهل أرسل رسالة خاطئة غير مباشرة لهذه الجماعات بأن أعمالها تلك ستمر من دون حساب ومن دون إجراءات رادعة وربما اعتقدت بأن أعمالها تلك تحظى بتعاطف موظفي الأمانة العامة للأمم المتحدة، ما شجعها على التمادي في أعمالها الإرهابية إلى حد خطف 21 من الاندوف للمساومة عليهم والضغط على الحكومة السورية.

وفيا يلي قائمة بعدد من الاعتداءات التي قامت بها المجموعات الإرهابية في سورية مؤخراً ضد قوة حفظ السلام العاملة في سورية والتي تم نقلها رسمياً الى إدارة عمليات حفظ السلام من دون أن يصدر أي رد فعل حازم من تلك الإدارة إزاء تلك المجموعات:

بتاريخ 29 تشرين الثاني 2012 أصيب أربعة عناصر من قوة الاندوف قرب مطار دمشق الدولي نتيجة هجمات نفذتها المجموعات المسلحة على موكب سيارات تابع للاندوف.

في بداية شباط 2013 قام مسلحون بسرقة سيارة تابعة لقيادة قوات الأمم المتحدة في سورية، والإساءة الى اثنين من أفراد هذه القوات عبر إرغامهما على الترجل من السيارة بقوة السلاح.

في منتصف شباط 2013 تم اختطاف المستشار القانوني في الاندوف الضابط الكندي كارل كامبو».

وختمت الرسالة بالتشديد على «ضرورة اضطلاع الأمم المتحدة بدورها ومسؤولياتها المناطة بها بكل موضوعية وحياد، في ما يتعلق بتحديد وإدانة بشكل لا لبس فيه الأطراف التي تعرض اتفاق فصل القوات لعام 1974 للخطر وتضع أرواح حفظة السلام والمدنيين في منطقة الفصل على المحك إضافة الى تهديد كل استقرار المنطقة».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى