حلب.. المعركة الأخيرة
نظام مارديني
لم يكن مستبعَداً الرفض الغربي والسعودي والتركي لانسحاب بيادقهم من جبهة النصرة وأخواتها من شرق حلب، فهي آخر معاركهم في هذه المدينة التي يُراد المساومة من خلالها على إمكانية الحصول على بعض المكاسب قبل انسحابهم من المنطقة أو سحقهم فيها، كما وقبل معرفة ما ستؤول إليه معركة تحرير الموصل.
هذا الرفض الثلاثي المصحوب بصراخ مجلس أمنهم، لإنقاذ حصان طروادتهم، المصنوع من الطين أو القش. والغريب أن هذا لم يدرك حتى الآن أنه مجرد دمية من الكاوتشوك وتم نفخها بتلك الطريقة العجيبة، من أجل تأمين سيطرتهم على حلب ليعلن من هناك وضع اليد على الشمال السوري، كما ووضع اليد على الشمال العراقي..
هذا الصراخ الثلاثي الجهنمي، لم يعد ينفع مع قرار الجيش السوري باستكمال عملياته الميدانية وإنهاء الحالة الشاذة في هذه العاصمة الاقتصادية لسورية، رغم أن أدمغة آل سعود، وأموالهم، ذهبت بهذا التواطؤ والصراخ الى حدوده القصوى.
ما يحدث في شرق حلب ليس مجرد «نزهة عسكرية» الى الحدود الفاصلة مع تركيا التي حوّلتها، بدورها، أنقرة إلى حطام بسيطرة النصرة على أدلب وداعش على مدينة الباب، وإنما بهدف تنفيذ تفكيك سورية قطعة قطعة، ولكن من أعدوا هذا المخطط سيكونون أمام مفاجآت لم تخطر لهم على بال. اسألوا «بطرس الأكبر» المتّجهة نحو الشواطئ السورية لمواجهة أي حرب كبرى لتغيير خارطة المنطقة بدءاً من سورية.. وبوتين جاد إلى أبعد الحدود في الرد البعيد المدى، سيما بعدما أخذ الأميركيون علماً بأن ضرب المؤسسة العسكرية، وبالتالي ضرب المؤسسة السياسية، في سورية يشكل تهديداً صارخاً للأمن القومي الروسي.. ورأي الصقور في البنتاغون أن بوتين يضع كل ثقله في سورية كي يحمي الخاصرة الروسية الرخوة في القوقاز.. إذا أفلتت منه سورية لا بدّ من أن تتزعزع روسيا المقدسة!
لقد تولدت القناعة أن وقائع الحسم الميداني لدى موسكو كما لدى دمشق، في شرق حلب هو أقلّ كلفة من الانتظار على أبواب مجلس الأمن لاستنباط حلول سياسية ودبلوماسية تقدم حماية للإرهابيين. وبالتأكيد إن لم يحسم الميدان لصالح الجيش السوري، فسيعطي فرصة لهذه العصابات الإرهابية في تعزيز قدراتها بالعدد والعديد ويمكّنها من استعادة قوتها.
الهلال السوري الخصيب الذي غيّر وجه الدنيا منذ اخترع الحروف الأبجدية، يقول للعالم الآن: نحن لسنا حفاة على قارعة التاريخ، كما على قارعة الجغرافيا، إن الحرب ضد الإرهاب مستمرة وشاقة وطويلة.. بدأت من هنا. وهنا يتقرّر مسارها ومصيرها!