مبادرة شلّح… برنامج وطني مكثّف
راسم عبيدات ـ القدس المحتلة
المبادرة ذات النقاط العشر التي طرحها الدكتور رمضان شلّح أمين عام حركة الجهاد الإسلامي في الذكرى التاسعة والعشرين لانطلاقة حركته، أتت في إطار الحرص العالي على القضية والمشروع الوطني الفلسطيني. وهي لم تنطلق من منطلقات الصراع على السلطة أو المناصب أو المحاصصة، كذلك، لم يستخدم الدكتور شلّح لغة التحريض والردح، كما هي حال المتخاصمين السياسيين في الساحة الفلسطينية. فحركة الجهاد الإسلامي خارج التجاذبات والصراع على السلطة والمناصب، ولذلك يُنظر إلى هذه المبادرة أنها تأتي من أجل تصحيح وتصويب جوهر مفاهيم الصراع مع العدو المحتلّ وإعادة المسار الفلسطيني المشتّت وغير الموحد على كلّ المستويات بفعل الانقسام إلى مساره الصحيح، وفيها نلمس أيضاً قدراً عالياً من التصالح مع الذات. وهي حملت مضامين نقدية موضوعية بعيداً عن لغة التشنّج وعبارات التحريض والتخوين… ومنسجمة أو متجاوبة مع حركة الشارع الفلسطيني المثقل بالهموم والويلات بفعل الاحتلال وإجراءاته وممارساته القمعية، وكذلك عبء الانقسام المثقل عليه وعلى مشروعنا الوطني.
شلّح يشخص ويحلّل المرحلة ويطرح حلولاً للخروج من الواقع الراهن لحماية المشروع الوطني من التفكك والقضية الفلسطينية من الاندثار. وهو يدرك صعوبة وخطورة ما تمرّ به قضيتنا الفلسطينية وما تتعرّض له من ضغوط كبيرة صهيو – أميركية لفرض الاستسلام الشامل عليها.
قبل الحديث عن جوهر ما حملته هذه المبادرة الوطنية، لا بدّ من التطرق الى بعض المسائل ذات الطابع المنهاجي، بالإضافة الى مسألة الأولويات من حيث النقاط التي حوتها المبادرة، فمن أجل الوصول الى قرارات ذات طابع استراتيجي توافقي مثل شطب «أوسلو» المشطوب أصلاً من قبل الاحتلال، وغير المتبقي منه سوى التنسيق الأمني واتفاقية باريس الاقتصادية، وسحب الاعتراف المتبادل، هذا الاعتراف كبرى الكوارث والمصائب بلغة الدكتور شلّح، وأيضاً من أجل توسيع منظمة التحرير الفلسطينية، لكي تصبح إطاراً جامعاً، يضمّ كلّ ألوان الطيف السياسي الفلسطيني، بما فيها «الجهاد» و»حماس»، فهذا أولاً يتطلب تفعيل إلإطار القيادي المؤقت، الذي يضمّ قادة الأحزاب والحركات السياسية الفلسطينية المختلفة، ولكي نبلغ ذلك ونترجمه الى ممارسة حية على أرض الواقع، تأخذ صفة الإلزام والتطبيق، فإنّ النقطة الأخيرة المتعلقة بورشة الحوار الوطني الشامل، بالضرورة أن تتقدّم على كلّ النقاط المطروحة، فلا يمكن الوصول الى توافق وترتيبات داخلية، وخلق مناخات وأجواء إيجابية، تؤسّس لمصالحة قائمة على أسس صلبة ومتينة، بين القوى المتخاصمة والمتصارعة، تحديداً حركتي فتح وحماس، بدون حوار وطني شامل.
وفي إطار التكثيف والدمج، كان بإمكان الدكتور شلّح دمج بعض النقاط، بدل التفصيل والاستطراد، فعلى سبيل المثال فإنّ النقطتين 3 و 6 مترابطتان ومتلازمتان مع بعضهما بعضاً. فالنقطة الثالثة «إعادة بناء منظمة التحرير»، كان يمكن ربطها بالنقطة السادسة التي طالب فيها بصياغة برنامج وطني، لأنه لا يمكن الحديث عن إصلاح المنظمة وتوسيع نطاق مكوناتها بإضافة حركتي الجهاد وحماس لعضويتها من دون التوافق على برنامج سياسي يقبل القسمة على الكلّ الوطني في المنظمة. ولكن هذا لا يفقد المبادرة أهميتها، بل يجعلها تعبيراً عن برنامج وطني فلسطيني مكثف. هذا البرنامج أو النقاط وما تضمّنته من أهمية كبيرة لانتشال القضية الفلسطينية من التهميش والمشروع الوطني من التأزم والتفكك بسبب مخاطر الانقسام وانسداد الأفق السياسي، وما يحدث في المحيط العربي، من «اندلاق» عربي للتطبيع مع المحتلّ، ومحاولات لطيّ صفحة الصراع معه، ليحلّ محلها الصراع العرقي والمذهبي والطائفي، وما يترتب على ذلك من تفكيك لدول مركزية في المنطقة. وهذا هو بالتحديد الهدف من التآمر على سورية، وما يتركه ذلك من تأثيرات خطرة على قضيتنا الفلسطينية.
كذلك فإنّ الدكتور شلّح محقّ في توصيفه للمرحلة على أنها «مرحلة تحرّر وطني، وأنّ الأولوية فيها لمقاومة ومقارعة الاحتلال، بكلّ الأشكال، وبأنه يجب أن يُعاد الاعتبار للمقاومة والثورة، والعمل على تطوير انتفاضة القدس الشعبية، لكي تصبح انتفاضة شاملة، ولكن يجب أن نلحظ أنّ تأكيد الدكتور شلّح على طبيعية المرحلة، جاء في ظلّ طرح البعض، بأنّ المرحلة هي مرحلة بناء ودولة، وبما يعاند ويتعارض مع الواقع، أما الحديث عن دعم انتفاضة القدس وتطويرها، فهذا غير ممكن بدون التحلّل مما تبقى من التزامات أوسلو، من مراجعة شاملة للعلاقات الأمنية والسياسية والاقتصادية مع الاحتلال، وحوار وطني شامل يقود الى إنهاء الانقسام، ورسم استراتيجية فلسطينية موحدة متحللة من «أوسلو».
ما قاله الدكتور شلّح بأنه يجب علينا أن لا نختزل الشعب الفلسطيني، بالموجود منه في الضفة والقطاع صحيح. وهذا لا يفقد صحته القولُ بأنّ منظمة التحرير الفلسطينية، هي الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا الفلسطيني في كلّ بقاع وأصقاع الدنيا، فالمساومات السياسية الجارية حالياً، وفي ظلّ الهجوم الذي يتعرّض له شعبنا الفلسطيني من أجل فرض الاستسلام الشامل عليه، ربما تدفع بالذين يقودون العملية السياسية والتفاوضية، للتوصل الى اتفاق وحلّ ينهي الصراع على حساب حقوق شعبنا الفلسطيني، وخصوصاً أننا نشهد انتهاكَ ما يسمّى بالتكتيك للاستراتيجية بشكل فاضح وخطير.
في ظلّ ما يتعرّض له شعبنا من عمليات تطهير عرقي وعقوبات جماعية وما يرتكب بحقه من جرائم متعدّدة، فمن الضروري السير بطرق أبواب المحاكم الدولية من أجل جلب قادة الاحتلال إليها لمحاكمتهم على جرائمهم كمجرمي حرب. وكذلك يجب إغلاق بوابات التطبيع المشرعة من قبل السلطة الفلسطينية، والتي لولاها لما تجرأ عدد من «المخاتير» والمرضى النفسيين على التوجه الى مستوطنة «إفرات» المقامة على أرضنا المغتصبة لتهنئتهم بعيد «العرش».
وفي الختام، فإنّ دعوة الدكتور شلّح للرئيس أبو مازن، لالتقاط هذه المبادرة باعتبارها بيده بالدرجة الأولى، تضع حداً للغط حول ما يسمّى «مرحلة ما بعد أبو مازن»…
Quds.45 gmail.com