انتهت معركة الرئاسة وبدأت معركة الحكومة وحزب الله يفوّض بري نصرالله ــ عون لإطلاق المبادرات ما بعد الانتخابات… وفرنجية… لوقتها
كتب المحرر السياسي
فيما تتعثر معركة الموصل مع الهجمات المضادّة التي تشنّها داعش بصورة يومية على جنبات خطوط الهجوم الرئيسي للجيش العراقي، شرق دجلة وغرب الفرات، وبين النهرين، يسجل الجيش السوري مزيداً من التقدّم النوعي والسريع في جبهة جنوب حلب، حيث أحكم بالتعاون مع الحلفاء السيطرة على تلال جنوب حلب التي تشكل الممرّ إلى خان طومان عقدة الوصل بإدلب وريفها، حيث خزان مقاتلي جبهة النصرة، كما يتقدّم الجيش في أحياء أبي سعيد والعامرية، وبستان الباشا ويفتح جبهة الراشدين، وتواكبه نيران مركزة من الصواريخ الروسية الدقيقة الإصابة من البحر والجو، ما يشير إلى وجهة الأيام المقبلة عسكرياً ما دام المسار السياسي في جنيف لم ينجح عبر الخبراء الذين يواصلون اجتماعاتهم هناك، في تحقيق الهدف الذي تربط به موسكو مساعيها للعودة إلى التهدئة، وهو الفصل بين جبهة النصرة والجماعات المسلحة من جهة، وخروج الجماعات المسلحة من شرق حلب من جهة أخرى، ما دفع وزير الخارجية الأميركي جون كيري للاتصال بوزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف أملاً بمنح المساعي السياسية مزيداً من الحرارة سعياً لتفادي أحادية ما يحمله المسار العسكري.
لبنان الذي يعيش يوميات الاستحقاق الرئاسي بتفاصيلها، مشدود نحو جبهة حلب ومتابعة ما يجري هناك، حيث يرمي حزب الله بثقله لتحقيق نصر حاسم على الجماعات المدعومة من السعودية وتركيا والتي ترعاها واشنطن، ويتابع ما يجري في العراق على جبهة الموصل لقياس التعامل الأميركي مع استحقاقات المنطقة، لفته البيان الصادر عن الحكومة السعودية والذي خصّص للتأكيد على أنّ الحرب على حزب الله لا تزال أولوية المملكة السعودية، ورمى بظلال من الشكّ حول كيفية التعاون الحكومي السلس في العهد الرئاسي الجديد، بين الرئيس سعد الحريري وحزب الله، انطلاقاً من تسمية رئيس الحكومة والتكليف وصولاً لتأليف الحكومة الجديدة.
الانتخابات الرئاسية كمسار باتت محسومة في نهايتها لجلسة نهاية الشهر، ودون توافق يجلب الإجماع، ويضمن سحب النائب سليمان فرنجية لترشيحه ويحقق مشاركة رئيس مجلس النواب نبيه بري، ومعهما حلفاء كالقوميين والبعثيين، وسواهما، بعدما حسم فرنجية مواصلة ترشيحه ومثله حسم الرئيس بري التصويت له ما دام مرشحاً، وأنهى حزب الله مساعيه الخاصة بالجلسة الانتخابية موفراً جهده التوفيقي، لمرحلة ما بعد الانتخاب، التي استحوذت بالنقاشات في اللقاء الذي ضمّ الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله والعماد ميشال عون، وتوقفت أمام ما بذله حزب الله لتوفير الفرص اللازمة لإيصال العماد عون إلى قصر بعبدا بعد جلسة الانتخاب، لتصير مهمته إطلاق المبادرات التي ترمّم الصدوع وتلمّ الشمل بعد ذلك من موقعه الرئاسي.
عملياً بدأت معركة الحكومة، ومعها السلة المؤجلة من طاولة الحوار، اسم رئيس الحكومة من التكليف إلى التأليف، ومَن سيسمّي الرئيس سعد الحريري، هل سيترجم حزب الله عدم الممانعة بتسمية الحريري، وهل سيكون لقاعدة التفاهم والتفهّم بين حزب الله وحركة أمل مفاعيل تتخطى حدود التصويت المختلف رئاسياً، لتشمل تنظيم الاختلاف في مقاربة الملف الحكومي؟
مصادر مطلعة أكدت لـ «البناء» أنّ تسمية الحريري لرئاسة الحكومة شيء ورفع الفيتو السياسي عن تسميته من العماد عون مقابل سير الحريري بترشيح عون للرئاسة شيء آخر، مضيفة أنّ تسمية الرئيس بري والنائب فرنجية للحريري ربما تكون أقرب من تسمية حزب الله له، أما في شأن المشاركة في الحكومة فهي تخضع لمعايير عند حزب الله لا تتصل بشخص رئيس الجمهورية الذي دعم الحزب ترشيحه، بل بتركيبة الحكومة والخطوط الرئيسية لبيانها الوزاري التي يقترحها الرئيس المكلف في المشاورات مع الكتل النيابية، ونظرته لتوازنات الحكومة وحقائبها السيادية وتوزعها، وهي شؤون تبحث في وقتها، لكن المصادر تقول إنّ قاعدة التفهّم والتفاهم بين حزب الله وحركة أمل تنتهي بعد الانتخابات لحساب مفهوم الشراكة الكاملة في التعامل مع الخيار الحكومي، فلن تكون حكومة يشارك فيها حزب الله وتغيب عنها حركة أمل، تأسيساً على دعم الحزب لعهد العماد عون، بل إنّ الرئيس بري سيكون المفاوض العملي والواقعي عن حصة الفريقين كممثلين لطائفة واحدة، في الحكومة الجديدة، أسوة ما درجت عليه العلاقة بين الطرفين في الحكومات السابقة، من دون أن يُعفي حزب الله نفسه من الدور الذي سيلعبه بين الرئيس بري والعماد عون لتقريب المواقف وتسهيل التعاون، لكن هناك طرفاً ثالثاً يرتبط به ملف الحكومة هو رئيسها.
الرئيس بري والنائب فرنجية اللذان تحدّث كلّ منهما من موقعه عن موقفه في جلسة الانتخاب، ربطا الموقف من التكليف والتأليف بمواقيت لاحقة، بانتظار ما سيسمعان من رئيس الجمهورية المنتخَب، والمرشح للتكليف برئاسة الحكومة، في المشاورات التي ستلي جلسة الانتخاب، بينما تدرس الكتل الأخرى مواقفها، لتحسم مواقفها في الأيام القليلة المقبلة.
المساعي مستمرة لبلوغ الإجماع
لم تظهر معطيات جديدة توحي بتبدّل في مصير الجلسة الـ 46 الرئاسية، والمرجّح أن تكون الأخيرة والحاسمة في إنتاج رئيس للبلاد انتظره اللبنانيون حوالي عامين ونصف العام. كما لم تؤد المساعي التي تقوم بها أكثر من جهة حتى الآن إلى بلوغ الإجماع الوطني على انتخاب العماد ميشال عون في ظل إصرار رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورئيس تيار المردة سليمان فرنجية على موقفهما، بانتظار أن يصدر عن كتلة اللقاء الديمقراطي الموقف النهائي خلال أيام قليلة.
وأكدت مصادر مطلعة لـ «البناء» أن «المساعي مستمرة مع الرئيس بري والوزير فرنجية بوساطة من حزب الله لمحاولة تأمين الإجماع على انتخاب عون، لكنها استبعدت أن تصل الى مخرج قبل جلسة انتخاب الرئيس»، موضحة أن «المساعي ستتكثف بعد انتخاب الرئيس وستصل الى صيغة توافقية لجميع الأطراف حول تشكيل حكومة الوحدة الوطنية وعلى توزيع الحقائب الوزارية والبيان الوزاري الأمر الذي سيستغرق 5 الى ستة أشهر».
.. ولا حكومة من دون «أمل»
ولفتت المصادر الى أن «موقف بري وفرنجية لا يزال على حاله، ونفت التوصل الى تفاهم يتضمن تصويت نصف كتلة بري الى عون والنصف الآخر الى فرنجية، موضحة أن مخرجاً كهذا لا فرص لديه للنجاح»، وشددت على أن «حزب الله لن يشارك في أي حكومة لا تشارك فيها حركة أمل، وبالتالي عون لن يقبل أن يشكل الرئيس سعد الحريري حكومة من دون حزب الله والطائفة الشيعية الأمر الذي سيضطر الحريري الى تلبية مطالب بري».
وفي موقف سعودي لافت ربطه مراقبون بتطورات الملف الرئاسي في لبنان، أشار مجلس الوزراء السعودي الى أن «المملكة العربية السعودية تجدّد عزمها على مكافحة الأنشطة «الإرهابية» لحزب الله اللبناني».
لقاء السيّد ـ الجنرال
وعقب إعلان الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير الموقف من الجلسة المقبلة، زاره العماد عون يرافقه رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران، بحضور الحاج حسين الخليل والحاج وفيق صفا، حيث تم استعراض آخر المستجدات السياسية في لبنان والمنطقة، خصوصاً ما يتعلق بالاستحقاق الرئاسي القائم وضرورة مواصلة الجهود لإنجاحه في أفضل الأجواء الإيجابية الممكنة.
وأكد عون بعد اللقاء أن «السيد نصرالله أعطى كل التسهيلات لحل قضية انتخاب رئيس الجمهورية، والحمد لله وصلنا إلى نهاية سعيدة ونتمنى أن تستكمل الأمور، ودائماً كنا نجد كل مساعدة وكل تسامح في القضايا الوطنية».
.. وعون في بكركي
وفي إطار زيارته على القيادات والمرجعيات السياسية والدينية، زار عون البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، مساء أمس في بكركي.
وأشار بيان عن المجتمعين أن «العماد عون أطلع البطريرك الراعي على مجرى آخر التطورات في الملف الرئاسي قبل الجلسة الانتخابية في 31 الحالي، فأبدى البطريرك الراعي ارتياحه لحصول ما كان يطالب به باستمرار، وهو إعلان الكتل السياسية والنيابية موقفها بشأن الترشيح الأمر الذي بات يضمن انعقاد الجلسة الانتخابية المقررة، وانتخاب رئيس للبلاد طالما انتظره الشعب بفارغ الصبر».
.. و «الرابية» واثقة من نهاية إيجابية
ورغم التهويل بمفاجآت سياسية أم أمنية قد تحصل في ربع الساعة الأخير تقلب المشهد الرئاسي رأساً على عقب، غير أن الرابية بدت محافظة على ثقتها ودرجة تفاؤلها المرتفعة بأن لحظة النهاية الايجابية قد دنت. وقالت مصادر نيابية في التيار الوطني الحر لـ «البناء» إن «كل الحديث عن مفاجآت أمنية وسياسية ستحصل كضغوط دولية وإقليمية على الرئيس سعد الحريري في ربع الساعة الأخير للتراجع عن التسوية أو تسرّب نواب من ضفة الى ضفة قبل جلسة 31 الحالي، مجرد إشاعات باتت خلف ظهورنا، والمسألة انتهت وجميع المؤشرات تدل على أن العماد ميشال عون سيكون رئيس البلاد في 31 الحالي»، مضيفة: «عندما يقول الرئيس بري إنني أصبحت في ضفة المعارضة وعندما يقول الوزير فرنجية إنني مستمر في ترشيحي لو بقي معي نائب واحد، هذا يعني أن انتخاب العماد عون رئيساً للجمهورية بات محسوماً فضلاً عن حسم الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله موقفه بأنه سينزل الى الجلسة وينتخب عون الى جانب التفاهم بين عون والحريري حول مسألة الرئاسة، وكل ذلك يعطي المناعة للاستحقاق الرئاسي أكثر».
ولفتت المصادر الى أن «التهويل بأننا سننتقل من معركة الرئاسة الى معركة تشكيل الحكومة هو جزء من رفع السقوف في أي تسوية داخلية على ما بعد انتخاب الرئيس، بعد أن انتهت التسوية الخارجية والعماد عون يدرك الواقع المأزوم في البلد على المستوى الأمني والاقتصادي والسياسي والقضائي، كما يعرف واقع الرئيس بري كزعيم وطني وحجم دوره في الحياة السياسية والوطنية ويعي كيفية التعامل مع موقعه وحريص على وجوده ومشاركته في الحكومة ولن يتخطاه لا في تشكيل الحكومة ولا في أي مسألة أخرى، لأن عون يحترم المؤسسات والمواقع، لكن تشكيل الحكومة أمر يحسم في الاستشارات النيابية لتكليف رئيس الحكومة وفي عملية تشكيل الحكومة».
وأشارت المصادر الى أن «المساعي مستمرة لمحاولة تأمين الإجماع الوطني على انتخاب عون في الجلسة المقبلة مع كل من بري وفرنجية، لكن لم تؤد الى نتيجة حتى الآن ويبدو أن الآمال بحدوث تعديل في المواقف تتضاءل خلال الايام الفاصلة عن موعد الانتخاب».
وأكد رئيس تيار المرده النائب سليمان فرنجية في مقابلة تلفزيونية عدم انسحابه من المعركة الرئاسية، وقال: «لن ننسحب وأنا أكثر شخص مرتاح، لأنني أعرف ماذا أريد وأعرف أنه ستحصل انتخابات، وإذا خسرنا فمستعدون نفسياً وسياسياً، وإذا ربحنا فمستعدون لذلك، فنحن نضع احتمالَي الخسارة والربح في جلسة 31 الشهر».
ورأى فرنجية أن «حزب الله لديه كثرة الأخلاق. وأن قليلي الأخلاق معروفون مَن يمتلكونها. ونتمنى الخروج من الدوامة التي نحن موجودون فيها، والتي أدّت لمقتل البلد اقتصادياً واجتماعياً. وأتمنى ألا تأخذنا الانتخابات الرئاسية إلى مرحلة مجهولة».
اضاف: «ليس لدينا أي مشكلة بوصول عون للرئاسة، وإذا ربح فسنهنئه، لأنه صبر ونال ما عمل من أجله».
وأشار فرنجية إلى أن «اتفاقاً بين الوزير جبران باسيل ونادر الحريري ألغى كل الالتزامات السابقة، فمشوا باتفاق الطائف، رغم أن عون كان أول من طالب بتعديل صلاحيات رئيس الجمهورية وتعديل اتفاق الطائف».
وقال: «اليوم أقول إنه إذا حصل إجماع وطني على عون فـ «الله يوفقه»، فالصوت الشيعي ليس كله مع عون والصوت الدرزي غير محسوم بعد، وبنظرهم هناك «مسيحي بندوق» ومسيحي أصلي، والبطريرك الماروني بشارة الراعي يريد رئيساً للجمهورية ونعترف أن عون ميثاقي، لكن هو لا يمثل الميثاق».
وتابع: «إذا فتحتم قلب السيد نصرالله فستجدون اسم سليمان فرنجية في داخله. وانا أعتب على أبواق 8 آذار التي خوّنتني، رغم تنسيقي الكامل مع حزب الله وجعلوا من عون بطلاً قومياً».
واعتبر «أن حظوظ العماد عون أقوى للوصول إلى رئاسة الجمهورية بوجود الورقة البيضاء، لكن إذا تحوّلت هذه الأوراق البيضاء إلى رصيدي فسترتفع حظوظي، والنائب وليد جنبلاط تعامل معي أخلاقياً دائماً، والرئيس نبيه بري صديق تاريخي لي وما فعله معي اليوم كبير جداً».
اجتماع لـ «الاشتراكي» اليوم
بينما تتجه الانظار الى الموقف النهائي لكتلة اللقاء الديمقراطي حيال الاستحقاق الرئاسي، يعقد الحزب التقدمي الاشتراكي اليوم اجتماعاً للبحث في الخيارات المطروحة، بينما تعقد الكتلة اجتماعاً خلال اليومين المقبلين بحسب ما علمت «البناء» من مصادر في الحزب الاشتراكي، التي أكدت أن «أي موقف لن يخرج بمسألة الرئاسة قبل اجتماع قيادة الحزب وكتلة اللقاء الديمقراطي، لأن النقاش داخل الحزب والكتلة مستمر والموقف لم يحسم بعد، لكن بعد اجتماع الكتلة سيخرج الموقف النهائي وكل الاحتمالات مفتوحة».
وأكدت المصادر أن «الكتلة ستنزل الى الجلسة المقبلة كما شاركت في كل الجلسات السابقة وستؤمن النصاب للانتخاب. وهي ضد المقاطعة والتعطيل الذي حصل في السابق وفي أي فرصة جديدة للانتخاب ستشارك».
وعن تنسيق الموقف مع الرئيس بري لفتت المصادر الى أن «جنبلاط لديه اتصالات مع جميع الاطراف».
ونشر جنبلاط عبر حسابه على تويتر صورة لطريق برية غير معبّدة وعلى جوانبها أشجار خضراء وعلق قائلاً: «الطريق الأخضر الى بعبدا». الأمر الذي فسّره مراقبون على أن طريق بعبدا لم تعبّد بعد أمام الرئيس العتيد. ورفضت المصادر المذكورة التعليق على التغريدة، مكتفية بالقول إن جنبلاط يكسر الرتابة في التصاريح السياسية ويخلق أجواءً جديدة لدى الجمهور والمتابعين وهذا جيد للبلد، أما موقفنا النهائي فسنعلنه قريباً.
.. وربما جلسة أخيرة للحكومة
على صعيد آخر، يعقد مجلس الوزراء الخميس المقبل جلسة قد تكون الأخيرة للحكومة الحالية في عهد الفراغ الرئاسي، قبل أن تتحول الى تصريف الاعمال في ما لو انتخب الرئيس مطلع الأسبوع، ويناقش خلالها جدول أعمال من 83 بنداً، أبرزها تجديد العقد مع شركتي الخلوي.