المغامرون «ينقذون» الأمير السعودي
روزانا رمّال
يجهد الحريري في الأيام الخمسة المتبقية لإنجاح مبادرته واستطلاع الأجواء الأخيرة اقليمياً ودولياً للوقوف عندها والبناء على الشيء مقتضاه. فالمعلومات التي نشرتها قناة «الجديد» بالأمس افادت انّ الحريري التقى وزير الدفاع السعودي وولي ولي العهد محمد بن سلمان، وبأنه خرج مرتاحاً حيال الموقف السعودي تجاه التطورات في لبنان. وهذا يعني مباشرة ما يخصّ وصول العماد عون لرئاسة الجمهورية ودعم الحريري في مسعاه الأخير. وهو «الخيار» الأخير في غضون الايام المتبقية ربطتها معلومات مصادر سياسية معنية بالاستحقاق الرئاسي لـ«البناء» بمجمل المواقف الخارجية من مبادرة الحريري التي لا تنفصل عن كون التفاهم قد يكون أول تلاق إيراني ــــ سعودي غير مباشر بالمنطقة، ولكن على قضية كبرى من قضايا النزاع في المنطقة وبين طرفين واضحين ومهمين بين حلفاء الطرفين حزب الله ـــــ الحريري .
ارتياح الحريري مما سمعه من المسؤولين السعوديين يأخذ الى معلومات مؤكدة عن نية وصول وزير الدولة السعودي تامر السبهان الى لبنان لتهنئة العماد ميشال عون برئاسة الجمهورية، وهو الذي كان سفيراً لبلاده في العراق.
مساعي بن سلمان التي تتكرّس أولاً واخيراً كمحصلة بوضع حجر أساس لعلاقة غير مباشرة مع إيران عبر بيروت، وتحديداً بتمرير السعودية لمبادرة أمين عام حزب الله بطرحه الحريري رئيساً للحكومة مقابل عون من دون عراقيل حتى الساعة تشي بنيات سعودية بفتح أفق ما مع إيران استفادت من جعل لبنان مدخلاً لها، حيث يتكفل الاستحقاق الرئاسي اليوم بإرسال رسائل متعددة إقليمياً ليس أقلها استحالة فصل ملف لبنان عن ملفات ذات أهمية مطلقة في المنطقة مثل الملف اليمني، حيث يعتبر الملف الأول للرياض. وهو الملف الذي يعتبره بن سلمان حربه «الداخلية» في الديوان الملكي و«الخارجية» لبلاده في موقعها الجديد بالخليج.
وقد كشفت معلومات في مرحلة سابقة أنّ بن سلمان، بعث برسالة لإيران عبر طرف ثالث للخروج من الأزمة اليمنية، ومن المتوقع أن يكون هذا الطرف هو سلطنة عُمان في محاولة لإيجاد وسيط مقبول من الطرفين قادر على إنجاز صفقة تفاهم بين البلدين من دون أن تنجح حتى الساعة، ولعلّ النافذة اللبنانية احد اهمّ مخارج المشهد المعقدة بالمنطقة بالنسبة للأمير المغامر محمد بن سلمان الذي أطال عمر الحرب في اليمن من دون ان يلتفت الى مفاجآت كشفت عنها القوة الصاروخية للحوثيين والقدرة التسليحية التي تبيّن انها قادرة على تغطية حرب قد تصل الى سنتين في ايّ لحظة يعاود فيها التباعد وسط مساعٍ أممية جديدة في اليمن يقودها المندوب اسماعيل ولد الشيخ احمد بالتوازي مع الإيجابية المطروحة في لبنان.
حصل الحريري على مباركة السعودية من جهة، ومن جهة أخرى استطاع إثبات انه لا يزال الطرف الذي يمكن للمملكة العربية السعودية الاعتماد عليه في لبنان، وان ايّ تفكير بدعم شخصية سنية اخرى لن يلقى قبولاً على الساحة اللبنانية. واذا كانت الرياض تطمح للعبور نحو مرحلة من التسويات في المنطقة، فإنّ هذا لن يكون دون الحريري الذي على ما يبدو تحمّل ما يكفي من إهمال السعوديين له دون استسلامه لا بالملف المالي ولا معنوياً، حيث تخطى مسألتين اساسيتين، الاولى إعلان إفلاس شركاته وإقفال بعضها وإخراجه من «سعودي اوجيه»، الامر الثاني تحليه بشجاعة الاعتراف امام تياره وعلى الهواء مباشرة أمام اللبنانيين بأنه أنفق ما يملك ولم يعد ذلك المتموّل الكبير، وهو ما يحمل أسئلة بديهية تضع علامات الاستفهام حول علاقة السعودية به وعدم مساندته مالياً وتركه في هذه المحنة، وما يعني هذا الإعلان من تأكيد على فتور هذه العلاقة.
يمرّ الاستحقاق الرئاسي في لبنان لأول مرة بلا تفاهمات خارجية بل بإحاطة لضمان النجاح في هذه الفرصة، فروسيا شجعت الحريري بعد لقائه لافروف بالإقدام نحو مبادرته لترشيح عون، وفرنسا أكدت ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية دون عرقلة الملف او التدخل لفرض مرشح او تسويقه، اضافة الى تشديد اممي محلي عبر مندوبة الامم المتحدة سيغريد كاغ بوجوب التخلص من الفراغ.
يدرك وزير الدفاع السعودي أنّ مستقبله السياسي يعتمد على نتائج الحرب التي خاضها في اليمن كوزير للدفاع، ويدرك ايضاً انّ عدم تلقف المسعى الإيراني غير المباشر في لبنان بانتخاب مرشح حزب الله رئيساً كمقدّمة لفتح افق جدّي يحلّ الأزمة اليمنية، بعد المأزق التي وضع الأمير المغامر بلاده فيها بمجزرة القاعة الكبرى المفصلية يعني اخذ الملف نحو المجهول من جهة، ويعني ايضاً ابتزازاً كبيراً من ولي العهد محمد بن نايف الذي يراقب عن بعد كيف يأخذ بن سلمان حكم والده نحو الانهيار، وكيف يعرّض نفسه للمحاسبة الداخلية من الأمراء المعترضين على تعيينه ولياً لولي العهد.
نافذة الأمل السعودي تنفتح من لبنان مجدداً ولا عراقيل سعودية، واليوم يبارك الامير «المغامر» مشاركة الحريري من وصفتهم بلاده بـ «المغامرين» أيّ حزب الله بعدما أصبحوا طوق نجاة للأمير.