ليبرمان يَرِثُ الخيار الأردني…!
عادل سمارة
ليس هذا الحديث في تفاصيل ما قاله ليبرمان لصحيفة محلية تنطق بالعربية، بل قراءة مبسطة في المناخات التي أحاطت بالمقابلة.
لم تخرج الصحيفة عن سياق تاريخها ابداً، وليس للصحافي ايّ دور سوى نقل الأسئلة والعودة بالأجوبة. فكما قال أحد نقباء نقابة الصحافة هنا قبل 30 سنة لمشغلته: «أنا تلفون قولي رن ب أرن». أما عن طريقة معاملة صحافييها، فيمكن لمن تركوا أو فُصلوا الحديث!
كلنا نتذكر انّ تلك الصحيفة كانت صحيفة خيار النظام الأردني في السبعينات حتى حينما كانت م.ت.ف في أوج كفاحها. وبهذا كانت مثابة جسر من الجسور المفتوحة بين العرب والكيان، جسر إعلامي مثل جسور دايان الإسمنيتة. نتحدث هنا عن نهج ودور لم تحد عنه هذه الصحيفة.
لا زلت أذكر أنّ هذه الصحيفة كانت في الفترة ما بين 1974 وما بعدها مضادة لتمثيل م.ت. ف للشعب الفلسطيني وكانت داعمة للخيار الأردني، بوضوح. فمن يرجع إلى ارشيفها سوف يجد ما يؤكد ذلك. وحيث كانت مع الخيار الأردني في فترة صعود المقاومة، فمن الطبيعي ان تكون مع الخيار الصهيوني في فترة تدهور المقاومة.
كنا في جريدة «الفجر» حينها في صراع مع هذه الصحيفة، وأذكر المقالات العديدة التي كان يكتبها جماعة النظام الأردني ومنهم د. واصف عبوشي من جامعة سنسناتي بالولايات المتحدة، والذي كنت ممن يردّون ضدّه حينها.
وإذا كان المناخ السابق قد ذهب بغضّ النظر عن كونه بقرار من مالك الجريدة أم بعلاقات ما، فماذا عن مناخ اليوم؟
مناخ اليوم قرّره وزير عدوان الكيان الصهيوني الإشكنازي كي يستكمل هجمته على الشعب الفلسطيني.
إنّ لليبرمان مشروعه، ربما الخاص به. فبمعزل عن صهيونيته وكونه مستوطناً أتى من مولدافيا إحدى الجمهوريات المنشقة عن الاتحاد السوفياتي لصالح الاستعمار الغربي، وتاريخ عمله كما يُقال «بودي غارد» إلخ… لكن مشروعه الموروث والخاص بدأ ربما قبل شهرين حين أعلن بأنه يشتغل على ما أسماه «نخبة مثقفين فلسطينيين» ليدخلوا الانتخابات ويفوزوا بقسط كبير منها.
المستوى الموروث من مشروعه عن سابقيه من القيادات الصهيونية وخاصة حزب العمل التي:
ـ من جهة اخترقت قطاعاً من المثقفين والأكاديميين والليبراليين في الأرض المحتلة.
ـ ومن جهة ثانية، ذهبت هذه القشرة بنفسها إلى حضن الكيان الدافئ دافئ لها فقط .
لن أذكر وأُعدّد اللقاءات والحوارات بين من أسميناهم في تلك الفترة بـ جهابذة الحوار الأكاديمي، والتي احتضنت كثيراً منها مستوطنة رحوبوت في المحتلّ 1948.
أما المستوى الخاص من مشروعه، ففي حديثه مع هذه الصحيفة عاد ليبرمان ليكرّر ما قاله قبل شهرين عن علاقاته وتواصله مع من وصفهم بـ «… مثقفين وأكاديميين متعلمين في أميركا يذهبون إلى المطاعم الفاخرة ورجال أعمال يقولون بان أبو مازن هو الذي يسدّ الطريق أمام السلام إلخ…»
لا يمكن قراءة ما قاله قبل شهرين وقبل يومين بأنه مجرد حديث عابر. بل إنّ العدو يعجم عيدانه من أجل هجمة جديدة تترافق مع تطورات هامة في المنطقة:
ـ نتيجة الانتخابات الأميركية وخاصة إذا ما فازت هيلاري كلينتون التي تعد بحرب على سورية، وبحرب على غزة تقتل 200 ألف بدلاً من 2000 في العدوان الأخير. ناهيك عن أنّ البنتاغون يجهّز لحرب عالمية.
ـ اتساع معسكر الصهيونية العربية وخاصة بالانضمام العلني لمعظم أنظمة دول مجلس التعاون الخليجي.
ـ انهيار جامعة الدول العربية بحيث صار من متطلبات أمينها العام أن يستدعي الناتو لاحتلال الجمهوريات العربية ليبيا، سورية العراق .
ـ اقتراب مؤتمر فتح في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل.
إنّ تركيز ليبرمان على معسكره من مثقفين وأكاديميين ورجال أعمال، إلى جانب نقده للمموّلين الأوروبيين والأميركيين بحجة أنهم لا ينقدون فساد السلطة هو مثابة طلب غير مباشر لتحويل قنوات التمويل إلى الكتلة الجديدة التي يدعمها ويرعاها وليس شرطاً ان يراهن عليها اليوم لضعف حواملها الاجتماعية. وإنْ كان من خلال حديثه عن الفساد وتذمّر الناس، ربما يراهن بأنّ فريقه يمكن ان يحصل على دعم ما.
وعليه، لماذا لا تكون هذه المقابلة هي بالون اختبار لموقف الفلسطينيين ليس من ليبرمان بل من فريقه المستور حتى الآن.
وليبرمان وقيادة الكيان هي خير من يعرف بأنّ أضعف خاصرتين فلسطينيتين هما:
ـ الخاصرة السياسية ممثلة في مختلف فصائل م.ت.ف وليس في السلطة فقط.
ـ والخاصرة الثقافية وهي التي يراهن عليها ليبرمان، وأعتقد أنّ من ضمنها كثير من مثقفي م. ت. ف.
وإذا صحّ هذا التحليل، فإنّ هذه الصحيفة قد انتقلت من ناطقة باسم الخيار الأردني إلى الترويج للخيار الصهيوني.
ليس بلا هدف أنّ ليبرمان في هذه المقابلة لم يترك فلسطيني إلا وجه له إهانة. هذا مع أنّ الإهانة الحقيقية هي للفريق الذي يرتبط به.
من المفيد أن أورد ما نقله الصديق زهير أندراوس من الناصرة المحتلة:
«… والأخطر من المقابلة، التي وصفها الإعلام الصهيونيّ بأنّها نادرة، هو قيام مُعدّ المُقابلة بالإدلاء بحديث صحافيّ للقناة الثانية بالتلفزيون الإسرائيلي، قال فيه إنه أُعجب جداً بمواقف ليبرمان، ولم يكُن على علمٍ بمواقفه في ما يتعلّق باستعداده لفتح ميناء بغزّة، إذا أوقفت حماس إطلاق الصواريخ…! وصحيفة يديعوت أحرونوت ، نشرت نبأ المقابلة أمس الثلاثاء على صدر صفحتها الأولى…
لا أعتقد بدوري أنّ معدّ المقابلة هو الأساس فيها. بل ما رشح من محيط تلك الصحيفة أنّ هناك آخر من مالكي الصحيفة كان في المقابلة، وقرّر عدم وضع اسمه لأنّ في المقابلة هجوماً حاداً ضدّ ابو مازن، ما اضطر محرّري الصحيفة إلى حذف الكثير من تلك التهجمات.
وعليه، فإنّ تهليل الصحافة الصهيونية للمقابلة يؤكد أنها كانت هادفة ومن أجل مشروع وليست مجرد خبطة صحافية كما يزعم أهل صحافة الكذب.
هل للصراع بين القديم الإعلامي والجديد دور في الذهاب إلى مقابلة مهينة لكلّ الفلسطينيين؟ لا سيما أن الصحافة الورقية غدت مكلفة وضعيفة المردود. فليست الصحافة العربية في الخارج وحدها التي تتلقى مالاً على ما تنشر. هذا من جهة، كما ليس حكام الخليج وحدهم الذين يشترون صفحات في الصحف، فللحركة الصهيونية باع طويل في هذا من جهة ثانية. هل حصل هذا أم لا؟ من المؤكد أنني ممن لا يدرون.
الإعلام هو الفساد بعينه في هذا العصر. بل إنّ خطر الإعلام يتمدّد، في تشويهه وتسميمه للواقع والوقائع، ليشوّه او يعدم مصداقية ووثائقية عملية التأريخ. وإذا كان الإعلام البورجوازي الغربي والصهيوني يخدم طبقة محدّدة هناك، فللأسف فإنّ كثيراً من إعلامنا يخدم نفس الطبقات ونفس المعسكر ويتحوّل إلى حاضنة لتفريخ كوارث لا سابق لها.
بقي أن أقول، بأنّ أكبر كذبة قالها ليبرمان، وسجلتها عدة مرات تلك الصحيفة بأنه «مع دولة فلسطينية». ليبرمان مع دولة واحدة في كلّ فلسطين هي دولة اليهود…