خمرُ العراق.. كاسك يا وطن
نظام مارديني
شكّل قرار البرلمان العراقي «حظر صناعة واستيراد وبيع المشروبات الكحولية».. صدمة لشرائح كبيرة داخل المجتمع العراقي، وأثار جدلاً واسعاً ولا يزال، باعتباره اعتداءاً صارخاً على الحريات المدنية والحقوق الفردية، حتى أن الرئيس فؤاد معصوم اعتبر القرار «غير موفق». في حين حذّر الدكتور مهدي الحافظ وهو نائب عراقي من مخاطر مشاريع قوانين من هذا النوع على مستوى الاقتصاد.. ويبقى السؤال الذي يستدرجنا هو، هل انتصر الفكر الداعشي داخل البرلمان العراقي الذي يتوزّع نوابه على أساس الحصص المذهبية والطائفية والعرقية؟ وهل يتباهى نواب العراق من خلال قانونهم هذا، بتسلّطهم وجهلهم أبجديات الحياة الاجتماعية؟
والغريب أن القانون الجديد «الداعشي» مُرِّر والعراق يدفع ضريبة الدم ضد «داعش»، فباسم الأخلاق والفضيلة حفر هؤلاء النواب تحت حقوق العراق المدنية، جارفين الدستور مثلما جرف التنظيم الإرهابي، البساتين العامرة والمثمرة.. وهم أنفسهم مَن سرق الدولة، هم السماسرة، لصوص النفط، مهرّبو العملة الصعبة، أصحاب العقارات في العواصم العربية والأجنبية، ولاحسو أحذية الاحتلالات الأميركية والتركية والصهيونية.
إن ميكانيكيا العنف هي نفسها ميكانيكيا المنافقين والكذابين.. أولئك المتظاهرون بالتقوى يولّدون جيوشاً من «المتقين» حاملي سيوف الفضيلة الذين يقتلون بدم بارد ثم يشربون الويسكي أو يوزعون ما بينهم أسلاب السرقات.. إنّهم يوسعون «الطرة السوداء» على جباههم زوراً وكذباً.
أليس غريباً أن يأتي هذا القرار والعراق هو أصلاً مَن اكتشف هذا النوع من المبهجات، وإسلامه «الحنفي/ مذهب أهل العراق لم يحرِّمه»، وكان العمال في بابل وقت فرصة غدائهم، يُمنحون قرصَيْن من الخبز وطاسة من الجعة، التي كان السومريون اكتشفوها من قبل، ولعل أهم المشروبات التي يتداولها العراقيون وتقابل بفخر «الويسكي» الأوروبي، و «الفودكا» الروسية، هو العرق، علماً بأن أياً من المشروبات المذكورة، لا تقارب أسماؤها اسم بلد، صناعتها.. «عرق» و «عراق». تُرى هل هو متأتٍ من «تعرّق الجسم» أم من «الأعراق»؟ المصدران يعنيان العراق ويلتقيان عنده، فهو بلد التعب والنصب والتعرّق الشريف، وهو بلد «الأعراق» والأصول نباتاً وبشراً، ما يجعل «العراق» و «العرق» من منبع وأصل واحد، كما يقول الباحث عبد الأمير الركابي.
في الدول المدنية سواء مُنِعَت او أباحت، والمباح أكثر من الممنوع، ثمّة في الحالين قانون صارم يلاحق المخالفين للضوابط القانونية والأخلاقية، يحمي الحرية من الفوضى والعدوان.. أما في دول الممنوعات فأسوأ أنواع الموبقات تنزل تحت الأرض، تحميها السلطات التي تتسلّم الرشى. وليس غريباً هنا أن أفضل أماكن للشرب والتسلية الليلية تتم في الدول ذات التوجه الطائفي والمذهبي! حتى أن الباحث المصري اليساري الشهير د.سمير أمين أورد في أحد كتبه معلومة مهمة جداً من إحصائية مشابهة تؤكد أن المملكة السعودية ومعها مجموعة دول الخليج تستهلك 70 من الإنتاج العالمي من المشروبات الروحية.. والفاهم غير المغرض يفهم!
من حقّ تنظيم «داعش» أن يفرح، وهو يشاهد البرلمان العراقي يرقص التانغو على أنغام تراثه المتخلّف.. وهي رقصة تستحق أن نستشير فيها «فيفي عبده» و «دينا».. وكاسك يا وطن!