الحريري «رجل دولة» للمرة الأولى
روزانا رمّال
لم تكن المسؤولية التي وقعت على سعد الدين رفيق الحريري عندما اختارته العائلة لاستكمال مسيرة الراحل رئيس وزراء لبنان الأسبق مهمة سهلة. يروي مصدر مقرّب من عائلة الحريري لـ «البناء» مواقف ومحطات عن طبيعة تفكير سعد الشاب في تلك المرحلة وطبيعة عمله ونمط حياته، ويؤكد أنه لم يكن جاهزاً أبداً لهذه المسوؤلية الكبرى». ويتابع المصدر: «وأنا في منزل دولة الرئيس الشهيد رفيق الحريري نادى الرئيس ابنه سعد للتعرف عليّ، وبدا انّ الشهيد معجب بذكائه لكنه ذكاء لا علاقة له بالسياسة، كما يقول، فأتى سعد وسلّم علينا وعرّفه والده عليّ وكان يومها شاباً يعيش حياته بشكل طبيعي، حتى أنه كان يظهر بشكل عصري «بشعر طويل نسبياً ولباس شبابي مميّز». قال لي دولة الرئيس «هذا هو ابني سعد»، كان يفتخر به، ويريد التحدث عنه والتعريف بمزاياه. حدّثني دولته عن حادثة جرت بينه وبين سعد اكتشف عندها الرئيس أنه قادر ان يعتمد عليه «مالياً» إذا ما احتاج مبلغاً من المال أو السيولة إذا لم تكن متوفرة لدى الرئيس فضحك، وقال: «هيدا سعد… ما في أشطر منو إذا بطلب أي مبلغ «كاش» بيلبّيني فوراً خلال 24 ساعة، ولو كان ملايين».
يتابع المصدر «اكتشف الحريري الأب ذكاء الحريري الابن بإدارة الأعمال والأموال باكراً. وكان ناجحاً في عمله. فسألته حينها كيف هي علاقته بالسياسة، فأجاب الرئيس «لا علاقة له، كلّ اولادي هكذا. كلّ واحد فيهم اختار الحياة التي تناسبه ربما بوجودي هم يعتمدون عليّ، لم أشعر أنّ هناك من يستهوي السلطة بينهم».
اختارت العائلة سعد الحريري لاستكمال مسيرة والده، وقد بدا فعلاً غير ممسك باللعبة السياسية، وغير مطلع أصلاً على ما كان يجري. كان على الحريري أن يتأقلم مع هذه الأجواء بسرعة ويتحمّل مسؤولية بلد يكاد ينهار ويقرّر الأنسب للإبقاء على هذا البيت السياسي، بعدما قرّرت العائلة المغادرة الى الخارج والابتعاد، وهي التي وافقت على ان يتسلّم الحريري إرث والده بعد مباحثات داخلية ونصائح سعودية.
لم ينجح الحريري بقيادة هذا الإرث بالشكل الذي كان عليه، اضطر الى التعرّف إلى شخصيات وأمزجة لم يكن يعرفها. اضطر ايضاً، حسب المصدر نفسه، الى ان يُدخل على قصر قريطم بعض من كانوا «يحلمون» بدخوله في ايام والده فهناك بعض الأسماء التي كان الحريري يقول إنها لن تطأ منزله وهو حيّ. وجزء منها تموضع في 14 آذار لاحقاً وبرز من أصحاب الدم وتباكى كأنه من أهل الشهيد. يختم المصدر لـ «البناء».
استطاع هؤلاء الإحاطة به ونسف علاقات كان قد بناها والده مع رجال دولة أمثال أمين عام حزب الله والرئيس نبيه بري بشكل خاص الذي تدرّجت العلاقة معه لتشهد تحسناً تدريجياً كان بطيئاً جداً لسنوات.
ربما يكون الحريري معذوراً في عدم إلمامه بالسياسة وأهلها، وسرعة تموضعه بالخندق الذي أخذته اليه السعودية التي يجب عليه أن يؤكد وفاءه لوالده عبرها، والتي يبدو انه رأى انها الطريق الأقصر لإرضائه غافلاً أنّ العلاقة بين والده وبين السعوديين تختلف عن العلاقة بينه وبينهم. فالحريري الابن لم يعش مع المملكة العربية السعودية منذ 6 سنوات لحظة «استقرار أو قرار»، ولم يشعر انّ الأمراء هناك يعاملونه مثل ما كانوا يعاملون والده، فسعد بالنسبة اليهم هو سعد الصغير الذي كان صديقاً لأبنائهم.
عاش الحريري تدهوراً مالياً ونفسياً بعد أن صبّت المملكة كلّ اهتمامها على الأزمة السورية، وبعد أن دعته للدخول المباشر فيها، فأنفق ما أنفق من مال على مؤسسات إعلامية ومحاور أمنية وخسر ثروته من دون أن يسترجعها منها، وكان لوفاة الملك عبدالله الأثر البالغ او ربما الضربة القاضية التي جعلت من الحريري آخر خيارات الحكم السعودي الحالي.
حاول الحريري جاهداً التقرّب من الفريق الحالي بقيادة الملك سلمان، وهو الذي خسر العلاقة مع ولي العهد محمد بن نايف بسبب استجوابات المحكمة الدولية من دون أن يستسلم عندما صدّت بعض الأبواب ورفضت مساعدته مالياً وسحبت منه نفوذه في شركة «سعودي اوجيه» وأصبح إفلاس الحريري على كلّ لسان.
أكثر مَن يواجهه اليوم الحريري بشجاعة هو طاقم الإدارة الحاكم في الرياض، وهو يبدو اليوم امام فرصة تاريخية للإثبات للمرة الأولى لهم انه «رجل دولة» يخطو خطى رفيق الحريري ويصنع مستقبله السياسي من الباب العريض ليصبح شريكاً للسعودية، وليس تابعاً لها في لبنان، فالسعودية لم تكن قادرة على فرضه رئيساً للوزراء، ولم تكن تتأمّل من حزب الله او إيران القبول بهذا الأمر لينقذ طرح السيد نصرالله الحريري بصفقة تأتي بالعماد عون رئيساً للجمهورية مقابل ترؤسه للحكومة مجدّداً.
يثبت الحريري اليوم للمملكة أنه موجود بالمعادلة السياسية اللبنانية مهما حاولت تحجيمه أو بالحدّ الأدنى تجاهله أو استبداله.
يهدي سعد الحريري للمرة الأولى نفوذاً للسعودية في لبنان ويحافظ على وجودها وليس العكس! هكذا فعل والده مدخلاً السعودية إلى لبنان، عبره.
الحريري اليوم يعرف مصلحته جيداً ويريد استعادة ثروته ونفوذه، هو يميّز اليوم جيداً بين العيش المشترك والتصادم ويحمل خبرة لأكثر من عشر سنوات!
الحريري أمام فرصة أن يصبح «رجل دولة» للمرة الأولى…