الكلمة الفصل إشارات الصراع… واستثمارها!
معن حمية
المواجهات الكبيرة لا تُحسم سريعاً، فهي قد تستمرّ سنوات وعقوداً، لكن سياقها يوّلد إشارات تشي بنتائجها، وعلى هذه الإشارات تُبنى مواقف وتتشكل اصطفافات.
المواجهة في المنطقة، لا تزال شديدة الوطأة، فالولايات المتحدة الأميركية تقود تحالفاً دولياً وإقليمياً وعربياً، من ضمنه القوى الإرهابية المتعدّدة الجنسيات، وهي أيّ أميركا لا ترى في تعثرها وانتكاساتها الكبيرة فشلاً لمشروعها في المنطقة، كما أنّ الحرب الإرهابية على بلادنا لن تتوقف لمجرد أنّ المدافعين عن هذه البلاد، جيوشاً وقوى يتقدّمون في الميدان، ما يعني أنّ الصراع لا يزال على أشدّه.
هذا الصراع المفتوح والمحتدم، يشي بأنّ المشروع المقاوم في بلادنا يتقدّم، وأنّ المشروع الآخر الأميركي ـ الصهيوني الإرهابي يتخبّط ويتعثر، وطبيعي أن تتأسّس على هذا الواقع معادلات سياسية، تأتي لصالح القوى المنضوية في مشروع المقاومة، وتفرض على القوى التي تستشعر فشلاً لرهاناتها، أن تختار بيت طاعة ، بعدما انسدّ أمامها الأفق الذي كانت تراه واسعاً.
ما هو مؤكّد، أنّ لبنان ليس بمنأى عن التأثر بالإشارات، فالمراهنون على سقوط الدولة السورية خسروا الرهان. سورية، رئيساً وقيادة وجيشاً وشعباً، صمدت بوجه حرب كونية، شاركت فيها أكثر من ثمانين دولة، ومئات المجموعات الإرهابية المتطرفة. وهذا الصمود السوري عطّل عدّاد المراهنين على سقوطه وأسقط أوهامهم.
ولأنه لبنان، فالفرص لا تضيع من أمام الذين يخسرون في رهاناتهم. ولا غرابة حين نرى الخاسرين يتبجّحون بأنهم منتصرون…!
النظام الطائفي في لبنان، ببنيته وتركيبته، بارع في صياغة المفاهيم التي تضمن ديمومته، مفاهيم تناقض حقيقة الوحدة الروحية الاجتماعية وتروّج لمبدأ الشراكة . وكلما أراد هذا النظام الطائفي تجديداً في مسار التأبيد، يدفع باتجاه توترات تهدّد بانفضاض الشراكة ومن ثم إعادة تأسيسها على المحاصصة والفساد. ومع نظام طائفي مغلق كهذا، لن يصل اللبنانيون إلى دولة مواطنة حقيقية.
إنّ انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان هو أمر ضروري ومصلحة وطنية، وكلّ تأخير في إنجاز هذا الاستحقاق، يزيد من حال الاهتراء واستشراء الفساد في كلّ المؤسسات، ويمنح القوى الطائفية والمذهبية فرصة الانقضاض على مشروع وفكرة الدولة.
لبنان بحاجة إلى كلّ عوامل التحصين، والتحصين يتطلّب حواراً وطنياً وتفاهمات واسعة وشاملة حول ما تقتضيه المصلحة الوطنية. فالمصلحة الوطنية تتحقق بدولة مدنية ديمقراطية عادلة وقوية، وبحياة سياسية تتصارع فيها الأفكار والبرامج. وكلّ ذلك لا يتمّ إلاّ من خلال تشريعات جديدة تصون حقوق الأفراد، وتحقق صحة التمثيل وعدالته، وهذا يحتاج حكماً إلى قانون انتخابات نيابية على أساس النسبية من خارج القيد الطائفي ضمن لبنان دائرة واحدة.
لكن، هل كلّ القوى تريد قانوناً جديداً للانتخابات النيابية يحقق صحة التمثيل…؟ وهل كلّ القوى تريد أن يكون لبنان قوياً بجيشه وشعبه ومقاومته؟ وماذا عن الخيارات والثوابت والتمييز بين العدو الصديق؟
الأجوبة عن هذه الاسئلة كان يجب أن تتحدّد من خلال الحوار والتفاهمات، لا أن تبقى حبيسة أطرافها، لتشكل أسباباً لانفجار الأزمات…
عوداً على بدء، وربطاً بإشارات المواجهة في المنطقة، يقع إعلان سمير جعجع تأييده ترشيح رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون لرئاسة الجمهورية، إعلان لم يفهم النائب سعد الحريري دوافعه في حينه، فردّ على صاحبه بعبارة، «أديش كنت وفّرت على … لبنان».
وضوح إشارات الصراع عادت ودفعت بالحريري ذاته، إلى أن يذهب بداية باتجاه ترشيح النائب سليمان فرنجية للرئاسة، ومن ثم تأييد ترشيح الجنرال عون.
في الحالين يبدو أنّ مَن استثمر في إشارات الصراع، هم الملتفون على الرئيس لا حوله…
عميد الإعلام في الحزب السوري القومي الاجتماعي