على قدر أهل العزم تأتي العزائم…
حسن الخنسا
يمتلك لبنان مواهب فنية عالية في مختلف أنواع الرياضات، وخير دليلٍ على ذلك تعادل منتخبنا الوطني لكرة القدم مع منتخب البرازيل الأولمبي أول من أمس بهدفين لمثلهما، وغيرها من الرياضات كالسباحة والتنس وكرة الصالات إلخ… لكن غياب الدولة عن رعاية تلك المواهب دفعت بشباب الحاضر والمستقبل إلى استغلال طاقاتهم في عنف الشوارع بدلاً من فنون الملاعب.
الشباب بكلّ ما لهذه المرحلة العمرية من حيوية وطاقة ومخزون عظيم، كم من عالِم وحكيم ربط آفاق المستقبل بهذه الفئة؟ كم من البحوث تناولتها؟ كم دراسة أعدّت لتوظيف إمكاناتها؟ طاقات الشباب إذا ما استُثمرت هل تبدع؟ أم تخيّب الظنون؟!
بعض دارسي حركات الاحتجاج التي عمّت العالم العربي في السنوات الأخيرة أرجعَ جوهرها إلى إهمال طاقات الشباب وعدم توظيفها في نواد للفن والأدب والثقافة والرياضة. وآخر مثال يصلنا نتيجة هذا الإهمال هو انتشار الفوضى في الأيام القليلة الماضية في شوارع الضاحية الجنوبية إثر ذبح الجندي اللبناني الشهيد عباس مدلج على يد تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام «داعش»، فقد خرج الشبان في تلك المناطق لإحراق الدواليب بغية قطع الشوارع احتجاجاً على تهاون الدولة اللبنانية مع الإرهابيين، وقاموا بضرب العمال السوريين بطريقة مذلة ومهينة تهين ممارسيها ليس إلا بالطبع من دون الاكتراث بأنّ من يُضرب هو إنسان قبل كلّ شيء، ظناً منهم أنهم بذلك يضغطون على تلك التنظيمات الإرهابية للإفراج عن العسكريين.
الأغرب من ذلك قرارات سبق أن صدرت من بعض البلديات بمنع تجوّل المقيمين السوريين بعد الساعة الثامنة مساءً، بدلاً من أن تقوم البلدية بواجبها الأخلاقي بالمحافظة على أمن هؤلاء عبر الأجهزة الأمنية المنوطة بذلك.
هنا تبادرت إلى ذهني أفكار عدة إذا ما غضضنا الطرف عن – تذكّر استقبال السوريين للنازحين اللبنانيين أثناء العدوان «الإسرائيلي» على لبنان وما قابلهم به اللبنانيون – فلا يمكننا التغاضي عن أن من يقوم بهذه الممارسات هم شبان لبنانيون، وإذا تذكرنا قول جورج شابمان: «يظن الشباب أن كبار السن حمقى، أما كبار السن فيعرفون أن الشباب حمقى»، فأين هو دور كبار السن من الرجال الحكماء؟ أم أنهم يوافقون على ما يقوم به هؤلاء بل ويشجعونهم على ما هو أسوأ منه؟
المشهد الثاني الذي استفزني هو ضرب العمال السوريين وإهانتهم في الطرقات، وكأنهم هم من خطفوا الجنود اللبنانيين وقاموا بذبحهم ـ متناسين أن من ذبح علي السيد وعباس مدلج لبناني اسمه بلال عمر ميقاتي ـ هذا عدا عن الصمت الذي انتاب الأجهزة الأمنية حيال هذا الأمر، وعدم قيامها ولو بخطوة صغيرة لمنع هؤلاء المتهوّرين من جرّ البلد إلى ما لا تحمد عقباه.
ما هكذا يكون ردّ الجميل يا أبناء لبنان العظيم، وعلى قدر أهل العزم تأتي العزائم. و«اللي زعلان كتير عالعسكريين وأهلهم ومنو قادر يتحمل الفاجعة» فليحمل سلاحه ويتوجه إلى جرود عرسال لتحريرهم من يد الخاطفين والذخيرة «علينا يا قبضايات»، هذه المواقف تذكرنا بسلوك شبان تيار «المستقبل» بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري حيال العمال السوريين الذين قضوا رمياً «عن سطوح البنايات»، وكنتم إذذاك تنتقدونهم. وإذا كان «مصير كل أمة يتوقف على شبابها» بحسب غوته، فأي مستقبل ينتظر أمتنا؟
إن العودة إلى ما قاله مفكرونا خير من إعادة التاريخ وعدم الاستفادة من التجارب التي لو نظرنا إليها نظرة العابر لا نظرة المتأمل، لما كنا وصلنا إلى ما نحن عليه فـ«كل غلطة جديدة تكلف الشعب سنين عديدة من الشقاء والتذمر دون جدوى، واتقاء الأغلاط خير من معالجة نتائجها. فليتبصر الشعب وليميّز بين العاملين لقضيته وبين العاملين لمنافعهم ونفوذهم» هذا ما قاله زعيمنا سعاده، وهذا ما نحب أن نردّده، فهل بقي من أهل العزائم أحد؟