بين واشنطن وموسكو «قطبة مخفية» ماذا عساها تكون؟

روزانا رمّال

تحدّث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في اليومين الماضيين صراحة عن «فشل» المساعي بين بلاده والولايات المتحدة الأميركية للتوصل الى حلّ بشأن ادارة العمليات العسكرية في سورية، وبشأن التعاون من خلال عمليات عسكرية مشتركة بين البلدين للتخلص من الإرهاب، معلناً أمام خبراء روس في جنوب روسيا أنّ محاولاته للتوصل إلى اتفاق مع الرئيس الأميركي باراك أوباما لوقف سفك الدماء في سورية لم تنجح، وأن لا خيار أمام بلاده سوى «تطهير» ما أسماها «وكر الإرهابيين» في إشارة منه لأحياء حلب الشرقية المحاصرة من قبل الجيش السوري وحلفائه.

بوتين قال إنه «في حقيقة الأمر لم تتشكّل جبهة موحّدة لهزيمة الإرهاب، هناك قوى في واشنطن بذلت قصارى جهدها لضمان ألا تنجح اتفاقاتنا».

يلفت أنه في الوقت الذي كان يعلن فيه الرئيس الروسي عن فشل المحادثات مع واشنطن كان يؤكد على الاستمرار في العمليات العسكرية في سورية عموماً وشرق حلب خصوصاً، وكأنه يقول إنّ فشل المحادثات يعني استمرار روسيا بعمليات التطهير من دون أن تأخذ بعين الاعتبار ايّ مشاركة أميركية على هذا الخط وبمعنى آخر يبدو أنّ المعركة بالنسبة لموسكو لا تتوقف عند مشاركة واشنطن من عدمها، ما يعني أنّ القرار الروسي متّخذ بمعزل عن أيّ نجاح في المفاوضات بين البلدين.

يبرز هنا حساب من نوع آخر يضعه بوتين على الطاولة يتعلّق بطبيعة الوجود الروسي في سورية زماناً ومكاناً وغاية وبطبيعة التنازلات الممكنة بالنسبة لروسيا، وإذا تمّ تفنيد الحضور الروسي وحيثيته فسيتضح انّ الوجود الروسي في سورية هو وجود دائم ونهائي تعرف واشنطن به وتدرك استحالة العودة الروسية الى الوراء وكان قد أعلن وزير الدفاع الروسي عن قاعدة روسية دائمة في سورية منذ شهر تقريباً.

على هذا الأساس فإنّ العمليات العسكرية الروسية المشتركة بينها وبين إيران وحزب الله مع الجيش السوري على أرض بلاده هي شراكة طويلة الأمد ولا تتعلق بأيّ مفاوضات تديرها روسيا مع الغرب التي كان من المفترض أن تؤدّي دوراً آخر تستفيد منه واشنطن، وليس العكس، بالملف السوري فتدخل ميدان مكافحة الإرهاب من بوابة حلب، حيث المعركة الأكثر تأثيراً في الأزمة السورية. فالأوساط الديبلوماسية المطلعة بالفترة الماضية على محادثات جنيف بين الأميركيين والروس تحدثت عن رغبة بشنّ عمليات مشتركة بالرقة السورية بعد ان يكون الاتفاق حول حلب قد توضّح وتبلور فتدخل واشنطن الانتخابات الأميركية داعمة للمرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون بإنجاز القضاء على معقل داعش في الرقة، فالمجتمع الأميركي يتأثر منذ حادثة 11 أيلول/ سبتمبر 2001 بتحديات وإنجازات من هذا النوع تبعد خطر الإرهاب عن بلادهم.

هكذا تباهى الرئيس الأميركي باراك اوباما ورفع من شعبيته ابان ترؤسه ولاية ثانية، بعد وعود بهذا الأمر بالتخلص من اسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة بعد مطاردة دامت أعواماً تمكنت أخيراً وحدة من القوات الخاصة الأميركية من قتله في عملية نفذت على أراضي باكستان بالتعاون مع الاستخبارات الباكستانية.

لا تزال معركة الرقة اذاً واحدة من حسابات واشنطن الانتخابية واستحقاقاً لأيّ مرشح ممكن أن يفوز بالانتخابات الرئاسية الأميركية، فأهميتها تتطلب قطف «رمزية» التخلص من «الدولة» المتطرفة لتكشف واشنطن هنا عن سبب توجهها لقتال داعش في الموصل بدلاً من البداية في الرقة، كما كان مفترضاً وفق المعلومات التي سرّبت عن لجنة الخبراء المشتركة التي أنتجت تنسيقاً في مسألة القتال في العراق قبل الانتخابات.

بتحويل الهدف الأميركي من التنسيق في سورية وحلب تحديداً وصولاً حتى الرقة نحو الموصل، تبدو واشنطن وكأنها انسحبت من الملف السوري خصوصاً الحلبي بشكل صريح بإعلان بوتين ذلك وتتكشف هنا نيات واشنطن تسليم الملف بالكامل لروسيا، هذا ما يؤكده الفشل في فصل المعارضة السورية عن الإرهاب بين نصرة وداعش، وهو طلب روسي قديم لم تتمكّن واشنطن من تحقيقه حتى الساعة وعلى ما يبدو تتراوح أسبابه بين محطتين أساسيتن:

اولاً، أن تكون واشنطن غير مستعدة للمزيد من الضغوط على حلفائها الميدانيين على الأرض لتعدّد الجهات الداعمة واعتراض بعضها رغبة بالحصول على ضمانات أبرز الجهات «إسرائيل» وتركيا.

ثانياً، أن تكون القطبة المخفية من وراء الإعلان السلس عن فشل المحادثات هو التوجه الأميركي بالاتفاق مع الروسي للقضاء على المعارضة على الأرض وسحب التغطية بالكامل عن مختلف المجموعات، ما دامت روسيا وحلفاؤها مستمرين في العمليات دون رادع، وهو ما سيؤكد عودة الطيران الروسي للأجواء الحلبية اذا لم يحصل ايّ مستجدّ بالفترة القليلة المتبقية قبل الانتخابات الأميركية، وهو ما يبدو مستبعَداً.

نجحت واشنطن بتحويل الأنظار نحو الموصل، لكنها نجحت ايضاً بتمرير أولى رسائل التعاون العسكري غير المباشر مع إيران والجهات المشاركة بالقتال إلى جانب الجيش العراقي وهي الحشد الشعبي، وما يعنيه من فتح الاحتمالات على مصراعيها، فالفشل في التنسيق في سورية لم يوصل إلى فشل مماثل في العراق.

مسألة تفويض روسيا للملف السوري ميدانياً باتت إحدى المسلمات بالنسبة للأميركيين الذين على ما يبدو اقتنعوا باستحالة قلب المعادلة، واقتنعوا أيضاً بالحدث الأهمّ وهو الوجود الروسي في سورية، وربما هم أكثر العارفين بتداعيات هذا بالنظر للدخول الأميركي للعراق.

أحداث مثل وصول حليف حزب الله لسدة الرئاسة اللبنانية تشرح أيضاً الكثير مما يُخفى ضمنية بإعلان فشل من هنا أو هناك ليبدو الأمر في حالتي لبنان والعراق تنسيقاً أكبر من تحت الطاولة…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى