لمسة دفا..
يعقوب مراد
/.. الوطن قيمة يا صديقي..
لا تقل ماذا أعطاني وطني؟
بل قل ماذا أعطيت أنا وطني.!؟../.
لمسة دفا… بعد سلسلة من الانكسارات والهزائم، والصدمات المتلاحقة، غير المتوقعة، بسبب انتحار الضمير الإنساني بكل ما يحويه من إنسانيتنا المعذبة التي كنا نتمنى أن نعيشها بالمحبة والأمل بفرح يرسم أحلامنا بعفوية لحظة حب صادقة..
من هذا المخاض كانت ولادة مبادرة إنسانية من رحم الشام أطلق عليها اسم «مبادرة لمسة دفا»…
ولأن الناس، كل الناس يحتاجون إلى الحب.. بل صاروا في حاجة ماسّة إلى من يذكّرهم بعواطفهم الإنسانية التي ضاعت منهم في زحمة الماديات، وغربة الروح.. كان لا بدّ من مبادرة لمسة دفا… ولأن منح البهجة للنفس.. هو تطويع ذاتي لكسر حدة الأحزان العميقة..!
كانت مبادرة سيدات دمشق بمبادرة لمسة دفا..
ولأن هناك الكثير من الناس، وإن اختلفت ظروفهم وإمكانياتهم بحاجة لمن يخفف عنهم، ويقف معهم في مصابهم ليكونوا لهم متنفساً لمشاعرهم الحزينة لما أصابهم من جراء ما يشهده الوطن من موجة عنف ورعب وتخوين وقتل طال شرائح مختلفة من المواطنين، فقضت نار الفتنة على أرزاقهم، أو فقدوا أحبّة لهم بتفجيرات شيطانية غريبة على واقعنا وحياتنا، كان لا بد لمن يقف معهم ليرموا عزلتهم، ويواسوهم في أحزانهم، ويساعدوهم في تعويض بعض ما فقدوا، ويتسلحوا ببهجة النفس، ليعودوا للحياة متصالحين مع أنفسهم أولاً، ومع الحياة ثانياً.. ولهذا كانت مبادرة لمسة دفا..
ولكن ما هي مبادرة لمسة وفـا؟…
لمسة دفا.. تعرّف نفسها بأنها مبادرة إنسانية تنموية تهدف الى خلق حالة ديناميكية إنسانية عبر التنسيق مع شبكات مثل مجلس الشباب السوري وهيئات وجمعيات ومدارس وأفراد من أجل التعاون والتتسيق للعمل الوطني من جهة، وللعب دور إيجابي في المجتمع من أجل التصدي للأعباء المعيشية عبر تلبية الاحتياجات الأساسية من جهة أخرى. كما تطمح المبادرة إلى تطوير مفهوم الإنسان السوري ودمجه بمقاربة تنموية اجتماعية الهدف منها التعاطي المباشر مع مشاكل المجتمع، وتحقيق أفضل النتائج على المدى الطويل.
وهكذا نجد أن المجتمع السوري مجتمع خلاق، مازال حريصاً على الاهتمام بأمر أهله وجيرانه وأهل حارته وبلده. هذه الألفة الاجتماعية الإنسانية النادرة، والتي كنا ومازلنا نفخر ونفتخر بها، ونحرص عليها على مر الأجيال، رغم تلوّن شرائح المجتمع ومعتقداته، وانتماءاته الدينية والفكرية والاجتماعية، الا أن احترام الآخر كان السمة المحبّبة، وكان شعارهم الدين لله والوطن للجميع، ولكن كان هناك مَن لم يعجبه ذلك فظل سنوات وسنوات، يحاول ويحاول كسرها، وإلغاءها من حياتنا من خلال التشكيك في الآخر، وفقد الثفة بالناس، ولكن لا.. أثبتت المحنة الصعبة والتي تشهدها البلاد لأول مرة بأن هناك من يؤمن بأن القدرة في ذات الإنسان غير المنظورة، هي قدرة الإنسان في تبديل لحظات الضعف الإنساني الى لحظات قوة إنسانية، انبثقت من أعماق السوريين، وكان منهم مجموعة من سيدات دمشق اجتمعوا ليطلقوا «مبادرة لمسة دفا».. لتمد جسور التواصل الإنساني، ولتعزز الدفء بينهم، وبين من أظلمت الدنيا بوجوههم، وتحطمت آمالهم ومشاعرهم التي أصابها الجفاف. وهذه هي أهم مفاتيح الإنسانية التي تشرّع لهم، ولنا بوابة الحب، والدفء، والعشرة، والقفز الفوري من حافة الحياة الى عمقها، وتعطينا معاني الرغبة في استئناف حياة جديدة، ولتدفع عذاب الألم في مواجهة طعم الحياة… وهنا يبرز السؤال الأهم: مَن هم مؤسسو لمسة دفا..!؟
شخصياً أعرف بعضهن، وأعرف وطنيتهن، ومحبتهن، وغيرتهن على بلدهن، وأهل بلدهن، وأعرف فكرهن المتأصل بحب الناس، وهذا ليس غريباً عليهن، فتاريخ عائلاتهن الكريمة والعريقة يشهد بأنها من رموز وأعلام هذا الوطن، وقدمت للوطن على مر الزمن، ولهذا لم أفاجأ حين رأيت بعضهن في مقابلة على تلفزيون الدنيا يتحدثن بإنسانية رائعة جعلت الدمعة تترقرق في عيني، وأهتف: الله محيي الشام، ، وأهل الشام، وسيدات الشام.. وأحبك يا شام.
وبكل بساطة وتواضع هناك بطاقة تعريف في صفحة الفايسبوك تقول: مجموعة من سيدات دمشق من خلفيات مختلفة تملكن تعددية في الخبرات والآراء والاهتمامات، التزمن بهدف: هو التحرك من أجل اتخاذ مكانهن الطبيعي في الأزمة الراهنة، عبر التعاطي مع الأوضاع الصعبة بشكل إيجابي، فتوجّهن عفوياً نحو العمل الإنساني ومساعدة المحتاج وبث روح التشاركية في العمل الإنساني الاجتماعي التنموي في سورية الحبيبة.
اذن لمسة دفا.. هي عبارة عن مبادرة مجموعة من نساء دمشق، نحن اليوم بأمسّ الحاجة لها، كما نحتاج لمزيد من المبادرات المدنية الإنسانية. وكل إنسان، أينما كان يستطيع أن يعمل شيئاً، يقدّم شيئاً ما، مادياً أو معنوياً، بسمة أو لمسة دفا.. تكفي لإنعاش الأمل في نفوس الآخرين.
نعم نحتاج لمثل هذه المبادرات الإنسانية، ونشدّ على أيدي كل الذين ساهموا وشاركوا في بناء هذا المبادرة، وبعض إنجازاتها التي بدأت تظهر، وتعطي ثمارها. ونشجع للتعاون معهم، وفي هذا الوقت بالذات لنكون كلنا يداً واحدة، ولنساهم في تخفيف، ولو جزء صغير من هذا الكمّ الكبير من الحقد والكره والقتل والتجييش الإعلامي الذي ساهم في فقدان الثقة والأمان.. ولتبقى سوريا مهد الإنسانية.
كاتب سوري مقيم في السويد