«السبهان» حضر جلسة انتخاب الرئيس

روزانا رمّال

لم يأت وزير الدولة السعودية الى لبنان ثامر السبهان كموفد للتهنئة، كما أشيع قبل وصوله من قبل المعنيين، فالزائر غادر بيروت من دون أن ينتظر انتخاب الرئيس العماد ميشال عون بفارق ساعات، وهو يعرف النتيجة مسبقاً. ولم يحضر الجلسة في مجلس النواب حتى بين الزوار، يقول السبهان في هذا انّ ما يجري ليس برضى سعودي، لا يريد السبهان الجلوس في موقع، حيث لا تكون بلاده المملكة العربية السعودية أم العروس فيه.

غادر الوزير السعودي لبنان، لكن ظله بقي حاضراً في الجلسة، فنتائج الزيارة جاءت بالشكل الذي ترضي السعودية شكلياً، لكن ليس واقعياً، فالحسابات التي كانت تفترض وصول العماد عون من الدورة الأولى متخطياً التسعين صوتاً نسفت فجأة لتعاد الجلسة مرة واثنتين وثلاثاً. لا يتعلّق الأمر هنا بالمغلف الزائد الذي دسّه أحد النواب «الشماليين»، كما علمت «البناء»، فالأمر هنا مختلف عن حساب الأصوات والحادثتين لمخرجين مختلفين.

أكدت مصادر سياسية رفيعة لـ «البناء» تابعت الاستحقاق الرئاسي عن كثب، أن ما جرى في الـ 48 ساعة الأخيرة التي سبقت جلسة انتخاب الرئيس أشعَرَ المملكة العربية السعودية بالقلق. فالأروقة تتحدّث عن انتصار صفقة أميركية إيرانية في لبنان تحفظ لحلفاء إيران حلفاءهم، وتدرك الرياض أننا في زمن «الاتفاق النووي» حيث تغيّر كلّ شيء وتغيّر معه نفوذها في لبنان. لم تكن الرياض تريد انتصاراً إيرانياً مدوياً لها في بيروت، رغم معرفتها أنها غير قادرة على عرقلة تسوية من هذا النوع، فجاء مبعوثها ثامر السبهان ليطرح مخاوفه ويُعطي قبل جلسة الانتخاب هالة الحضور السعودي للإيحاء وكأن مباركة السعودية حاضرة، بالرغم من أنّ تصريحات السبهان لم تشر الى دعم الجنرال عون وهو الشخص الذي رست عليه الاتفاقات، يختم المصدر. تدرك السعودية ان الزمن تغيّر في لبنان وهي اليوم تغيّرت ايضاً وباتت ترضى بالقليل حتى ولو لم يكن فيه ما يغيّر النتائج، باتت المملكة تعيش على مفارقات هشة ليست كما كنّا نعرفها في ثقلها بملفات رئاسية من هذا النوع.

ابتسامات السفير الإيراني وارتياحه الشديدان في جلسة انتخاب الرئيس والحرارة لدى تهنئته تحكي الكثير مما يعني وصول العماد عون رئيساً للجمهورية. تتحدث صحيفة «بيزنس انسايدر» الاميركية قبل انتخاب عون بأيام عن «انقلاب إيراني سلس في لبنان يوصل عون للرئاسة ومعه حلفاؤه للسلطة، فعون حليف حليف إيران في لبنان وهو حزب الله».

تقرأ الإدارة الأميركية جيداً الذي يجري والذي اعتبرته اول مؤشرات المتغيّرات التي تقبلتها بالمنطقة فلا تسارع بالتهنئة، لكنها لا تعارض ايضاً، لم تصدر عن البيت الأبيض تهنئة فورية كما جرت العادة في الانتخابات السابقة، حيث كان لبنان محطّ اهتمام العالم، وبمعنى أدق عندما كان لبنان من «حصة» المعسكر الأميركي محلياً وإقليمياً.

وبفتور رحبت واشنطن أمس، بانتخاب عون رئيساً للجمهورية عبر اتصال من وزير خارجيتها جون كيري بالرئيس سعد الحريري. كيري أحد أركان الاتفاق الإيراني مع طهران حاول أن يعطي دعماً معنوياً للحريري فاتصل به قبل الاتصال بالعماد عون، باعتبار أنّ من فاز هو «مرشح الحريري» بالنسبة للأميركيين… هنّأ كيري الحريري مثنياً على «الدور الذي لعبه في وضع حدّ للشغور الرئاسي»، وقال إنه يعرف «انّ عون هو مقرّب من حزب الله، والأخير منظمة إرهابية حسب تصنيفنا، وأنّ هذا يشكل قلقاً بالنسبة إلينا»، لكنه رغم ذلك ما لبث أن اتصل بالعماد عون مهنئاً.

تهنئة واشنطن غير المقرونة بجمل اعتراضية على عون تؤكد أن الأمر قد «بُتّ». التوازنات تغيّرت وواشنطن مدركة لضرورة الشراكة مع إيران بالمنطقة. هذا هو تماما ما قاله الرئيس الاميركي باراك اوباما الذي ينتهي عهده قريباً والذي يبدو انه ترك وراءه أرشفة إنجاز عهده الوحيد في مجلة أتلانتك» «عقيدة أوباما».

المعسكر السعودي في لبنان لم يعد كالسابق. يبدو السيد نصرالله هو المنتصر، وهو إنجاز سياسي للحزب وانتصار المحور الموالي لإيران. هذا كلام المراقبين «الإسرائيليين» منذ اللحظة الأولى للإعلان عن النتيجة.

أول المهنئين لعون كان الرئيس حسن روحاني إلى جانب الرئيس السوري بشار الأسد، ومعهما قطر… التي باركت المصالحة المسيحية بين عون وجعجع بـ «الليلة البيضاء» ذاتها، وباركت معها خيار جعجع «الحكيم بدعم ترشيح عون عبر وزير خارجيتها الذي لفت الأنظار بتصريحه واضعاً الأسئلة حول دور قطر بتفاهمات من هذا النوع وما يعنيه للتسويات مستقبلاً.

حلفاء العماد عون الإقليميون أول المباركين، وبهذا ما يكفي للاشارة الى لحظة الانتصار وشكلها وهويتها بالنسبة لخط سياسي بأكمله. تكتفي السعودية اليوم ببعض المشاغبات والعرقلات، وقد تفعل الأمر نفسه في تشكيل الحكومة، لا شيء يضمن العكس، لكنها لن تقدر على تعطيل تفاصيل تسوية دولية بهذا الحجم..

انتقل شكل النفوذ السعودي في لبنان من «الحسم»، الى «المماطلة» بغية الهروب أكبر قدر ممكن من استحقاقات الأمر الواقع و«تأجيلها».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى