في ذكرى وعد بلفور المشؤوم

راسم عبيدات ـ القدس المحتلة

أكثر من مقالة كتبت حول ضرورة مطالبة بريطانيا بتحمّل مسؤولياتها التاريخية والسياسية والأخلاقية تجاه ما لحق بشعبنا من نكبات ومظالم مستمرة حتى يومنا هذا، فبريطانيا هذه الدولة الإستعمارية المارقة، هي المسؤول الأول والمباشر عن زرع دولة الاحتلال الإسرائيلي على أرض شعبنا وفي خاصرة أمتنا، ونتيجة لذلك لم يتعرّض شعبنا لنكبة واحدة باحتلال أرضه وإحلال المستوطنين الصهاينة مكانهم بعد طردهم وتهجيرهم قسراً عن ديارهم عام 1948، بل ما زالت نكباتنا مستمرة ومتواصلة، وما زالت بريطانيا الاستعمارية تدعم دولة الاحتلال الصهيوني، فاليهود عندما تعرّضوا لـ«الهولوكست» على يد النازية، ما زالت ألمانيا تتحمّل تبعات ذلك حتى اليوم وتدفع لهم التعويضات المالية وتقدّم المساعدات بشتى أنواعها المدنية والعسكرية لدولة الاحتلال.

أما نحن الفلسطينيون، فما زالت بريطانيا، ترفض تحمّل مسؤولياتها التاريخية والسياسية والأخلاقية عما حلّ بشعبنا الفلسطيني، نتيجة ما سمّي بوعد وزير خارجيتهم بلفور لرجل الاقتصاد والمال اليهودي روتشيلد، بمنحهم فلسطين أرضنا كـ«وطن قومي» لهم، ولذلك نحن كشعب فلسطيني علينا في ذكرى هذا الوعد المشؤوم، القيام بإطلاق حملة واسعة تمتدّ من 2/11/2016 وحتى 2/11/2017 وتشمل فعاليات متنوّعة تستمرّ على امتداد عام كامل لوضع المجتمع الدولي، وخاصة بريطانيا أمام مسؤولياتها التاريخية ودعوتها للتكفير عن الجريمة الكبرى التي ارتكبتها، ورفع الظلم التاريخي الذي لحق بالشعب الفلسطيني. ورفع قضايا عليها تلزمها بدفع تعويضات لمئة عام مقبلة عما لحق بشعبنا من ظلم واضطهاد، وهذا لن يتأتى إلا من خلال استنفار كلّ طاقات وإمكانيات شعبنا الفلسطيني في الداخل والخارج بقواه السياسية ومكوناته المجتمعية والمؤسساتية والشعبية والجماهيرية، عبر فعاليات متعدّدة ومتنوّعة يتكاتف ويتقاطع فيها الجهد الشعبي والرسمي، من أجل محاكمة بريطانيا وإلزامها ليس فقط بدفع التعويضات، بل تصحيح هذا الخطأ التاريخي والعمل على تمكين شعبنا الفلسطيني من تحقيق حلمه وحقه في دولة مستقلة على أرضه التي طرد وهجر منها.

وعد بلفور هو في الجوهر مشروع استعماري ألبس غطاء دينياً وأسطورياً زائفاً بهدف تحقيق المطامع الاستعمارية لبريطانيا وربيبتها الحركة الصهيونية، والتي لا تزال حتى الآن من خلال مشروعها الكولونيالي دولة إسرائيل مرتبطة بمصالح الرأسمالية المتعولمة المتوحشة وزعيمتها الحالية الولايات المتحدة الأميركية.

في ذكرى هذا الوعد المشؤوم، نجد بأنّ بريطانيا ما زالت من أكثر الدول عداء لشعبنا وتنكراً لحقوقه الوطنية المشروعة، ونحن نتذكر جيداً كيف عملت بريطانيا على تعديل قوانينها وتشريعاتها القضائية، من اجل منع اعتقال ومحاكمة قادة الاحتلال العسكريين والسياسيين وضباطه وجنوده ومستوطنيه المتهمين بارتكاب جرائم حرب بحق شعبنا، على الأراضي البريطانية، وكذلك هي من هدّدت نشطاء المقاطعة بالاعتقال، واعتبرت مقاطعة دولة الاحتلال اقتصادياً واكاديمياً وثقافياً وتجارياً إلخ… شكلاً من أشكال اللاسامية.

ودائماً وقفت الى جانب أميركا برفض ممارسة أية ضغوط او عقوبات على «إسرائيل»، نتيجة لخرقها القانون الدولي واستمرار احتلالها لأرضنا، وتكثيفها للإستيطان بشكل جنوني في القدس والضفة الغربية، وبما يلغي أيّ إمكانية عملية لتحقيق ما يسمى بـ»حلّ الدولتين».

ولم تتورّع بريطانيا عن وصف نضال شعبنا بـ»الإرهاب»، حتى في ظلّ الحرب العدوانية الأخيرة على شعبنا في قطاع غزة تموز 2014 «الجرف الصامد»، وجدنا قاتل أطفال العراق والمبعوث الخاص السابق للرباعية الدولية في المنطقة، توني بلير، ذهب لكي يتضامن مع مستوطني غلاف قطاع غزة ضدّ «الإرهاب» الفلسطيني في نصرة ودعم للجلاد على الضحية، ولذلك علينا الا نألو جهداً مع كلّ اصدقائنا في العالم، من أجل خلق رأي عام ضاغط على بريطانيا، حتى في بريطانيا نفسها، لحملها على تصحيح خطئها التاريخي، وإلغاء هذا الوعد المشؤوم، وتحمّل مسؤولياتها التاريخية والسياسية والأخلاقية، فهذا الوعد المشؤوم، لم ينتج عنه نكبة واحدة لشعبنا، بل استتبعتها نكبات كثيرة، فشعبنا في الخارج حتى في مخيمات اللجوء، لم يسلم من القتل والتشريد، وشعبنا في قطاع غزة يعيش في أوضاع شبيهة بالقرو وسطية، حيث البنى التحتية المدمّرة والطاقة والكهرباء المقننة، والحصار المستمر، وعجلة الإعمار الدائرة ببطء شديد، وأكثر من 70 ألف مواطن ممن دمّرت الحرب العدوانية الأخيرة منازلهم، ما زالوا في مراكز الإيواء، والنقص في الأدوية والخدمات الطبية والصحية، والبطالة والفقر بلغت أرقاماً قياسية، أكثر من 70 من أهلنا هناك يعيشون على الإغاثة والإعانات، وتمارَس بحقهم ليس فقط عقوبات جماعية، بل يتعرّضون لسياسة تطهير عرقي من أجل إحداث تغيير كبير في الواقع الديمغرافي لصالح المستوطنين، والضفة الغربية تغرق بالمستوطنين، لكي يكونوا دولة داخل دولة، والداخل الفلسطيني 48 لم يسلم من مشاريع التهويد، حيث مشروع «برافر» التهويدي للنقب، والنكبة استولدت نكبات متوالية، ما زال شعبنا يدفع ثمنها دماً وتضحيات ولجوءاً وتشرّداً وبعداً عن أرضه التي ولد فيها وترعرع عليها، ما زالت بريطانيا والمجتمع الدولي الظالم يتنكرون لحق شعبنا في الحرية والإستقلال، والعيش بحرية وكرامة في وطن مستقلّ، علينا ملاحقة بريطانيا في كلّ المحافل الدولية وتأليب الرأي العام عليها في بريطانيا وأوروبا والعالم الغربي والعربي والإسلامي، ليس لكي تصدر اعتذاراً، بل وعداً مضاداً يؤكد حق شعبنا وحق لاجئينا بالعودة الى أرضهم التي شرّدوا منها.

وفي ذكرى هذا الوعد المشؤوم لتكن شعاراتنا المرفوعة وحملتنا ونشاطاتنا مكثفة ومركزة على «نعم لمحاكمة بريطانيا الإستعمارية»، و«لتتحمّل بريطانيا الإستعمارية مسؤولياتها التاريخية والسياسية والأخلاقية عن نكبات شعبنا ومآسيه»، «بريطانيا ملزمة بدفع تعويضات لشعبنا لمئة عام مقبلة» و«بريطانيا ملزمة بتصحيح خطئها التاريخي وتمكين شعبنا من استعادة أرضه المغتصبة».

Quds.45 gmail.com

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى