مارون عبّود مكرّماً في «الندوة»
اعتدال صادق شومان
«على المحك»، «نقدات عابر»، «جدد وقدماء»، «الرؤوس»، «مجدّدون ومجترّون»، وسليل من تراث متنوّع شعراً وقصة ومسرحية ومقالة ونقداً ودراسات.
وجوه وحكايات، «أمّ مخول»، «معّاز الضيعة» و«نفخ ونفخ» و«دايم دايم»، بعض من عطاء مارون عبود 1886 ـ 1962 الثريّ، الأديب الناقد والمربّي من ذرية «الرواد العتاق»، من زمن النهضة الزاخر بالعطاء.
مارون عبود في الذكرى 130 لولادته، احتفلت به «دار نلسن» و«الجبهة الموحّدة لرأس بيروت»، في «دار الندوة»، وتناوب على الكلام في الاحتفال، القاضي غالب غانم، المربّي أنيس أبو رافع، والإعلامي وليد عبود. وكانت كلمة بِاسم الشاعر شوقي أبو شقرا بعنوان «الفكرة تحتضن الأرض» ألقاها نيابة عنه سليمان بختي، الذي قدّم تحية إلى قامة كالينبوع وقنطرة من الصعب تجاوزها في الثقافة والأدب والنقد والتربية والحياة. مارون عبود من تلك القناديل التي من دونها تأكلنا عتمة الدرب.
بـ«على مسؤوليتي»، استهلّ الدكتور غالب غانم كلمته، وقال: «ما سلم من مجهره وغارات قلمه كبار النهضويين العرب، في مشارق الأرض ومغاربها». وفي إشارة إلى الذين يضعون أنفسهم فوق مستوى النقد، ذكّر غانم بنخبة من كبار الأدباء الذين مارسوا حقّ النقد متى كان لا بدّ منه؟، مع مراعاة الموضوعية: كثيرون ممن ينسبون أنفسهم إلى الكتابة الإبداعية، يظنّون أنّ النقد ليس في صفوفهم ولا في ضفافهم. لم يقرأ هؤلاء على الأرجح طه حسين في «خصام ونقد»، وميخائيل نعيمة في «الغربال»، وبطرس البستاني في «الشعراء الفرسان»، وعباس محمود العقاد في «الديوان في النقد والأدب»، وعمر فاخوري في «الفصول الأربعة»، وتوفيق عواد في «فرسان الكلام»، ولويس عوض في «دراسات عربية وغربية»، ورئيف فاخوري في «وهل يخفى القمر»، وسعيد عقل في مقدّمة «المجدلية»، وأنطون غطاس كرم في «ملامح الأدب العربي الحديث»، وحسين مروة في «دراسات نقدية في ضوء المنهج الواقعي»، وأدونيس في «زمن الشعر»، وغالب غانم في «من الشائع إلى الأصيل»، ومارون عبّود في «مجدّدون ومجترّون».
وكان لافتاً حضور المربّي أنيس أبي رافع متّكئاً على مديد عمر وجمٍّ من ذكريات، يوم قدّر لأبي رافع مفتخراً أن يتتلمذ على يد المربّي مارون عبود في «الجامعة الوطنية» في عاليه.
وتحدّث أبو رافع عن المربّي الصريح والواضح، عن رجل المواقف والتذكارات، الذي لا تزال أصداء سيرته العطرة تفوح في الحيّ الغربي في عاليه، أو في «الجامعة الوطنية». وفي دلالة على البعد الإنساني للمربّي مارون عبود، إلى جانب كونه أديباً مرموقاً، روى أبو رافع تجربة له مع أستاذه مارون عبود:
عام 1948، على إثر الثورة القومية الاجتماعية التي أعلنها سعاده قبيل استشهاده، رفض الأستاذ مارون عبود تسليم 23 تلميذاً إلى الظابط هشام قريطم للتحقيق معهم بتهمة الانتماء إلى الحزب السوري القومي الاجتماعي قائلاً له: «عندي تلاميذ ما عندي حزبيين، وما بيضهر ولا تلميذ منهم إلّا على جثتي». ليعود الظابط قريطم بقرار من النيابة العامة يقضي تطويق المدرسة وسحب أوراق الهوية من التلامذة المطلوبين عند خروجهم، فبادر الأستاذ مارون واستدعى االتلامذة القوميين واعتبرهم تلامذة في القسم الداخلي للمدرسة، ومنعهم من الخروج. وهكذا قطع الطريق على الظابط وأفشل مهمته في إلقاء القبض عليهم. ثم استدعى التلميذ أنيس أبو رافع وأخذ أسماءهم الكاملة، ليتوجّه مارون عبود في صباح اليوم التالي إلى النيابة العامة واستحضر منها 22 إخلاء سبيل، وأوقف التعقّبات موقّعة من النائب العام.
وللمفارقة، يضيف أبو رافع، لم يكن مارون عبود مناصراً للحزب!
وعلى عادة المناسبات التكريمية، لطالما كانت كلمة الختام تخصّ العائلة. إذ ألقى «الحفيد» الإعلامي وليد عبود كلمته، طارحاً مجموعة من الأسئلة تناول فيها قناعات الأديب في جلّ ما كتبه في حياته. متسائلاً إن كان محقّاً ومصيباً عندما آمن بـ«لبنان الكبير» وفضّله على «لبنان الصغير» أو لبنان المتصرفية، باعتبار أن الانعزال والتقوقع موت بطيء. وإن كان مصيباً عندما راهن على العروبة الحضارية؟
وطرح وليد عبود رؤية شخصية وتفسيراً خاصاً بفكر جدّه الناهل من التراث الثقافي العربي، والذي أحبّه واغتني به، وأحبّ لبنان كما الحياة حبّاً شاملاً إنسانياً موحّداً، وكل الأماكن خصبة في عالم هذا الكاتب الفذّ.
وكان الإعلامي عبود قد أدلى على هامش الندوة بمعلومة تفيد بوجود ثلاث أطروحات من تأليف مارون عبود، لم تُطبع حتى اليوم رغم مرور 54 سنة عل غيابه، إضافة إلى نفاد أعماله الكاملة على رغم امتلاك العائلة «دار مارون عبود للنشر». ولكن، في خضمّ أسئلته، فاته أن يردّ على هذا السؤال!