هذا موقفنا… ونقطة على السطر
وليد زيتوني
لا شك في أنّ هذه المرحلة في الكيان اللبناني، تتطلب جهداً استثنائياً ومدروساً، في ما خصّ المواقف التي تطلقها الأطراف المتنافرة سياسياً وفكرياً، خاصة في ما يتعلق منها بالعناوين الإصلاحية والمفاهيم التي يجب أن تؤسّس لهذا الإصلاح. ومنها ما يتعلّق بالمماحكات الديماغوجية القاتلة التي تحاول أن تنفخ بحجم أصحابها كسباً لرهانات غير موجودة واقعياً وعملياً.
فبناء الآمال على الخيال لن يؤدّي الى تحقيق الأحلام التي تساور عقول المنتظرين بناء دولة حقيقية. وكذلك تضخيم الأدوار الصغيرة لا يكسب صاحبها الشرعية الشعبية، ولا الشرعية القانونية، ولا حتى شرعية الأمر الواقع. وأيضاً، لا يمكن للنزق الطفولي في السياسة أن يرسم على أرض صلبة مرحلة ما بعد الطوفان والضباب الذي يلفّ هذه المنطقة.
وكي لا نبقى في العموميات، كثيرة هي الأمثلة التي تساق في هذا المجال، تحديداً في الأيام التي سبقت انتخاب رئيس للجمهورية والساعات القليلة التي تلته. ومن الطبيعي أن لا نحكم على العامة في تعبيراتها المختلفة، لكننا سنتوقف أمام بعض السياسيين ومسؤولي الأحزاب وأصحاب الرأي والمحللين وحتى المنجمين، وبالتأكيد دون تسميتهم، لأنّ القصد هو الارتقاء بالحوار لا الانخراط في جدليات عقيمة.
أولاً: إنّ قارئي الفنجان لا يستطيعون إضفاء صدقية على تبصيرهم بتسريبات إعلامية، لأنّ التنجيم لا يغيّر من الواقع والحقيقة شيئاً، والمنجمون ليسوا صادقين، والبعض القليل الذي شكك في صحة تصويت الكتلة القومية الاجتماعية للرئيس العماد مشال عون، هذا البعض لا يفهم أنّ الموقف قبل شجاعة الشجعان، وأنّ الحزب السوري القومي الاجتماعي حينما يتخذ موقفاً، إنما يتخذه وفقاً لقناعاته وخياراته السياسية، ونقطة على السطر.
ثانياً: في تعبير الشعب. الدولة تتكوّن من أرض وشعب ومؤسسات، وحين تتحوّل الأرض إلى أراضٍ والشعب الى شعوب والمؤسسات نفسها تتبع هذه الشعوب يسقط مفهوم الدولة وتصبح مشاعاً.
وعلى هذه القاعدة لا يمكن لسياسي في هذه الدولة ان يطلق على شريحة معينة تسمية «شعب مسيحي» و«شعب مسلم» الخ… ومن غير الجائز لمنظّر آخر أن يؤسّس لدولة واحدة او يعبر الى الدولة الواحدة كما يدّعي بمجتمعات متعدّدة تقوم على أسس طائفية واهية، إلا إذا كان فعلاً يؤسّس للتقسيم او لفيدرالية تناسب حجمه ومقامه وتناسب مشاريع مشغليه في الدوائر الخارجية.
ثانياً، لا يستطيع آخر أن يتهم الطرف الآخر بالتبعية لجهات خارجية، وهو غارق حتى أذنيه بالارتباطات غير المقنعة ولو كانت مقنّعة، وينفذ إملاءات السفارات والقناصل والمعتمدين لدى الدوائر الاستدمارية.
ثالثاً، لا يستطيع سياسي أن يقول بأنه انتصر، او انّ فريقه الذي انتصر، في معركة رئاسة الجمهورية بحنكته وذكائه وقوته الذاتية، رغم أنّ الوقائع تثبت بما لا يقبل الشك انّ الأوصياء الإقليميين منغمسون في معارك وأحداث قد تطال وجودهم وليس أدوارهم الإقليمية فقط. وأنّ الأوصياء الدوليين في غياب تامّ عن لبنان لأسباب متعددة.
لا يستقيم أمر الدولة بالفوضى السياسية القائمة والترهات الفكرية المنتشرة والمفاهيم الشعبوية السائدة، ولا بالمزايدات الفولكلورية المعتمدة. إنما يستقيم أمر الدولة بنسق علمي للمفاهيم تنتجه أحزاب ومؤسسات تربوية قادرة للعبور بين الطوائف والمناطق، مبني على قواعد أخلاقية اجتماعية صحيحة تتناسب مع بيئتنا وطبيعتنا، ومع تطلعاتنا وطموحنا، ومع أحلامنا، إذا جاز التعبير، ومع آمالنا وأمانينا بدولة رعاية اجتماعية أساسها المواطن والمواطنية تحت سقف قانون واحد موحد.
لا يستقيم أمر الدولة، والبعض يتهم البعض الآخر بإقامة دولة السلاح داخل الدولة، بينما هو يتربع على امبراطوريات المال والعقارات في الدولة نفسها.
لا يستقيم أمر الدولة إلا بالعدل المتساوي بين جميع المواطنين، فلا يخرج مجرم من السجن بعفو عام أو خاص، رغم جرائمه المتعدّدة مهما كانت مبرّراتها، وتبقي الدولة على متهم أقدم على فعله بعامل الأمر القائم متسلحاً بقناعة الدفاع عن النفس أو القضية التي يحملها.
إنّ الإصلاح يبدأ بتساوي الحقوق والواجبات، بتساوي فرص العمل، بالتنمية المتوازنة بين الشرائح والمناطق كافة، بالرؤية الجامعة الموحدة للمجتمع المنصهر في بوتقة المواطنية الصالحة.
نائب رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي