الحريري يبدأ مشاوراته لتشكيل حكومة توافقية موسّعة مهمّتها الانتخابات «القومي» يُودِعُها الرئيس وبرّي يتوّجها برسالة تحية لخطاب القَسَم وتسهيل للعهد

كتب المحرّر السياسي

هدّدت موسكو وجلبت مدمّراتها وحاملات طائراتها وأعلنت اكتمال عدة الحرب وقالت إنها لم تعد تجد سبباً للتمسك بالسعي للحلّ السياسي، فالدول التي تعهّدت فصل النصرة عن الجماعات المسلحة لا تبذل جهداً إلا للتطاول على موسكو وتنظيم الحملات ضدّها، والجماعات المسلحة التي تتباكى على الحصار وتتاجر بالبعد الإنساني تنظم حملات عسكرية تحت قيادة جبهة النصرة. فتردّ واشنطن بالإعلان عن التمسك بالتفاهم مع موسكو، والسعي المشترك معها للسير بالحلّ السياسي في سورية، وبدأت سلسلة مشاورات، انتهت بإعلان روسي عن هدنة ساعات في حلب يوم غد، ليعلن قائد سلاح الجو أنها قد تكون آخر مرة تعلن فيها هدنة، بعدما صارت جهوزية روسيا للحسم دعماً للجيش السوري والحلفاء ما لم تظهر بوادر جدية لتقدّم مساعي فصل الجماعات المسلحة عن النصرة.

هذا التناغم بين السياسي والعسكري في سورية، يشبه تناغماً مماثلاً في اليمن بين مساعي الحلّ وما يشهده الميدان من تصعيد، بينما الأميركيون يعيشون إيقاع متغيّرات انتخابات الرئاسة التي باتت خبزاً يومياً للأيام المقبلة وما فيها من مفاجآت حمل آخرها مؤشرات انقلاب استطلاعات الرأي في ما يُعرف بالولايات المتأرجحة التي ترسم مستقبل الانتخابات وفي طليعتها كاليفورنيا وأوهايو لصالح دونالد ترامب بعدما كانت محسومة لهيلاري كلينتون، التي خسرت الكثير منذ الإعلان عن قيام الـ»أف بي أي» ببدء التحقيقات الصعبة معها حول بريدها الإلكتروني وشبهات استخدام موقعها السابق كوزيرة للخارجية لصرف النفوذ، أو مخالفة الأنظمة لإخفاء ممارسات غير دستورية بالتهرّب من الرقابة التي يوفرها اعتماد الوسائل الرسمية للمراسلات الحكومية كما تنص الأنظمة التي تضبط مسؤوليات الوزراء عبر حصر التخاطب بالوسائل الرسمية.

بين ما يجري في المنطقة وما سيجري في أميركا، يكتشف اللبنانيون مقدرتهم على توظيف الدينامية التي أطلقها انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، خصوصاً بما تضمّنه خطاب القَسَم حول الالتزام بأولوية وضع قانون جديد للانتخابات قبل الانتخابات المقبلة، لإجرائها في موعدها، ما بدّد هواجس تفاهمات على التمديد للمجلس النيابي أو السير بالانتخابات وفقاً لقانون الستين، وفرض رسالة تحية للرئيس عون سيترجمها موقف رئيس المجلس النيابي نبيه بري ومعه كتلة الوفاء للمقاومة في الاقتراب من تسمية الرئيس سعد الحريري لرئاسة الحكومة، التي صارت مهمتها الرئيسية وضع القانون الجديد بسرعة والتمهيد لإجراء الانتخابات. وهذا يستدعي اختصار مهلة تشكيل الحكومة، واختصار مواضيع النقاش حولها، كي لا يقع محظور التمديد للمجلس ولو لشهور قليلة بدواعٍ تقنية. وهكذا قد يخرج الرئيس الحريري بقوة اندفاعة العهد بحصاد يقارب الإجماع بعدما توزّع النواب وكتلهم بين تسميته وتركِ الأمر في عهدة رئيس الجمهورية، كما فعل الحزب السوري القومي الاجتماعي.

قانصو: أهداف الحرب على الشام ستفشل

أكد رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي الوزير السابق علي قانصو أن انتخاب رئيس الجمهورية اللبنانية مصلحة وطنية أكيدة لكلّ اللبنانيين، مشدداً على أن «الحزب سيقف إلى جانب العهد الجديد في بناء الدولة ودعم المقاومة ومواجهة الإرهاب، فالمقاومة أهمّ ركيزة قوة للبنان، ونحن مع رئيس يعتمد سياسة قوة لبنان في مقاومته وفي جيشه، ويقيم أفضل العلاقات مع الشام».

وخلال اجتماع للهيئات المسؤولة في منفذيات بيروت، المتن الجنوبي، المتن الساحلي والطلبة الجامعيين في بيروت وعدد من المديريات المستقلة، وذلك في قاعة الشهيد خالد علوان، أشار قانصو الى أنه «كما كان الانتصار حليف المقاومة في لبنان وفلسطين سوف تفشل أهداف الحرب الجديدة في الشام وفي العراق»، مضيفاً: «أعلنا منذ البداية أنّ الحرب على الشام لا تهدف إلى الإصلاح، بل هي حرب «إسرائيلية» تهدف إلى تفتيت الأمة، ولذلك كان قرارنا بمواجهة هذه المؤامرة وأدواتها. وهو الموقع الطبيعي لحزبنا للحفاظ على وحدة سورية ودورها القومي». وأكد أن الشام ستخرج من هذه المحنة منتصرة وموحدة بقيادة الرئيس بشار الأسد. لافتاً الى أن «أنطون سعاده كان رائياً حينما رأى أنّ لبنان جزء من أمة وليس أمة قائمة بذاتها وحين قرّر استحالة تقدّم لبنان وتطوّره من خارج محيطه القومي».

الحريري رئيساً مكلفاً بـ86 صوتاً

ستة وثمانون صوتاً للرئيس سعد الحريري حصيلة اليوم الأول من الاستشارات النيابية التي يجريها رئيس الجمهورية ميشال عون مع الكتل النيابية في قصر بعبدا لتسمية رئيس الحكومة. وإلى أن يصدر رئيس الجمهورية مساء اليوم بيان التكليف رسمياً، فإن رئيس تيار المستقبل عملياً أصبح الرئيس المكلف، على أن يصدر الرئيس عون مرسوم التكليف بالتزامن مع مرسوم التأليف لاحقاً.

وتستكمل الاستشارات اليوم مع كتلة نواب الأرمن ونائب الجماعة الإسلامية والنواب المستقلين وكتلتي «الوفاء للمقاومة» التي أرجأت موعدها الى اليوم و»التنمية والتحرير»، وفي حال سمت الكتلتين الحريري فقد يرتفع العدد الى 123 صوتاً.

وبعد أن ضمن الحريري النصاب القانوني للتكليف فإن عينيه باتت شاخصة الى عين التينة، حيث النصاب السياسي والميثاقي للتأليف في جيب رئيس المجلس النيابي نبيه بري. فهل يبقى الحريري رئيساً مكلفاً ويطول التأليف الذي لم يحدد بمهلة قانونية؟ وهل يتكرر سيناريو تشكيل حكومة الرئيس سلام الذي استغرق ثمانية أشهر؟ وإذا كانت حارة حريك طريق رئيس الجمهورية الى بعبدا، فهل تكون عين التينة طريق رئيس الحكومة إلى السراي الحكومي؟

مصادر مطلعة قالت لـ «البناء» إن «الاتصالات والاجتماعات مستمرة بين الرئيس بري وقيادة حزب الله ويجري درس كل الخيارات على أن يتخذ القرار النهائي صباح اليوم، بما تقتضيه المصلحة الوطنية وكل الاحتمالات واردة». وأكدت المصادر أن «موقف الثنائي الشيعي سيكون موحداً إزاء تسمية رئيس الحكومة وتأليف الحكومة وتركيبتها»، موضحة أن تسمية الحريري ستكون وفق رؤية متكاملة للحكومة ومسار عملها وطبيعتها وبيانها الوزاري ولا يتعلق الأمر فقط بالحقائب». ولفتت المصادر الى أن «مسار تأليف الحكومة لن يطول كثيراً، لكنه لن يكون سهلاً، نظراً للتعقيدات التي تحيط أهمها عملية توزيع الحصص، خصوصاً إذا كانت ستضم القوى السياسية كافة». بينما فسّر مراقبون سبب إرجاء كتلة «الوفاء للمقاومة» موعد لقائها مع رئيس الجمهورية الى اليوم توافر معطيات جديدة ودرس لخيار تسمية الحريري بالتنسيق مع حركة أمل».

وعلمت «البناء» أن «كتلتي التنمية والتحرير والوفاء للمقاومة تدرسان خيار تسمية الحريري في استشارات اليوم، وذلك كرسالة إيجابية ومنح الرئيس عون والعهد الجديد قوة دفع وزخم سياسي ووطني للانطلاق بمسار النهوض في البلد».

واستهلّ الرئيس عون الجولة الأولى من الاستشارات بلقاء مع رئيس حكومة تصريف الأعمال تمام سلام والرئيسين نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة ونائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري الذين سموا الحريري لرئاسة الحكومة. ثم أعلنت كتلة المستقبل تسمية الحريري لرئاسة الحكومة. ووصف السنيورة اللقاء مع الرئيس عون بالممتاز تلتها كتلة «التيار الوطني الحر» التي سمّت الحريري أيضاً. كما سمّى الحريري النائب خالد ضاهر وكتلة القوات اللبنانية.

وفي الجولة الثانية من الاستشارات أعلنت كتلة الحزب القومي السوري الاجتماعي التي تحدث باسمها النائب أسعد حردان أننا أودعنا موقفنا لدى فخامة الرئيس، وقال حردان: «هنأنا فخامة الرئيس على انتخابه، وتبادلنا معه الآراء حول المرحلة التي نمرّ بها، وتمنينا للعهد مسيرة ناجحة ومزدهرة، لأن هذا الأمر لصالح كل اللبنانيين. وقد اودعنا موقفنا لدى فخامة الرئيس».

وأكد النائب حردان لـ «البناء» أننا أودعنا موقفنا لدى فخامة الرئيس، لافتاً رداً على سؤال عن المشاركة في الحكومة، إلى أن هذا الأمر متروك للنقاش ولما سيُعرض على الحزب من حقائب، مشدّداً على «أننا إلى جانب العهد الجديد من أجل استنهاض البلد».

كما أعلن الوزير ميشال فرعون والنائبان ميشال المر ونايلة تويني تسمية الحريري، اضافة الى الوزير بطرس حرب وكتلة نواب حزب الكتائب وكتلة وحدة الجبل برئاسة النائب طلال أرسلان والنائب احمد كرامي باسم كتلة التضامن وكتلة نواب «لبنان الحر الموحد» التي تحدّث باسمها النائب سليم كرم.

وعلمت «البناء» أن «لقاء كتلة المرده مع الرئيس عون كان إيجابياً وخفف من التشنجات التي رافقت انتخاب رئيس الجمهورية»، وأكدت أن «المرده مستعدة لفتح صفحة جديدة وللتعاون مع العهد الجديد»، كما نقل الوفد «تحيات فرنجية الى عون وتهنئة بانتخابه رئيساً».

وعن سبب تغيّب فرنجية عن الاستشارات أوضحت المصادر أن «ظروف البلد هي التي حالت دون وجوده ضمن وفد الكتلة التي فوّضها تمثيله لكن عدم حضوره لا يعتبر مقاطعة لرئيس الجمهورية».

وعن مشاركة «المرده» في الحكومة علمت «البناء» أن لا مشكلة لدى المرده في المشاركة، لكنها تنتظر التكليف الرسمي للرئيس الحريري وسيكون لها اجتماع معه وتقرّر بعده دخول الحكومة، أو البقاء في المعارضة، استناداً الى ما يعرض عليها من حقائب وبالتنسيق مع الحلفاء».

كما علمت «البناء» أن «الوزير أرسلان سمّى الحريري انسجاماً مع مناخ الوفاق في البلد والتفاهم الذي واكب انتخاب رئيس الجمهورية، لذلك كان الاتجاه لتسمية الحريري لتسهيل التكليف والتأليف وكي لا يُقال إن الحزب الديمقراطي أو فريق 8 آذار يعرقلون تشكيل الحكومة الأولى للعهد الجديد». كما نقل عن أرسلان تأكيده أنه انتخب العماد عون في انتخابات الرئاسة ولا يحتاج الى شهادة على صدقه والتزامه من أحد.

وأعلنت كتلة حزب البعث التي تحدث باسمها النائب عاصم قانصوه أنها لم تسمِّ أحداً.

واختتم عون اليوم الأول من الاستشارات النيابية الملزمة بلقاء كتلة جبهة النضال الوطني واللقاء الديمقراطي التي تحدث باسمها النائب وليد جنبلاط قائلاً: «لقد سمت الكتلة الرئيس سعد الحريري وقلنا لفخامة الرئيس عون إنه علينا تضييق الخلافات والتركيز على بناء الداخل، ونحاول تجنب صراع الدول والأمم من أجل لبنان ومصلحته».

وعن شكل الحكومة المقبلة، أجاب جنبلاط: «هذه ليست مهمتي».

حكومة وطنية بـ32 وزيراً؟

وقالت مصادر أخرى لـ «البناء» إن «الحكومة قد تتعدّى الرقم ثلاثين إلى 32 وزيراً بهدف تمثيل أكبر للكتل النيابية وللأقليات في الطائفة المسيحية»، كما لفتت الى أن «الرئيس بري يطالب أن تكون وزارات المالية والنفط والأشغال من حصة الطائفة الشيعية وتحديداً الى كتلته النيابية»، وتوقعت المصادر أن «تمتد فترة التأليف الى ستة أشهر إذا حصلت خلافات على الحصص بين القوى السياسية لا سيما وأن حزب القوات اللبنانية يطالب بحقيبة سيادية على الأغلب الداخلية، الأمر الذي يلاقي اعتراضاً شديداً من الثنائي الشيعي الذي يصرّ أيضاً على إيلاء الوزير فرنجية حقيبة سيادية».

ومواقف وبرقيات…

وتوالت المواقف والبرقيات المهنئة بانتخاب الرئيس عون، كان أبرزها من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وأمير دولة الإمارات والرئيس القبرصي وأمير الكويت.

وتلقّى الرئيس بري اتصالاً من رئيس مجلس الشورى الايراني الدكتور علي لاريجاني الذي هنأ المجلس النيابي بانتخاب رئيس الجمهورية الجديد، منوّهاً بدور المجلس في الحفاظ على المؤسسات الدستورية والاستقرار في البلاد، ومتمنياً للعهد الجديد النجاح والازدهار لا سيما في هذه المرحلة الصعبة، وأكد رغبة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في تقديم الدعم اللازم للبنان.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى